مرةً أخرى، يعود ملف الانتخابات المبكرة ليتصدر المشهد العراقي من جديد، بعد إعلان رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي عن موعد إجرائها مطلع يونيو (حزيران) 2021، الأمر الذي يُثير تساؤلات عديدة عن مدى تقبُّل القوى السياسية هذا الأمر، وتحديداً القوى المُوالية لإيران.
“مُخادعة مكشوفة”
جاء إعلان الكاظمي عن موعد الانتخابات المبكرة بالتزامن مع استمرار الخلافات بين القوى السياسية بشأن قانونها وتوزيع الدوائر الانتخابية فيها، فضلاً عن حديث برلمانيين عن أن بعض القوى السياسية مستمرة برفض إقامة انتخابات مبكرة؛ لأنها تتخوَّف من احتمالية خسارتها. إلا أن الأطراف السياسية المُوالية لإيران لم تتطرق لتلك النقاط الخلافية، واكتفت بالحديث عن الموعد، حيث وجدت تلك الأطراف في رد رئيس البرلمان محمد الحلبوسي بالدعوة لانتخابات “أبكر”، مخرجاً مناسباً يُجنِّبها الخوض في الشروط والإجراءات التي حدَّدتها المفوضية العليا للانتخابات.
ويبدو أن الكاظمي وضع الأطراف المُوالية لإيران في زاوية حرجة، فخلال ساعات أصدرت كتلة “صادقون” الجناح السياسي لـ”عصائب أهل الحق” ثلاثة بيانات أعربت فيها عن تحفظها على الموعد الذي وضعه الكاظمي، مطالبة بموعد “أبكر”.
وفي أول تعليق له، قال نوري المالكي، زعيم ائتلاف “دولة القانون”، إن “حل البرلمان يعتمد مرحلتين، الأولى الجهات التي لها حق طلب الحل، والثانية الجهة التي بيدها قرار الحل، ويكون بتصويت المجلس على حل نفسه”، مضيفاً: “لا صلاحية لأي جهة بحل المجلس من دون موافقته على حل نفسه”، بينما انضم إلى الداعين لاستعجال موعد الانتخابات بالمطالبة بموعد “أبكر”.
ووصف سليم الجبوري، رئيس البرلمان السابق، الخلافات حول الموعد بأنها “مُخادعة مكشوفة”، قائلاً في تغريدة على “تويتر”: “لعلكم تُدركون حجم المأزق الذي وقع به أدعياء الانتخابات المبكرة، فبعدما أعلن رئيس الوزراء عن موعدها بدأت التصريحات التي تبحث عن نقطة خلاف تصرف الجميع عن تحقيق هذا الهدف، فهناك من طرح الانتخابات الأبكر، ومن قال بحل البرلمان”، وختم تغريدته بوسم “الشعب يدرك ألاعيبكم”.
إلزام قانوني على الكاظمي والبرلمان
في المقابل، أشارت مصادر مقربة من حكومة الكاظمي إلى أن “تصويت البرلمان على المنهاج الحكومي الذي ضم مصطلح الانتخابات المبكرة، يعني الزاماً قانونياً على البرلمان والكاظمي معاً”.
وأضافت المصادر لـ”اندبندنت عربية” أن “الكاظمي يحاول تطبيق كل التزاماته في إطار منهاج حكومته المُصوَّت عليه من البرلمان، حيث إنه عندما يصل إلى الانتخابات يكون قد فعل كل ما وعد به في المنهاج”، مُبيِّنةً أن “ما دفع الكاظمي إلى إعلان الانتخابات المبكرة هو عدم لمسه جدِّية بعض القوى السياسية في حسم هذا الملف”.
وتعتقد المصادر أيضاً أن “تلك القوى ستحاول صناعة عراقيل أمام هذا الملف من خلال منع إمرار القانون بصيغته النهائية في البرلمان”، مؤكدةً “عزم الكاظمي على توفير كل مستلزمات إجراء الانتخابات في الموعد الذي أعلن عنه، وعلى رأسها توفير الأجواء الآمنة بعيداً عن تأثير السلاح المُنفلت، والمال الفاسد”.
متغيرات “ثورة أكتوبر”
لعل ما يزيد من تعقيد حسم ملف الانتخابات المبكرة تضاؤل شعبية القوى السياسية المُوالية لإيران، وتحديداً بعد انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول)، التي عبَّرت عن رفضها النفوذ الإيراني في البلاد، فضلاً عن الاتهامات التي وجَّهها ناشطون للأذرع المسلحة المُوالية لإيران بالضلوع في عمليات خطف وقتل المحتجين، مقابل اتهام القوى المُوالية لإيران للاحتجاجات في أكثر من مناسبة بأنها مدعومة من سفارات دول أجنبية على رأسها السفارة الأميركية.
إلى ذلك، يقول الباحث والأكاديمي باسل حسين، إن “إعلان الكاظمي عن موعد الانتخابات المبكرة كان بمثابة مفاجأة لجميع الأطراف السياسية ووضعها في مواجهة مع الشارع العراقي”.
ويضيف باسل حسين لـ”اندبندنت عربية”، أن “المتغيرات الحاصلة بعد ثورة أكتوبر هي التي تدفع الأحزاب المُوالية لإيران لاعتبار الانتخابات المبكرة بمثابة حرب وجود بالنسبة لها، وستعرقل الانتخابات على الرغم من إعلانها عكس ذلك”، مشيراً إلى أن “خطورة الانتخابات المبكرة بالنسبة لتلك القوى تكمن في أنها قد تُفرز نمطاً جديداً للحكم في العراق يتغلب على رؤية الميليشيات المُوالية لإيران في ترسيخ معالم دولة يتحكمون بها”.
وبشأن إمكانية أن تحد الانتخابات المبكرة من تصعيد التظاهرات، يبين حسين أن “هذا الملف سيسهم إلى حد ما في تقليل زخم التظاهرات؛ لأن الشباب سينشغلون في تنظيم وترتيب أوضاعهم للدخول في المنافسة الانتخابية”.
مسارات عرقلة الانتخابات
على الرغم من إعلان تلك القوى دعمها الانتخابات المبكرة، فإن هذا الدعم قد لا يخرج عن حدود الترويج الإعلامي، حيث يرى مراقبون أن رفض تلك القوى إجراءها لن يكون مباشراً، ويبدأ من الخلافات بشأن الموعد، ولن ينتهي عند حدود السعي إلى عرقلة التصويت على القوانين المتعلقة بها في البرلمان.
في السياق نفسه، يقول الباحث في الشأن السياسي غالب الدعمي، إن “الكاظمي حدَّد موعد الانتخابات المبكرة على الرغم من إدراكه حجم المُمانعة التي ستُسلَّط عليها، لكنها تأتي ضمن مساعيه للوفاء بتعهُّدات البرنامج الحكومي”.
ويُرجِّح الدعمي “لجوء تلك القوى إلى عدة مسارات لعرقلة إقامة الانتخابات المبكرة، من خلال عدم حسم الموقع الشاغر في المحكمة الاتحادية، وعرقلة التصويت على قانون الانتخابات وتمويلها. أما المسار الآخر فقد يشمل تصعيداً على الأرض”، مبيناً أنه “من غير المستبعد أن تفتعل تلك الجهات إشكالات أمنية على غرار ما حصل في منطقة الطارمية قبل فترة”.
ويتابع أن “الكتل السياسية القريبة من الدول التي تتدخل بالشأن المحلي العراقي لا ترغب بإجراء الانتخابات المبكرة، لأنها لا تزال تحت تأثير صدمة التظاهرات، ولم تُعِد ترتيب أوراقها للدخول مبكراً في الصراع الانتخابي”.
ويشير الدعمي إلى أن “تزامن هذا الإعلان مع اتهامات وجهتها فصائل مسلحة للكاظمي يُعد ضربة لتلك الأطراف”، مضيفاً أن “هدف هذه الجهات من إدامة الصراع مع الكاظمي هو الحصول على مكاسب وضمانات، بعد ضربات متكررة لمصالحها المالية في المنافذ، وغيرها من الإجراءات”.
وبشأن محاولات بعض القوى الدخول على خط دعم الاحتجاجات، يُبيِّن الدعمي أن “غاية تلك القوى توجيه بوصلة الاحتجاجات ضد الكاظمي بعيداً عنها، لكنها لن تنجح؛ لأن الجمهور حسم أمره فيما يتعلق بالموقف من تلك الجهات”.
أحمد السهيل
اندبندت عربي