البرلمان العراقي يرتب “انقلابا أبيض” على نتائج الانتخابات

البرلمان العراقي يرتب “انقلابا أبيض” على نتائج الانتخابات

بغداد – قالت أوساط عراقية إن قرار البرلمان بإعادة فرز الانتخابات يدويا يهدف إلى التفاف جزئي على النتائج التي تهدد تأثير نفوذ الأحزاب الموالية لإيران داخل العراق، وهي أحزاب ذات الأغلبية في البرلمان الحالي، وإن الهدف منه ليس تغيير نتائج الكتل الفائزة بالمراتب الأولى، وإنما تغيير نتائج الكتل الصغيرة بالشكل الذي قد يفضي إلى تغيير معادلة تشكيل الحكومة.

ووصفت هذه الأوساط ما قام به البرلمان بأنه يشبه “انقلابا أبيض” يهدف إلى إحداث التوازن بين الموالين لإيران والساعين للتحرر من سيطرتها، ومنهم زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر.

وبات في حكم المؤكد أن نتائج الانتخابات العراقية العامة، التي أعلن عنها في التاسع عشر من الشهر الماضي “لم تعد نهائية”، بعد إعلان القضاء عن تجميد أعمال مجلس مفوضية الانتخابات، وهي الجهة التي أشرفت على عملية الاقتراع، وتكليف قضاة بإدارة عملية يدوية لعد وفرز الأصوات، تنفيذا لتشريع برلماني، صدر الأربعاء.

وأعلن مجلس القضاء الأعلى، وهو أرفع سلطة في العراق، الخميس، عن “دعوة أعضاء مجلس القضاء الأعلى كافة للاجتماع الأحد القادم لتسمية القضاة الذين سوف يتم انتدابهم للقيام بأعمال مجلس المفوضين والإشراف على عملية إعادة العد والفرز اليدويين لنتائج الانتخابات وتسمية القضاة الذين سوف يتولون مهمة إدارة مكاتب مفوضية الانتخابات في المحافظات”.

وقرر المجلس “تشكيل لجنة من رئيس الادعاء العام ورئيس هيئة الإشراف القضائي وأحد المشرفين القضائيين للانتقال فورا إلى مبنى مفوضية الانتخابات للتمهيد لتنفيذ المهمة الموكلة للقضاء بموجب قانون التعديل الثالث لقانون الانتخابات واتخاذ كافة الإجراءات اللازمة للمحافظة على صناديق الاقتراع والأجهزة والأوليات الخاصة بعملية الاقتراع″.

ورأى مجلس القضاء أنه “بصدور قانون تعديل قانون الانتخابات يتوقف عمل الهيئة القضائية للانتخابات المختصة بالنظر في الطعون المقدمة على نتائج العد والفرز الإلكتروني إلى حين حسم إجراءات العد والفرز اليدويين وتقديم الطعون الجديدة بخصوصها”.

وعمليا، فإن مجلس القضاء عزل مفوضية الانتخابات كليا، وألزم جميع الأطراف بانتظار نتائجه هو.

ووفقا لمعلومات حصلت عليها “العرب” من مصادر قضائية وقانونية في بغداد، فإن “تحالفي (بغداد) و(الأنبار هويتنا)، التابعين لحزب الحل الذي يتزعمه رجل الأعمال جمال الكربولي، فضلا عن (الاتحاد الوطني الكردستاني)، الذي أسسه وترأسه لعقود الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني، هي الأطراف التي ستخسر بعض مقاعدها، بسبب العد والفرز اليدويين للأصوات”.

وبحسب مراقبين، فإن انتهاء ضجة تزوير الانتخابات عند هذا الحد ربما يكون موضع رضا مختلف الأطراف، لا سيما الفائزة منها.

ووفقا لتقديرات مراقبين، فإن الإجراءات القضائية الأخيرة التي ستخضع لها النتائج، لن تغير ترتيب الفائزين في المقدمة، وربما لن تتسبب أيضا في تغيير عدد مقاعد كل منهم، بل سينحصر أثرها في بعض الدوائر السنية والكردية، حيث سجلت اعتراضات معززة بأدلة دامغة.

ولكن توقعات سياسية تذهب إلى سيناريو قد يتسبب في إغضاب الجميع، وذلك في حال اكتشاف عمليات تزوير واسعة، ما يضع العملية الانتخابية برمتها في دائرة الشبهات، ويشجع المعترضين عليها على المطالبة بإلغاء نتائجها كليا.

وردا على ذلك، يقول نواب في البرلمان العراقي الحالي، الذي تستمر ولايته القانونية حتى نهاية الشهر الجاري، إن “تعديل قانون الانتخابات لم ينص بأي حالة من الحالات على إلغاء أو إعادة الانتخابات، بل هو نص على طريقة تصحيحية للشكوك الموجودة في العملية الانتخابية وهي طريقة الفرز والعد اليدويين”.

ويرى هؤلاء أنه “حتى ولو قلنا بإلغاء نصف الأصوات، فإن العملية الانتخابية تسير في طريقها، بل إلغاء ولا إعادة”.

وكان مجلس النواب نجح، الأربعاء، في جمع 172 نائبا ليعقد جلسة للتصويت على تعديل قانون الانتخابات وتطبيقه بأثر رجعي على الانتخابات التي جرت في الثاني عشر من الشهر الماضي، وهو ما عد مؤشرا واضحا على التغيير المحتمل في النتائج.

ويرى مراقبون عراقيون أن الانقلاب على نتائج الانتخابات كان متوقعا في ظل عجز الأطراف الموالية لإيران عن تشكيل الكتلة البرلمانية التي يحق لها ترشيح رئيس الوزراء في المرحلة المقبلة. لكنهم أشاروا إلى أن أحدا من تلك الأطراف لم يتقدم بطعن معلن على تلك النتائج، تاركة الأمر لأتباعها من السنة والأكراد.

وقال مراقب عراقي لـ”العرب” إن الأطراف الشيعية سعت للظهور كما لو أنها بعيدة عن الصراع، في حين أن الصراع في حقيقته بين جبهتين، يقود إحداهما نوري المالكي ويتزعم الأخرى مقتدى الصدر، وقف بينهما رئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي الذي أدلى بدلوه أخيرا حين أكد أن الانتخابات شابها تزوير وشكل لجنة للتحقيق في ذلك، وهو إجراء شكك رجال القانون بدستوريته.

وأضاف المراقب أن العبادي صار يميل إلى تخفيف عبء الخسارة على زعيمه الحزبي نوري المالكي من خلال الاستجابة لاحتجاجات الأطراف السنية الخاسرة التي يقف على رأسها رئيس مجلس النواب سليم الجبوري المعروف بتحالفه مع المالكي، مشيرا إلى أن الجبوري قام بتعبئة مجلس النواب ضد نتائج الانتخابات بما يعني أن هناك تحالفا قد جرى بين السلطتين، التشريعية والتنفيذية، الهدف منه تعطيل نتائج الانتخابات والبحث عن آلية بديلة للاستمرار في العملية السياسية.

وحذر من أن تجميد نتائج الانتخابات سيدخل العراق في دوامة جديدة من التجاذبات التي يغلب عليها هذه المرة صراع بين الأطراف الفائزة وفي مقدمتها تحالف (سائرون) وبين أطراف تبدو كما لو أنها خاسرة لأنها لن تستولي على السلطة التنفيذية يقف في مقدمتها تحالف (هادي العامري ونوري المالكي) وهو صراع قديم جديد قد يؤدي هذه المرة إلى إشعال نار فتنة شعبية إذا ما أصر الصدر على الحصول على استحقاقه الانتخابي.

العرب