تتسع الفجوة السياسية بين رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، وتتضاءل بسبب ذلك حظوظ الأخير في الحصول على ولاية ثانية في منصبه.
وكثيرا ما وضع المراقبون كلاّ من العبادي والصدر ضمن جبهة شيعية واحدة ذات توجّهات سيادية مضادّة للجبهة التي تضم حلفاء إيران، إلى أن نسف التيار الصدري ذلك التصنيف بتحالفه مع صقور الموالاة لطهران.
وقبل الانتخابات العامة التي جرت في مايو الماضي، كان يُعتقد أن عقد تحالف بين الصدر والعبادي هو مسألة وقت، على أساس أنّ الأخير سيفوز بالانتخابات وأنّ الأوّل سينضمّ إليه كداعم لتوجّهه الإصلاحي، لكن نتائج الانتخابات التي أظهرت تصدّر القائمة التي يدعمها الصدر قلبت الموازين.
وبدلا من أن يتحالف الصدر مع العبادي، توجّه زعيم التيار الصدري إلى قائمة “الفتح” بقيادة زعيم ميليشيا بدر هادي العامري، مُعلنا تحالفه معها ما كشف عدم وجود جبهة شيعية عراقية ممانعة لتمدّد النفوذ الإيراني في العراق.
وبحسب متابعين للشأن العراقي، فقد كان من الممكن أن يشكّل تحالف الصدر مع العبادي قاعدة لتشكيل الكتلة النيابية الأكبر لولا تمسك العبادي بمنصب رئيس الوزراء وهو ما لم تستسغه معظم الكتل السياسية، لا اعتراضا على شخصية العبادي بل رغبة في إزاحة حزب الدعوة من الحكم وإنهاء نفوذه داخل مؤسسات الدولة. وهي رغبة باتت واضحة حتى من قبل الراعي الإيراني الذي دفع ميليشياته في اتجاه غير متوقّع حين رعى تحالف الصدر – العامري بمباركة شخصية من خامنئي. ولا يبدو غريبا في ظل تشنّج الظرف السياسي العراقي بسبب انتظار لحظة البتّ في نتائج الانتخابات بشكل نهائي أن لا يعلن طرفا حزب الدعوة (العبادي والمالكي) عن تحالفهما. ذلك لأن الطرفين يعرفان أن ذلك الإعلان سيؤثر سلبا على إمكانية إقناع الكثير من الأطراف السياسية التي لا تزال مترددة في الانضمام إليهما.
ومن جهة أخرى، تذهب بعض التحليلات، إلى بقاء الأمور كلها معلّقة في انتظار الموقف الأميركي الذي لم يقل بعد كلمته الأخيرة بشأن الحكومة العراقية القادمة. فليس من المنطقي أن تنفرد إيران بتقرير الكيفية التي سيُحكم من خلالها العراق كما لو أنها ما تزال تملك القدرة على فرض إرادتها كما كانت في السابق. ذلك لأن قرار احتواء وجودها في العراق من قبل الولايات المتحدة بات واضحا. وهو ما يمكن أن يؤدي إلى خلط الأوراق بطريقة غير متوقعة بقيام تحالفات جديدة بدلا مما هو معلن الآن.
العبادي خسر دعم الكثير من الكتل السياسية لا بسبب اعتراضها على شخصه بل رغبة في إزاحة حزب الدعوة من الحكم
ولم يعُد أمام العبادي الكثير من الحلفاء، بعدما ضمّ الصدر إلى جانبه كلاّ من زعيم القائمة الوطنية العلماني إياد علاوي وزعيم تيار الحكمة عمار الحكيم. وأعلن علاوي أن هذا التفاهم الواسع ينتظر التحاق تحالف القرار السني بزعامة خميس الخنجر والحزب الديمقراطي الكردي بزعامة مسعود البارزاني. وحاول العبادي لمّ شمل القوى السياسية بدعوتها إلى طاولة حوار جماعي بعد عطلة العيد، لكن جهوده لم تسفر عن نتيجة واضحة.
ونفى ضياء الأسدي، وهو مسؤول المكتب السياسي الخاص بمقتدى الصدر، تلقّي تحالف “سائرون” الذي يرعاه زعيم التيار الصدري دعوة رسمية من رئيس تحالف النصر حيدر العبادي للمشاركة في الحوار، بينما أبلغ مقرّبون من العبادي “العرب”، أنّ قيادات صدرية بارزة تلقت دعوة العبادي للصدر بشكل واضح، مرجّحة أن يكون نفي الأسدي تعبيرا عن موقف سلبي من مبادرة رئيس الوزراء.
ويرى مراقبون أن الجبهة السياسية الشيعية التي تضمّ العبادي والصدر تتفكك عمليا في العراق، وربما يتحوّل الرجلان إلى خصمين، في حال استمر مسار كل منهما بالتقاطع مع الآخر.
ويعوّل العبادي على بقائه في منصبه لولاية ثانية لضمان استمرار تماسك قائمة النصر الانتخابية التي يقودها، وبخلاف ذلك قد تتفكك سريعا مع بدء مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة وعرض حقائب وزارية أو مواقع مهمة على قواها الفرعية، لا سيما حزب الفضيلة الذي يرعاه رجل الدين الشيعي محمد اليعقوبي وحزب “بيارق الخير” الذي يقوده وزير الدفاع السابق خالد العبيدي.
وتكشف مصادر سياسية في بغداد عن مشاورات يجريها ممثلون عن العبادي مع ممثلين عن نوري المالكي “لمواجهة سيناريو خروج منصب رئيس الوزراء من حزب الدعوة”.
وبالرغم من الخلافات الحادة بين العبادي والمالكي، إلاّ أن الأول حافظ على موقعه، رئيسا للمكتب السياسي في حزب الدعوة، فيما يشغل الثاني منصب الأمين العام فيه.
وتقول المصادر إن “الصدر أعطى الضوء الأخضر لقيادات في التيار الصدري للتداول مع القوى السياسية الحليفة بشأن ترشيح رئيس وزراء جديد من خارج حزب الدعوة”.
وتضيف المصادر أن “الصدر مستعدّ لقبول مرشح من خارج القائمة التي يرعاها أيضا، مقابل بعض الشروط”.
ووفقا للمصادر فإن زعيم التيار الصدري أبلغ قادة قائمة الفتح المدعومة إيرانيّا بأنه لن يدعم أي مرشح تقترحه، بما في ذلك زعيمها هادي العامري، ما يشير إلى الذهاب نحو مرشح مستقل أو مرشح تسوية.
وتقول المصادر إن “الصدر يعطي الأولوية حاليا لبناء كتلة برلمانية واسعة القاعدة في مجلس النواب الجديدة قد يصل عدد مقاعدها إلى 220 من مجمل مقاعد البرلمان الـ329”.
ويمكن لهذا العدد ضمان الأغلبية البسيطة التي يتطلبها تمرير الحكومة، وهي نصف عدد مقاعد البرلمان زائد مقعد واحد، كما سيضمن هذا العدد أغلبية الثلثين اللاّزمة لاختيار رئيس للجمهورية منوط به تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة.
ومع ذلك، يقول مراقبون إن التحالفات التي يعلن عنها حاليا ليست نهائية، وأن المفاجآت واردة في أي لحظة.