عام ابن سلمان.. تحولات موجعة من أجل “عظمة أميركا”

عام ابن سلمان.. تحولات موجعة من أجل “عظمة أميركا”

قبل نحو عام أعلن الديوان الملكي السعودي عبر أوامر ملكية عاجلة تعيين محمد بن سلمان وليا للعهد خلفا لولي العهد السابق محمد بن نايف الذي “عزل” من منصبه واختفى بعيدا عن الأنظار في ظروف يشوبها الكثير من الغموض، وكانت تلك الخطوة نهاية مرحلة وبداية أخرى ليس في السعودية فحسب، بل في المنطقة برمتها.
ولئن كان ولي العهد الجديد محمد بن سلمان تمكن من قلب بوصلة المشهد رأسا على عقب فالثابت أن ذلك لم يأت دفعة واحدة خلال العام المنقضي، بل منذ اعتلاء والده سلمان بن عبد العزيز سدة الحكم ملكا للسعودية قبل ثلاثة أعوام، حيث أصبح الرجل يضطلع بأدوار مهمة ومؤثرة منذ ذلك الحين، قبل أن تفضي التطورات إلى تركيز مختلف السلطات في يده بعد أن كانت دولة بين أشخاص وجهات عديدة.

إرث قبل الموت
استلم ابن سلمان ولاية العهد في غمرة أحداث عاصفة تشهدها المنطقة الغارقة منذ سنوات في أزمات عميقة تفاقمت بفعل التدافع الذي لا ينتهي بين الثورات المضادة وما تبقى من ثورات اعتبرت يوما ربيعا عربيا مكللا بأحلام شباب العرب في الحرية والانعتاق.

واستطاع الرجل تثبيت أقدامه في وحل الأزمة السياسية والدستورية بالمملكة، وذلك بعد أن تمكن من إزاحة الأمراء الواقفين بفعل السن و”الأحقية”، وأصبح ولي عهد أبيه والحاكم الفعلي للمملكة وفقا للكثيرين، لكن ذلك لم يحقق نصرا في اليمن، كما لم يخفف الأزمة الاقتصادية في السعودية، وزاد طين الأزمة الخليجية بلة بعد أن دخلت معطيات جديدة إلى المشهد إثر حصار قطر، ودخول منطقة الشرق الأوسط في حقيبة ترامب عبر صفقة القرن.

وما زالت ظروف وملابسات وصوله إلى ولاية العهد وما دار في الكواليس قبيل تنحية ولي العهد السابق محمد بن نايف محاطة بالكثير من السرية والغموض، خصوصا أن ابن نايف كان يوصف برجل أميركا القوي وحليفها الأثير في المملكة العربية السعودية.

وقد أثار مايكل وولف مؤلف كتاب “نار وغضب” مفاجأة مدوية حين كشف أن ترامب أبلغ أصدقاءه بعد تولي محمد بن سلمان ولاية العهد في السعودية أنه هو وصهره جاريد كوشنر قاما بهندسة انقلاب سعودي بالقول “لقد وضعنا الرجل الذي يخصنا على القمة”.

وأشار إلى أن ابن سلمان تعهد للولايات المتحدة بأنه سيختصر عليها الطريق في ملفات المنطقة على أن يحصد مقابل ذلك شيئا من عظمة أميركا.

وفي أبريل/نيسان الماضي قالت مجلة “ذا نيويوركر” الأميركية في تحقيق مطول للكاتب الصحفي الأميركي المخضرم ديكستر فيلكينز تحت عنوان “بحث أمير سعودي عن نسخة جديدة للشرق الأوسط” إن إدارة الرئيس دونالد ترامب وجدت في ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ضالتها ليكون “عميلا” توكل إليه مهمة تغيير المنطقة، مشيرة إلى الدور البارز للإمارات في ذلك.

قاهر المستحيل
قوبل مرور ذكرى عام ابن سلمان الأول بتغريدات من الفريق الموالي له، حيث اعتبر وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أنه في هذا العام الواحد “تحققت منجزات واتسع الطموح وفتح وطننا أبواب المستقبل” وفق تعبيره.

