يستحق لقاء سنغافورة بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والكوري الشمالي كيم جونغ أون صفة «القمة التاريخية» لأنّ هذه هي المرة الأولى التي تشهد توقيع اتفاق على المستويات السياسية الأعلى بين بلدين انخرطا في حالة عداء وتوتر طيلة 70 سنة. وما عدا هذا الاعتبار، فإن التاريخ سوف ينتظر المزيد من المباحثات المعقدة قبل أن يحكم على نجاح القمة في بلوغ الهدف الأكبر المرجو منها، أي النزع الكامل للسلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية.
فمن حيث المبدأ لا يأتي الاتفاق على ذكر المطلب الأمريكي الذي استبق الموافقة على عقد القمة، أي «نزع الأسلحة النووية بصورة كاملة قابلة للتدقيق ولا عودة عنها»، ولا يأتي أيضاً على التزام واشنطن بالمطلب الكوري حول سحب القوات الأمريكية المتواجدة في اليابان (50 ألف جندي) وفي كوريا الجنوبية (أكثر من 23 ألف) وتعليق المناورات العسكرية المشتركة مع هذين البلدين. كذلك أكد ترامب، في تصريحات أعقبت التوقيع على الاتفاق، أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على بيونغ يانغ لن تُرفع في المدى المنظور، وتظل مشروطة باستكمال نزع السلاح النووي وتفكيك صناعة الصواريخ البالستية.
وبهذا المعنى يمكن القول إن القمة كانت انتصاراً شخصياً للزعيمين الأمريكي والكوري الشمالي، بالنظر إلى المشكلات الكثيرة التي اكتنفت التحضيرات لانعقادها، والتهديدات والشتائم التي تبادلها ترامب وكيم، ومناخ المد والجزر الذي طبع أجندة المباحثات. ففي وسع الرئيس الأمريكي أن يتفاخر بما لم ينجزه أي رئيس قبله، هو الذي اتسمت إدارته بنقض الاتفاقيات والمعاهدات بدل إبرامها. وفي وسع الزعيم الكوري الشمالي أن يزهو بما عجز عنه أبوه وجده، وأن يأمل في إخراج بلاده من العزلة الدولية والعقوبات الخانقة.
وإذا التزم الطرفان بحسن النوايا وأثمرت جولات التفاوض المقبلة، فإن العالم بأسره سوف يكسب جولة جديدة في تخليص البشرية من تهديد السلاح النووي، الذي يظل كابوساً كارثياً رغم بقائه في إطار الردع منذ أن استخدمته الولايات المتحدة في قصف هيروشيما وناغازاكي. والشكوك التي تحيط بمستقبل هذا الاتفاق لا تنبع من تعقيدات فنية تقترن بالتحقق من نزع السلاح وتطبيق نظام تفتيش صارم وفعال فقط، بل في حقيقة أن الرئيس الأمريكي الذي وقع الاتفاق هو نفسه أول من يمكن أن يستسهل نقضه كما عوّد العالم مع الاتفاق الغربي مع إيران، وقبله اتفاقية المناخ.
وبين مثال ليبيا التي كان برنامجها النووي واحداً من مظاهر جنون العظمة لدى معمر القذافي، ومثال إيران التي لم يتجاوز برنامجها مرحلة التصنيع النووي بعد التخصيب، يتسم البرنامج الكوري الشمالي باكتمال مكوناته مما يسبغ على قمة سنغافورة أهمية خاصة لجهة النجاح أو الفشل معاً. وفي الانتظار تعيد هذه القمة التذكير بالنفاق الغربي تجاه البرنامج النووي الإسرائيلي، حيث أن دولة الاحتلال عضو في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكنها ترفض التوقيع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، كما ترفض السماح للوكالة بتفتيش منشآتها. وما دامت سياسة الكيل بمكيالين هي القاعدة لدى القوى العظمى فإن السلام العالمي سوف يظل هدفاً بعيد المنال.
القدس العربي