مصالح الأطراف العراقية المتصارعة على نتائج الانتخابات تغدو ثانوية أمام مصالح أطراف خارجية متنافسة على النفوذ في البلد لكنّها تلتقي في النهاية عند وجوب الحفاظ على الوضع القائم وحماية العملية السياسية من الانهيار، ما يحتّم بالنتيجة الدفع باتجاه تسوية سياسية وإنْ تحت غطاء قضائي لأزمة الانتخابات.
بغداد – أقرت المحكمة الاتحادية أعلى سلطة قضائية في العراق، الخميس، معظم القرارات التي اتّخذها البرلمان العراقي للتعاطي مع الشكوك الواسعة التي أحاطت بالانتخابات التشريعية التي جرت في مايو الماضي، باستثناء إلغاء أصوات ناخبي الخارج والنازحين، لكنها عمليا أقّرت، بشكل غير مباشر، معظم النتائج المعلنة لهذه الانتخابات.
وبذلك يكون قرار المحكمة أقرب ما يكون إلى عملية استرضاء لكافة الأطراف السياسية المتنازعة على نتائج الانتخابات، ما يمهّد الطريق لتسوية سياسية للأزمة يرجّح أنّها مطلوبة بإلحاح من أطراف داخلية وأخرى خارجية مهتمة بالوضع العراقي ومعنية بتهدئته حفاظا على نفوذها ومصالحها في العراق.
ومنذ سنة 2003 اعتادت كلّ من إيران والولايات المتحدة، رغم حدّة الخلافات وتناقض المصالح بينهما، على التوصّل في الأخير إلى نقطة التقاء بشأن الوضع السياسي في العراق، إذ لا تبدو أي منهما مستعدّة للقبول بانهيار العملية السياسية التي رعتاها معا وتكفل لكلّ منهما حصة في التحكّم بالقرار العراقي وتجييره لمصلحتها.
وكان البرلمان عقد جلسة استثنائية، في أعقاب إعلان النتائج في التاسع عشر من مايو الماضي، أقر خلالها تعديلات جوهرية على الانتخابات التي جرت في الثاني عشر من الشهر نفسه، ملزما بتطبيقها بأثر رجعي.
ومن جملة هذه الإجراءات تجميد مهام عمل المفوضية العليا المسؤولة عن إجراء الاقتراع وإعلان نتائجه، وانتداب قضاة ليقوموا بمهمة عد الأصوات وفرزها يديويا، بعد الشكوك التي أحاطت بعملية العد الإلكتروني التي طبقتها المفوضية. كما ألغى البرلمان في جلسته الاستثنائية نتائج الانتخابات التي جرت للعراقيين المقيمين في الخارج، والنازحين عن مناطقهم بسبب الحرب على داعش في الداخل.
وتقدّمت أطراف عدة بطعون إلى القضاء في قرارات البرلمان المتعلقة بالانتخابات، وقالت إن نوابا حاليين خسروا في الانتخابات يقفون وراءها.
وعقدت المحكمة الاتحادية العليا في العراق، ذات الأحكام القطعية غير القابلة للنقض والتمييز، جلسة مرافعة علنية الخميس، لإعلان قراراتها بعد النظر في الطعون. وأقرت المحكمة معظم التعديلات التي أجراها البرلمان، باستثناء إلغاء أصوات ناخبي الخارج والنازحين، لكن مراقبين يقولون إن تأثير هذا الإجراء سيكون شكليا على نتائج الانتخابات.
وتضمّن قرار المحكمة بقاء النتائج المعلنة كما هي، مع تطبيق العد والفرز اليدويين للصناديق المشكوك فيها بنسبة مئة بالمئة، لكنها ألغت المادة الثالثة من التعديل بالكامل، والتي تنص على إلغاء أصوات ناخبي الخارج والنازحين.
وبذلك، تكون المحكمة قد ثبّتت فوز قائمة سائرون المدعومة من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بالمركز الأول وفوز قائمة الفتح المدعومة من إيران بالمركز الثاني، وفوز قائمة النصر التي يقودها رئيس الوزراء حيدر العبادي بالمركز الثالث.
مع اقتراب البرلمان من نهاية ولايته يقفز إلى الواجهة سؤال يتعلق باستمرار الحكومة في عملها دون رقابة نيابية
وفي توقعات أولية، يرى مراقبون أن الإجراءات التي ثبتتها المحكمة الاتحادية، لن تغير كثيرا في معادلة النتائج المعلنة بالنسبة للفائزين الكبار والصغار على حد سواء، لا سيما مع إبقاء أصوات الخارج والنازحين، التي أشيع عن حدوث عمليات تزوير واسعة النطاق فيها أسهمت في صعود قائمتي الحل بزعامة جمال الكربولي وقائمة الاتحاد الوطني الكردستاني.
ومع اقتراب البرلمان العراقي من نهاية ولايته الدستورية، يقفز إلى الواجهة السياسية في العراق سؤال يتعلق بكيفية استمرار السلطة التنفيذية في عملها مع غياب السلطة الرقابية التي يمثلها مجلس النواب، وهو سؤال يترجم مخاوف مختلف الأطراف السياسية من إمكانية استغلال الحكومة لصلاحياتها الواسعة في التضييق على منافسيها من الأحزاب والتيارات السياسية المختلفة.
ووفقا للدستور العراقي، فإن الحكومة تتّحول إلى تصريف الأعمال بانتهاء عمر البرلمان، وهو أربع سنوات تقويمية تبدأ من أول جلسة يعقدها مجلس النواب. لكن القوانين العراقية لا تفصل في صلاحيات حكومة تصريف الأعمال، ما يعتبره فقهاء الدستور إطلاقا تاما ليدها.
وجدل صلاحيات حكومة تصريف الأعمال ليس جديدا على العراق، إذ سبق أن شهدته البلاد لشهور عدة العام 2010، عندما لجأت أطراف عديدة إلى الطعن في نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في ذلك العام، ما عطل مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة آنذاك، لتستمر حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي في تصريف الأعمال نحو 8 شهور إضافية، فوق عمرها المحدد في الدستور، وهو أربعة أعوام.
وفي حينها، لم يسفر الجدل القانوني عن أي متغير، وبقي المالكي بصلاحيات كاملة، يخوض نزاعا قضائيا من منافسه على رئاسة الوزراء في حينها، إياد علاوي، الذي فازت قائمته في الانتخابات لكنها حرمت من حقها في تشكيل الحكومة بدعوى أن كتلة أكبر منها تشكلت تحت قبة البرلمان الجديد وباتت تملك حق تشكيل الحكومة الجديدة.
وقيل آنذاك إن المالكي استخدم صلاحيات منصبه الواسعة للتأثير على القضاء العراقي واستصدار تفسير من المحكمة العليا يجرّد القائمة الفائزة في الانتخابات من حقها في تشكيل الحكومة.
ويخشى منافسو رئيس الوزراء الحالي، حيدر العبادي، أن يتكرر سيناريو انفراد الحكومة بالسلطة في العراق خلال مرحلة مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة ما قد يسهل تصفيتهم أو الضغط عليهم.
ويدفع هؤلاء نحو تقييد سلطات حكومة تصريف الأعمال بعد الثلاثين من الشهر الجاري، لتقتصر على الشؤون اليومية. لكن فريق العبادي يقول إن القوانين النافذة تخلو من أي قيود يمكن فرضها على الحكومة بعد نهاية ولاية البرلمان.
العرب