موازنات العراق المالية تمول الفساد وتزيد الفقر

موازنات العراق المالية تمول الفساد وتزيد الفقر

 

 

   

 

شذى خليل*

تعد الموازنة البرنامج الحكومي للدولة العراقية، ويعتمد تقييمها على واقع الاقتصادي للبلد، ومن خلالها يمكن معرفة مدى تحقيقها للأهداف المرجوة لإصلاح الواقع الاقتصادي المتردي، وهل حققت التنمية الاقتصادية أم لا ؟
ومن المؤشرات الرئيسة للاقتصاد العراقي :
• الدين العام والاحتياطي النقدي، اذ أخذ الدين العام بالازدياد منذ عام 2013 اذ ارتفع من ( 73,1 ) مليار دولار ، الى (132,6 ) مليار دولار في العام 2018 ، في حين أن الاحتياطي النقدي أخذ بالتناقص من 77,8 مليار دولار عام 2013 حتى وصل 40,8 مليار دولار في العام 2018 .
• اما الناتج المحلي الإجمالي ،وبحسب إحصائيات وزارة التخطيط ، فإن نسبة مساهمة النفط في تكوينه تناقصت بعد عام 2013 ، ولكن ذلك لا يعد مؤشرا إيجابيا لأن هذا التراجع جاء بسبب هبوط أسعار النفط فقط.

وعند مراجعة موازنة 2017،نرى ان الإيرادات المتحققة كانت أقل من المخطط لها ، إذ بلغ مجموعها العام 79,011 تريليون دينار ، بينما لم يتحقق منها فعليا سوى 75,030 تريليون دينار ، وهذا الأمر منطبق على موازنة 2018 ، مالم يتم إجراء أي تغيير نوعي في تنفيذها ، إذ توضح الأرقام الأولية فيها أن إجمالي الإيرادات هو 90,982 تريليون دينار ، بينما يصل إجمالي النفقات إلى 103,997 تريليون دينار . وهذا معناه أن إجمالي العجز المخطط له هو 13 تريليون دينار عراقي ، ويتجه التخطيط الحكومي لسد العجز نحو الاقتراض الداخلي او الخارجي؛ لسد النفقات التشغيلية وعدم حصرها بالاستثمارات، خلافاً للقواعد الاقتصادية.
ان سوء الادارة المالية واعداد الموازنة يخضع لتداعيات العملية السياسية ، ويعتمد بناء الموازنة العامة وبشكل رئيس على إيرادات الموارد النفطية ، التي تعاني تذبذب حجم الصادرات والأسعار، اما بالنسبة لارتفاع اسعار النفط ، فهي لا تعني تقليل العجز ، إذ أثبت الواقع أنه كلما زادت أسعار النفط زاد بالإنفاق العام.
وبالإضافة الى ذلك هناك اشكاليات في الثروة النفطية تتجسد في التعامل بالمال العام وعدم الانفاق وفق الجدوى الاقتصادية، التي حولت الاقتصاد العراقي الى اقتصاد رعاية اجتماعية، وغياب الرؤية لاستثمار ثروة الاجيال “النفط ” للحاضر والمستقبل وهي ثروة ناضبة واستخدامها يجب ان يكون حصرا لتطوير الرأسمال الاقتصادي المتمثل بإدخال المصانع والتقنيات الضرورية وبناء القدرات البشرية، ووضع استراتيجية لتحديد نسبة تصاعدية لزيادة استخدام العوائد النفطية لأغراض التخصيصات الاستثمارية لتنمية اقتصاد البلد.

ضعف الإيرادات غير النفطية:
1- لم تتجاوز الإيرادات غير النفطية الفعلية 9% من الإيرادات العامة.
2- ان هذه النسبة مع تواضعها ، تعتمد على ايرادات النفط بنسبة كبيرة ، فالضرائب اغلبها ناتجة عن ضرائب دخل تحققت لأصحابها نتيجة عقود وإعمال مع دوائر حكومية (التي بدورها تعتمد على النفط).
3- سوء ادارة الضريبة، يعد النظام الضريبي العراقي من أسوأ الأنظمة التي تهدر من خلاله أموال طائلة ، وتسجل عوائد الضرائب باقل من قيمتها الحقيقية، وان الواقع يؤشر الى ان هناك تهربا ضريبيا يقدر بـ
( 61%).

