“في 1 نيسان/أبريل، خاطب جيمس جيفري، دينيس روس، وروبرت ساتلوف منتدى سياسي في معهد واشنطن. والسيد جيفري هو زميل زائر متميز في زمالة “فيليب سولوندز” في المعهد وسفير الولايات المتحدة السابق في العراق وتركيا. والسيد روس هو زميل متميز في زمالة “وليام ديفيدسون” في المعهد ومساعد خاص سابق للرئيس أوباما. وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهما. وقد نُشرت ملاحظات الدكتور ساتلوف بشكل منفصل في المرصد السياسي 2399.”
جيمس جيفري
الشرق الأوسط يتهاوى بسرعة. فالأحداث الأخيرة التي شهدتها المنطقة كالعملية العراقية الأمريكية المشتركة لتحرير مدينة تكريت العراقية وقرار فك الحظر عن المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر ودعم الولايات المتحدة للتحالف الخليجي في اليمن، ربما أبطأت عملية التدهور ولكنّها لم توقفها. إن الوضع الإقليمي الحالي هو الأسوأ منذ عام 1979.
بعد الحرب العالمية الثانية، تولّت الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى حد كبير إدارة الفوضى في الشرق الأوسط. ولكن العديد من التطورات الرئيسية في المنطقة بدأت تتحدى النظام الدولي، وفي مقدمتها الأحداث المعروفة باسم “الربيع العربي” وتصاعد الحركات الإسلامية في هذه الألفية [التي تسعى إلى إحداث تغيير جذري في المجتمعات]، بما فيها تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») أو «الدولة الإسلامية» وإيران ما بعد الثورة. وبالتالي فإن نسيج الدولة الحديثة بحد ذاته آخذ بالإهتراء في كافة أنحاء المنطقة، حيث تطغى المصالح المحلية مثل تلك العشائرية والدينية والأسرية على الولاء للوطن. وعلى الرغم من الدور الهام الذي أدّته الولايات المتحدة، والذي يجب عليها أن تستمرّ بتأديته، إلا أنها لن تستطيع إصلاح جميع هذه الأمور.
ولكن نظراً إلى المخاطر، وخاصة في ضوء زيادة التوتر بين الشيعة والسنة، يجب على واشنطن أن تتحرك. وعادة تملك الولايات المتحدة عدداً من المبادئ التوجيهية في التعامل مع مثل هذه الأزمات، وهي: الإصرار على شرعية الدول القومية ودعم الأصدقاء والحلفاء والبقاء على استعداد لاستخدام القوة العسكرية وإظهار التماسك السياسي. غير أنّ الإدارة الحالية قد فضلت مجموعة مختلفة من المبادئ التوجيهية، وركّزت على التوصل إلى اتفاق تحولي مع إيران ومواصلة الضغط على الإرهابيين مع تجنب التوسع في استخدام القوة العسكرية على نطاق أوسع وتفادي سقوط الضحايا.
ويقيناً، تعزز هذه الأولويات بعضها البعض، كما أن الإدارة الأمريكية لا زالت تتمتع بدعم الجمهور حول عملية التفاوض مع إيران وتجنب التدخل العسكري الشامل لمواجهة «داعش». بيد أن هذا المقاربة قد أدت إلى إرباك كبير في صفوف صانعي السياسات والمحللين. فعادة ما يختار الرؤساء إحدى مقاربتين في تفسير السياسة الأمريكية خلال الأزمات: الأولى هي التي اعتمدها الرئيس الأمريكي ثيودور روزفلت والتي ترتكز على التحدث إلى الشعب الأمريكي وتفسير أفعال البيت الأبيض وشرح أهداف الولايات المتحدة. أما الثانية فتبناها الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب وهي تعتمد على التصرف من دون إشراك الجمهور. أمّا الإدارة الحالية فهي لا تعتمد أياً من هاتين المقاربتين.
وفيما يتعلق بتنظيم «الدولة الإسلامية»، أعلن البيت الأبيض عن هدفه القائم على تدمير هذا التنظيم بدلاً من محاولة إدارته متخذاً بالتالي القرار الصحيح. غير أنّ الوقت هو جوهر المسألة، وأن تطوّر الديناميات الإقليمية يعني أنه يتوجب على واشنطن التصرف بسرعة. فالمحاولات الجارية لوقف عمليات التمويل التي يحصل عليها «داعش» ومكافحة التطرف القائم على العنف ومعالجة الظاهرة الخطرة للمقاتلين الأجانب، تشكل جميعها خطوات جيدة تكمّل مهمتها الأساسية، ولكنّ هذا التنظيم لا يزال يشكّل دولة زائفة تمتلك قدرات عسكرية يجب بالتالي الردّ عليها باستخدام القوة العسكرية.
لقد كان قرار الإدارة الأمريكية إعطاء الأولوية لمحاربة «داعش» في العراق صحيحاً وقد كُللت جهودها هناك بالنجاح حتى الآن. فالعراق يملك حكومة فاعلة وقد طوّر قوات مسلحة (بما فيها البيشمركة الكردية وجزء كبير من الجيش الوطني)، كما يزداد فهم واشنطن لآلية عمل هذه الدولة شيئاً فشيئاً. وفي هذا الإطار يعتبر تحرير تكريت انتصاراً كبيراً لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي وسلاح الجو الأمريكي، ونكسة كبيرة لإيران ومختلف الميليشيات الشيعية التي تعمل في العراق. وستكون المعركة الحتمية من أجل تحرير الموصل صعبة، وستستمرّ المشاكل القيادية والطائفية، ولكنّ الولايات المتحدة تمتلك عقوداً من الخبرة في التعامل مع مثل هذه القضايا.
أما في سوريا حيث يشكل الوضع تحدياً أصعب بكثير فالحالة تغذي ميل الإدارة الأمريكية إلى عدم التدخّل. فمن وجهة نظر البيت الأبيض، يستمرّ نظام الأسد الوحشي بحربه ضد الجماعات التي غالباً ما تكون مستهجنة بشكل متساوٍ. وفي الوقت نفسه، لا تزال تركيا غير ملتزمة، ولا تملك واشنطن أي تطلع حول سيناريو “الغد” في سوريا. والأمر هو أكثر تعقيداً مع إتخاذ الإدارة الأمريكية قراراً بعدم استفزاز إيران، التي تعتبر دمشق حليفاً أساسيّاً لها في المنطقة. وفي النهاية، ستنتقل هذه المشاكل إلى الرئيس المقبل. ولكنّ السؤال الحقيقي يبقى كالتالي: هل ستنتظر الجهات الفاعلة الأخرى في المنطقة حتى ذلك الحين؟
دينيس روس
خلال ربع القرن الماضي، تعاملت كل إدارة أمريكية مع أزمة واحدة على الأقل في الشرق الأوسط. أما اليوم، فقد اندلعت مجموعة غير مسبوقة من الأزمات في كافة أنحاء المنطقة، قد تشكّل كلّ واحدة منها بمفردها تحدياً كبيراً للولايات المتحدة.
والأمر الأكثر مقلقاً هو تعرّض نظام الدولة في الشرق الأوسط إلى الانتهاك. فإذا فشلت هذه الدول، فسيتم ملء الفراغ الناتج عن ذلك من قبل مجموعة متنوعة من الجهات الفاعلة من غير الدول. ولا يعتبر تنظيم «الدولة الإسلامية» السبب الوحيد لهذا الانهيار. فإيران أيضاً تتحدى جيرانها عن طريق استخدام حلفائها الشيعة لخلق نفوذ لها في المنطقة. وقد أدى ذلك إلى رد فعل من قبل السعوديين وغيرهم من السنة الذين يرون أنفسهم محاطين على نحو متزايد بالنفوذ الإيراني. وعلى عكس إسرائيل التي تشعر بالقلق أوّلاً حيال البرنامج النووي الإيراني وثانياً حيال أهدافها التوسعية، تعتبر الدول العربية البرنامج النووي الإيراني إشارة إلى طريقة التفكير التوسعية الخطرة التي تنتهجها طهران. وبالتالي، يشير القرار السعودي باستخدام القوة – للمرة الأولى في البحرين، والآن في اليمن – إلى أنّ الرياض لن تنتظر أكثر من ذلك للتصدي للتهديد، وهي مدعومة هذه المرة من قبل قوة عربية موحدة.
لقد قدمت الولايات المتحدة الدعم اللوجستي للتحالف الذي تقوده السعودية ورفعت مؤخراً الحظر عن المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر، موجّهة بذلك رسالة مهمة إلى حلفائها. ولكن إذا أعطت واشنطن أي إشارة على أنّها تنظر إلى ايران باعتبارها شريكة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، فإنها ستفقد حلفاءها السنة. فلا يمكن للمملكة العربية السعودية أن تدع تنظيم «داعش» يصوّر نفسه على أنّه حامي السنة في جميع أنحاء العالم. وبالتالي ستؤدي السياسة الحالية للإدارة الأمريكية، التي تتجنب اتخاذ إجراءات ضد نظام الأسد حتى لا تغضب إيران، إلى تداعيات كبيرة على مصداقيتها كحليف.
أما بالنسبة للقضية النووية، فقد كان التركيز خلال الولاية الأولى للرئيس أوباما على الضغط على إيران لدفعها إلى تحويل برنامجها النووي نحو الإستخدام المدني السلمي التام، بالإضافة إلى تمكين الفصائل المعتدلة في النظام الإيراني. لكن يبدو أنّ للصفقة الآخذة في الظهور حالياً أهدافاً مختلفة، إذ خلص المسؤولون الأمريكيون إلى أن المفاوضات لن تسفر أبداً عن برنامج سلمي. وبدلاً من ذلك، بات الهدف الحالي هو تقييد البرنامج، فيما أمسى مقياس النجاح هو فترة تجاوز العتبة النووية يبلغ أمدها عاماً واحداً، وهي عبارة عن فترة عازلة ترى الإدارة الأمريكية أنها توفّر المدة الكافية للرد إذا ما قررت طهران إنتهاك الاتفاق والسعي لامتلاك أسلحة نووية. ونتيجة لهذا التحول، سيسمح لإيران بالحفاظ على جزء كبير من بنيتها التحتية النووية.
ونظراً لهذه الأهداف الجديدة، يجب معالجة عنصرين أساسيين هما: التحقق والعواقب. ففي ما يتعلق بالتحقق، يتوجّب على البيت الأبيض شرح الجوانب التقنية لتقييم فترة تجاوز العتبة النووية البالغة عاماً واحداً. والأهم من ذلك، يجب على أيّ صفقة أن تعطي المراقبين الدوليين إمكانية الوصول الكامل إلى جميع المواقع النووية في إيران، الرسمية وغير الرسمية منها. أما بالنسبة للعواقب، فينبغي للاتفاق أن يوضّح كيف سترد الولايات المتحدة إذا ما تمّ انتهاك الاتفاق. ويسري هذا الأمر على بند إنتهاء مدّة الإتّفاق – إذ يجب على الإدارة الأمريكية أن توضح أنّه إذا ما بدأت إيران بإعادة بناء برنامج نووي واسع النطاق بعد انتهاء الإتفاق، فلن يكون هناك شيء يحول دون قيام واشنطن باستخدام القوة العسكرية للإستجابة إلى هذا الأمر.
إن الولايات المتحدة لن تتخلّى عن الشرق الأوسط في أي وقت قريب. ينبغي على الإدارات الأمريكية المستقبلية طمأنة الحلفاء الإقليميين بأنّ هناك مزايا لمصادقة الولايات المتحدة – كما أن هناك عواقب لمعاداتها
جيمس جيفري و دينيس روس
أعد هذا الملخص جافي برنهارد.
معهد واشنطن