أما حساب محمد بن عبد العزيز آل سعود فقد قفز إلى أعماق التاريخ ليجعل من عام ابن سلمان “أفضل عام في التاريخ”.

لكن صوت القضبان لم يغب عن هذه الذكرى، حيث غردت زوجة المعتقل الليبرالي رائف بدوي من حسابه على تويتر -وفق ما ظهر من سياق التغريدة- مناشدة الأمير ابن سلمان الإفراج عن زوجها والسماح له بالالتحاق بأسرته في كندا.

واعتبر شقيقه سفير السعودية في واشنطن الأمير خالد بن سلمان أنه “يحق لنا أن نفخر بولي العهد قائدا ملأ الدنيا وشغلها فعلا وإنجازا رفعة للوطن وعزا للمواطن”.

وقرر حساب نفوغرافيك السعودية القفز أعلى، حيث اعتبر أن الأمير ابن سلمان حقق المستحيل، وعدد ما وصفها بالمستحيلات الستة التي تحققت في العام الأول من ولاية العهد، حيث “قلل الاعتماد على النفط، وأنشأ مدينة المستقبل “نيوم”، وأوقف كبار الفاسدين، وحسم قيادة المرأة للسيارة، وأسس لأكبر مدينة شمسية في العالم، وأعاد فتح دور السينما”.

حصار وصفقات
بيد أن ما لم تقله حسابات المقربين من ابن سلمان أن الرجل ساهم خلال عامه الأول في تقطيع أواصر الأسر الخليجية من خلال الحصار الذي فرضته بلاده على قطر دون أي اعتبار لحقوق الأخوة والجوار، ولا لحقائق الأشياء ومنطق التوازنات الدقيقة في المنطقة.

ورغم أن التوقعات كانت مرتفعة بقيام ابن سلمان بمبادرة تنهي أزمة حصار قطر بعد تعيينه وليا للعهد فقد ظهر الرجل أكثر تصلبا وميلا لاستمرار الأزمة رغم تأثيراتها الجيوإستراتيجية وضررها البين على مصالح السعودية ومكانتها في الإقليم وتأثيرها السلبي على مستقبل الخليج، فضلا عن فشل الحصار وقدرة الدوحة على تعويض الخسائر وتوفير البدائل اقتصاديا وتطوير علاقاتها السياسية والعسكرية خارج دائرة الخليج المحاصر.

ولا تمثل الأزمة الخليجية وحدها عنوانا لفشل سياسات ابن سلمان، بل تبرز الأزمة اليمينة هي الأخرى عنوانا دالا في هذا السياق، حيث “فشلت الحرب في اليمن فشلا ذريعا تقشعر له الأبدان” حسب وصف صحيفة ليزيكو الفرنسية ضمن مقال لها عن “عثرات ابن سلمان”.

وتضيف ليزيكو أن سوء تقدير ابن سلمان بل وتناقضه بدا جليا في ملفات عدة، وأن لديه ميولا يدعو إلى الاشمئزاز بتعذيب جيرانه دون أن يقدر بالضرورة التأثيرات الجيوسياسية لأفعاله، وضربت مثالا على ذلك اتهامه لقطر بدعم الجماعات الإرهابية رغم أن تلك تهمة توجه إلى السعودية بشكل منتظم.

وبينما واصل ابن سلمان في عام ولايته الأول حصار قطر وحرب اليمن دخل في “صفقات” وتفاهمات أخرى تجعل الطريق سالكا نحو علاقات دافئة لا يستبعد كثيرون أن تتم إقامتها بين إسرائيل وبلاد الحرمين في ظل خطوات تضافرت في الآونة الأخيرة، فقد نسبت وكالة الصحافة الفرنسية لمسؤول إسرائيلي -رفض الكشف عن اسمه- أن المسؤول السعودي الذي زار إسرائيل سرا في سبتمبر/أيلول الماضي هو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

ويبدو أن دور الأمير الشاب في صفقة القرن مثل أحد أهم ملامح عامه الأول، فقد تواترت التسريبات التي تؤكد أن إدارة ترامب تعتمد بشكل كبير على ابن سلمان في تمرير صفقة القرن عربيا وإرغام الفلسطينيين على القبول بها رغم ما تتضمنه من تصفية نهائية للقضية وفق ما رشح عنها من معلومات وتسريبات.

وأدى اعتماد إدارة ترامب على ابن سلمان في الملف الفلسطيني إلى تغيير جذري في خريطة الأدوار والتحالفات ذات الصلة بدول الطوق وعلاقات بعضها مع أميركا.

وسبق أن تحدثت السلطة الفلسطينية عن ضغوط سعودية تمارس عليها للقبول بصفقة القرن، كما نقلت القناة العاشرة الإسرائيلية أن ابن سلمان قال في لقاء له مع بعض رؤساء المنظمات اليهودية الرئيسية في نيويورك (27 مارس/آذار الماضي) إنه طالب الفلسطينيين بقبول ما يعرض عليهم من تسويات، كما قال إن الوقت قد حان كي يقبل الفلسطينيون ما يعرض عليهم، وأن يعودوا إلى طاولة المفاوضات وإلا فليصمتوا وليتوقفوا عن التذمر.

اعتقالات وترفيه
على المستوى الداخلي فتح ابن سلمان في عامه الأول الباب واسعا أمام تحولات عميقة في المشهد السعودي دينيا واجتماعيا، وشهد العام الماضي من ولاية العهد ثلاث حملات اعتقال بدأت بالعشرات، بينهم علماء ومفكرون ودعاة بارزون وأكاديميون وغيرهم.

وطالت الحملة الثانية العشرات من الأمراء والمسؤولين ورجال الأعمال، في حين جاءت الحملة الثالثة مع بداية شهر رمضان وطالت هذه المرة نشطاء ليبراليين وحقوقيين ورافضين للتطبيع مع إسرائيل.

وبالتوازي مع هذه الاعتقالات فتحت السلطات السعودية المجال واسعا أمام وسائل الترفيه وحفلات الغناء والترويح، كما فتحت دور السينما بعد عقود من الإغلاق، وتدفق فنانون من دول عربية وغربية لإحياء حفلات فنية في السعودية، واستقبلت المدن السعودية أسماء لامعة في سماء الفن الراقص، مثل الشاب خالد، وثامر حسني، ووائل جسار، وياني، وجون ترافولتا، ومساري، ونيللي.

وفي مقابل الترفيه قلصت الحقبة الجديدة من نشاط الجمعيات والمؤسسات الإسلامية وضيقت على العمل الخيري الذي كان من أبرز واجهات الشعب السعودي على العالم الإسلامي بشكل عام.

ومثلت الحرب على الإصلاحيين في السعودية وتحديث النموذج الوهابي عنصرا أساسيا من اهتمامات ابن سلمان خلال عامه الأول.

وسبق أن تطرق مقال في مجلة نيوزويك إلى الخطط الكبيرة التي بجعبة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لمستقبل المملكة، ومنها تعهده بتفكيك أكثر من نصف قرن من “التشدد الديني” بتقديم رؤية جديدة جريئة لا قبل للشرطة الدينية بها، ومنح المرأة المزيد من الحرية، وخططه الطموحة من أجل تطورات اقتصادية جديدة.

ولكن التوجهات الحداثية لابن سلمان من خلال فتح دور السينما ورفع الحظر عن سياقة المرأة للسيارات تخفي وراءها وجها آخر من القمع والاستبداد السياسي بحسب صحيفة غارديان البريطانية التي رأت أن ابن سلمان منح النساء حق قيادة السيارة لكنهن إذا رغبن في حقوق أخرى فسيتم اقتيادهن مباشرة إلى المعتقلات.

فتح ابن سلمان ملفات عديدة وقاد تحولات اجتماعية ودينية عميقة تردد صداها في أكثر من مكان، ولكن لا أحد حتى الآن يعرف ارتدادات هذه الأزمات التي صنعها الرجل خلال سنة واحدة من ولايته للعهد، ولكن المرجح أنه لن يتمكن من ضبط إيقاعها وتوجيه بوصلتها في قادم الأيام.

المصدر : الجزيرة + وكالات,مواقع التواصل الاجتماعي