ان انعدام شفافية تخطيط الموازنة واعدادها ، وعدم تفعيل القانون يسمح باستشراء الفساد المالي والإداري وبالمقابل يزداد الفقر في البلد ، مما ينعكس وبشكل واضح على الاصلاحات الاقتصادية للمجتمع العراقي.
فساد في التعينات
تعتمد آلية التعيينات في العراق على أسس حزبية ومحسوبية وطائفية، مما اضعف قاعدة القوى العاملة وبالتالي قضى الفساد على الكفاءات العلمية، والمهارات العملية واستبدالها بغير الكفؤة التي قضت على التنمية الاقتصادية في البلد، وتخضع التعيينات للسيطرة الحزبية ،خاصة داخل الأجهزة الأمنية العراقية، اذ يمارس التهميش والإقصاء لبعض المكونات، واصبحت كل وزارة، وكل جهة، حكراً على مكون دون آخر.
وانتقدت النائبة عن “تحالف القوى العراقية”، لقاء وردي، “الغموض الذي يكتنف التعيينات في المؤسسات الأمنية.
واكدت انّها “وجهت كتبا رسمية تطالب فيها بيان الآلية التي اتبعت في التعيينات والمناصب، وحصة كل محافظة وبلدة، لكنها لم تحصل على رد” مشيرة الى ان ذلك يعزّز معلوماتها بأنّ هناك مخالفات في آلية التعيين وتولّي المناصب، وعملية التوازن على أساس المحافظات، والتي تهدف إلى بناء المؤسسات على أساس المواطنة والتوازن بين مكونات الشعب العراقي، من دون تمييز أو إقصاء، كما نص عليها الدستور العراقي”.
وقالت وردي ان ذلك يعزز التفرقة الطائفية و”حرمان أبناء المحافظات المنكوبة من حقهم في المشاركة ببناء المؤسسات الأمنية، وفقا للمبادئ التي نص عليها الدستور”.
وفي السياق ذاته، تبين دراسة استقصائية للباحث محمد العتابي مدعمة بجدولين حول اعداد الموظفين و المتقاعدين مدى الخلل والخراب في ادارة الدولة نتيجة التعيينات العشوائية والمغانم الحزبية والمحسوبية، ونسبة كبيرة من رواتب التقاعد التي تذهب لأشخاص لا يحملون الجنسية العراقية.
شكل (1)

شكل (2)

و تشير الإحصاءات الحديثة للبنك الدولي الى ان نسبة الفقر في العراق وصلت الى ما يلي:
– 41.2 % في المناطق المحررة.
– 30 % في المناطق الجنوبية.
– % 23 في الوسط.
– 12.5 % في إقليم كردستان
– ظاهرة فقر الأطفال في العراق اذ تشكل 48% من السكان أعمارهم اقل من 18 عاما بينهم 23% فقراء ، أي كل طفل من أربعة أطفال يصنف فقير .
– 5 % نسبة الأطفال الفقراء في إقليم كردستان.
– 50 %نسبة الاطفال الفقراء في المحافظات الجنوبية.

ويؤكد الخبير الاقتصادي عبيد فريح، ان قانون الموازنة العامة منذ 2004 لغاية اليوم تشوبه بعض الإشكالات، ومنها :
1- قانون الموازنة لم يقترب من المعايير العلمية والدولية للموازنات التخطيطية .
2- لا يوجد في الأدبيات القانونية والمالية مفهوم (عدم اصدار الموازنة) ، بل نحن أمام حالتين اثنتين لا ثالث لهما ، الأولى : المصادقة على الموازنة بالتصويت ، وهذا يتبعه إصدار قانون الموازنة ، الأخرى : رفض الموازنة ، بالتصويت أيضا ، وهذا يترتب عليه بطبيعة الحال عدم صدور قانون الموازنة .
أما تأخر صدور قانون الموازنة دون رفضها الصريح بالتصويت ضدها، فيعد بدعة ومخالفة للدستور ولقانون الإدارة المالية .
3- أما الصرف بنسبة 1/12 ، فهذا إجراء قانوني يتم العمل به في حالة تأخر إصدار الموازنة ، و يتم بإصدار وزير المالية تعميما إلى وزارات الدولة للصرف بنسبة 1/12 من مصروفات السنة الماضية ، وللنفقات المستمرة ، وبشروط محدودة ، على أن هذه الحال لا تتجاوز الأيام أو الأسابيع ، ناهيك عن الأشهر أو العام ، فإن الصرف في هذه الحالة يكون للنفقات المستمرة فقط .
4- ويعني رفض الموازنة، رفض برنامج الحكومة لذلك العام، لأن الموازنة هي ترجمة رقمية لخطة الحكومة خلال العام والمتضمنة (للبرامج والأهداف والأنشطة)
5- إن هذه الموازنة ضعيفة وغير مرنة ، ومجال المناورة فيها قليل جدا لا يكاد يتجاوز 10-20% ، لأن النسبة الكبرى التي تبلغ حوالي 44% مخصصة للرواتب وهذه النسبة عديمة المرونة ، أي لا يمكن التلاعب بها بطبيعة الحال . أما المتبقي فمخصص لسداد الديون أولا، ثم الالتزامات العسكرية ، وهو ضعيف المرونة .
ومن الملاحظات الخاصة بموازنة 2018:
1- تفتقد الموازنة إلى ركن مهم من أركانها وهو البيان المالي ، الذي يعبر عن الاستراتيجية التي بنيت عليها الموازنة ( توجهات الحكومة ، أولوياتها ، مصادر ايراداتها ، السياسة المالية ، الأهمية النسبية لكل نشاط ولكل قطاع )وذلك لتوفير معلومات لكل من يطلع على الموازنة حتى من غير المتخصصين ، وجاءت بأرقام صماء تفتقد للشفافية والوضوح .
2- في الموازنة مواد غير واضحة، وبعضها متعارض مع مواد أو قوانين أخرى، وبعضها من سنين أخرى غير نافذة .
3- تكررت عبارة ( استثناء من قانون الإدارة المالية والدين العام ) حتى أصبحت ظاهرة، فهل يجوز الخروج على القانون كلما أردنا .
4- هناك مواد تتكرر سنويا دون تطبيق، ودون مساءلة، الأمر الذي يضعف القانون ويذهب بهيبته.
5- هناك مواد تعالج حالات لها قوانينها الثابتة الخاصة بها ، الأمر الذي يؤدي إلى ارباك شديد ، وربما التعارض لدى التنفيذ ( مثل قانون التقاعد أو قانون الخدمة المدنية أو الرواتب ، وغيرها ) وهذا يعد خطأ ، لأن قانون الموازنة سنوي ، أما تلك القوانين فهي مستمرة .
6- ان الاعتماد على الموارد غير النفطية في هذه الموازنة جاء متواضعا جدا ، بالرغم من كل المخاطر التي تتعرض لها أسعار النفط ، والتوجه العالمي الحثيث نحو مصادر الطاقة النظيفة . إذ لم نجد سوى وضع أرقام أكبر من السنوات التي سبقتها دون أية إشارة إلى إجراءات رفع مستوى مساهمة الموارد غير النفطية .
7- الاعتماد على تقديرات محاسبية تمثل تسوية قديمة في 2015 أدت إلى ظهورها بشكل ايرادات في حسابات الموازنة . وهي في الحقيقة ليست إيرادات ، بمعنى أنه لا توجد زيادات حقيقية في الإيرادات المالية .
8- ضعف ايرادات الضرائب العامة ، فكل ايراداتها لا تتجاوز 790 مليار ، بينما ايرادات ضريبة الاتصالات وحدها تصل الى 740 مليار .
9- ضعف ايرادات السياحة ، ومن المعلوم أن السياحة في العالم كله تأخذ من السائحين ، لكنها في العراق تعطيهم فضلا عن أن تأخذ منهم .
10- لا توجد في العراق قاعدة بيانات لعقارات الدولة ، بالرغم من استغلالها علانية من قبل جهات غير حكومية ، وايراداتها تعود لتلك الجهات، وبهذا الصدد نقترح أن تعرض للاستثمار العام في (قطاعي الصحة والتعليم الطبي ).

وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية