رسمت الانتخابات العراقية التي جرت في العاشر من تشرين الاول/ أكتوبر الفائت، خارطة سياسية جديدة للعراق عبر النسب والمقاعد التي حصلت عليها الأحزاب والكتل والتيارات السياسية التي شاركت فيها وجاء معظمها مخالف للعديد من الآراء والتوقعات التي سبقت إجراء الانتخابات مع تباين في حظوظ العديد من الشخصيات السياسية وقيادات الأحزاب وخسارة البعض منهم لمقاعده في مجلس النواب ، مع انكفاء واضح للاحزاب والتيارات السياسية التي ترتبط بعلاقة وثيقة مع النظام الإيراني وتنتهج سياسة توافقية تعتمد على اعتبار الإيرانيين حلفاء استراتيجين في العلاقات العراقية الإيرانية وهذا ما أحدث تباين ميداني في طبيعة النتائج الميدانية وطبيعة السياسات المستقبلية وما سيشهدها الواقع العراقي من أزمات ومشاكل تنعكس سلبيا على الأداء الحكومي وتشكيل الوزارة العراقية والرئاسات الثلاث بحكم النفوذ والهيمنة التي يتمتع بها النظام الإيراني وأدواته وتأثيراته على المشهد السياسي العراقي بعد الاحتلال الأمريكي للعراق في التاسع من نيسان عام ٢٠٠٣.
أكدت نسب المشاركة الشعبية في الاقتراع واختيار نواب جدد في أروقة مجلس النواب العراقي عزوف ابناء الشعب عن الذهاب إلى مراكز الانتخاب بسبب الاوضاع المأساوية التي يعيشها المواطن العراقي وعدم وجود آفاق مستقبلية لرفع كاهل المعاناة اليومية التي يعاني ويكابد منها طيبة عقدين من الزمن وعبر سبع حكومات شكلت بعد غزو العراق .
تابع مركز الروابط للدراسات الإستراتيجية والسياسية الأبعاد الحقيقية لنتائج الانتخابات والأحداث التي رافقها والاعتراضات والاحتجاجات الأحزاب والتيارات السياسية التي لم تأتي النتائج بما يلائمها وحظوظها وتأثيراتها الميدانية، وتمكن من احصاء العديد من الظواهر السياسية والسلوك الانتخاب ومدى الحضور والمشاركة الشعبية ، وأهمها أن الانتخابات كانت إحدى المطالب الرئيسية للاحتجاجات الشعبية التي انطلقت في الأول من تشرين الاول عام ٢٠١٩ وتمكنت قواعدها الجماهيرية من تحقيق أهدافها بعد الإجراءات الحكومية التي قام بها السيد مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء ومساهمته في تغيير قانون الانتخاب عبر مجلس النواب وإقرار مبدأ تعدد الدوائر الانتخابية في المحافظات وهذا ما منح المستقلين وشباب تشرين الذين شاركوا في الانتخابات عبر قواعدهم الجماهيرية فرصة كبيرة في منافسة الأحزاب السياسية التي تسيدت المشهد السياسي العراقي والتفوق عليها في العديد من الدوائر الانتخابية بحيث تمكنت حركة امتداد التي يتزعمها الدكتور علاء الركابي من الحصول على (١٠) مقاعد في حين أن حزب اشراقة كانون كان نصيبها (٦) مقاعد والمستقلين على (٩) مقاعد وهو يشكل حظوظا لهذه التيارات بتكوين كتلة معارضة عريضة تحت قبة البرلمان وهناك محاولات لانضمام نواب فائزين آخرين إليهم ، وأبدى قياديو الانتفاضة الشعبية بعد فوزهم مواقفهم من المشاركة في تشكيل الحكومة القادمة واقروا أن القرار السياسي يجب أن يكون عراقيا وطنيا مستقلا بعيدا عن كل التأثيرات والتجاذبات الدولية والإقليمية واعتبار الشعب هو صاحب الكلمة الفصل في اتخاذ القرارات المركزية وهذه المطالبات تناغمت مع مواقف التيارات السياسية الفائزة بالانتخابات وينسب عالية والتي أكدت على وحدة الشعب العراقي وتحقيق مبدأ العمل المشترك بعيدا عن أي تميز عرقي وطائفية ومذهبي والحفاظ على هيبة الدولة واعتماد أسس المشاركة الشعبية والتنظيمية في القرارات الصادرة من الحكومة العراقية القادمة ، وهي إحدى ثمار التنسيق العالي بين الجماهير المنتفضة والتيارات الداعمة لها .
شكلت نتائج الانتخابات صدمة سياسية كبيرة لدى الأحزاب الرئيسية التي لم تتمكن من الحصول على المقاعد التي سبق لها وأن فازت بها عام ٢٠١٨ بسبب ضعف حضورها الميداني وفشل برامجها الانتخابية وابتعادها عن طموحات وآمال أبناء الشعب وتبعيتها السياسية وعدم قدرتها على العمل أثناء وجودها في السلطة على توفير مستلزمات الحياة الحرة الكريمة وتأمين العيش للمواطن العراقي واعتمادها على بعض الشخصيات التي ساهمت في الفساد الاقتصادي والإداري وتصاعد حالة الوعي والإدراك لدى أبناء الشعب العراقي في الوفاء والانتماء لدماء وتضحيات انتفاضة تشرين ومعاقبة الأحزاب التي لم تنتصف للشهداء والاقتصاص من القتلة واحالتهم للمحاكم وتحقيق العدالة الاجتماعية والسلم الأهلي وفتح ابواب الأمل لعملية التغيير والإصلاح للمنظومة السياسية والاقتصادية في العراق واحترام سيادة القانون وتطبيق الأنظمة المرعية .
اتسمت الانتخابات العراقية بحضور واهتمام دولي عبر مشاركة مراقبين من بعثة الأمم المتحدة القرار من مجلس الأمن الدولي تلبية لطلب الحكومة العراقية وحضور ممثلين عن الاتحاد الاوروبي وجامعة الدول العربية للإشراف على سير الانتخابات ومنع حالة التزوير ومتابعة النتائج ، واشارت جميع تقارير هذه المنظمات والاتحادات ومنظمات المجتمع المدني التي شاركت في المتابعة والإشراف الى نجاح سير الانتخابات ومباركة نتائجها والإشادة بها ولحسن الإدارة والتنظيم.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية