بعد الانتصار أردوغان بدأ في بناء تركيا على هيئته وصورته

بعد الانتصار أردوغان بدأ في بناء تركيا على هيئته وصورته

بعد فرز أكثر من 98 في المائة من اصوات الناخبين اعلنت لجنة الانتخابات في تركيا عن فوز رجب طيب أردوغان في الانتخابات. يمكن أن نقرر بدرجة كبيرة من الثقة أنه سيكون الرئيس القادم لتركيا حتى العام 2022 بدون ان يضطر إلى التنافس في جولة ثانية. اذا حكمنا حسب توزيع الاصوات فإن أردوغان حافظ على قواعد قوته، لكن تركيا تواصل أن تكون منقسمة تقريبا بصورة متساوية بين مؤيديه ومعارضيه.
اذا لم تكن هناك تطورات استثنائية مثل التماسات بشأن تزوير كبير بحيث تنتقل إلى بحثها في المحكمة، أو تلزم باعادة الانتخابات في جزء من المقاطعات، فإن تركيا ستتحول إلى دولة مستبدة تحت حكم رئيس لا يعترف بقيود القوة السياسية. صلاحياته حسب تعديلات الدستور التي صودق عليها في استفتاء عام في 2017 والتي يمكنه تطبيقها من الآن يمكن أن تمنحه قوة غير مسبوقة مثل تعيين الحكومة (منصب رئيس الحكومة سيلغى)، حل البرلمان تقريبا بدون قيود والتدخل في سياسة البنك المركزي.
اضافة إلى ذلك يمكنه اختيار اعضاء برلمان من حزبه، حيث انه للمرة الاولى يستطيع الرئيس أن يكون عضو في حزب وأيضا رئيس الحزب، وهي وظيفة تمنحه صلاحيات غير محدودة لادارة كتلته البرلمانية. أردوغان يحظى بحصانة مطلقة تقريبا من التقديم للمحاكمة، وحسب الدستور المعدل فإن اجراءات تنحيته لأي سبب ستكون غير ممكنة تقريبا.
إن ما يأمله خصومه أنه على الاقل في البرلمان يستطيعون تحدي الحزب الحاكم. هذا الامل من شأنه أيضا التبدد على ضوء المعطيات التي تبينت أمس. حسب المعطيات فإن حزب العدالة والتنمية ضعف بنحو 5 في المئة مقارنة مع الانتخابات في حزيران 2015 (44 في المئة مقابل 49.5 في المئة). ولكن ما زال من السابق لاوانه استنتاج عدد مقاعده. حسب طريقة توزيع المقاعد المعقدة، فإن الاصوات الفائضة التي ستتراكم من الاحزاب التي لم تجتز نسبة الحسم، 10 في المئة، سيكون لها وزن كبير في عدد المقاعد التي سيحظى بها الحزب الحاكم.
هذا الحزب يمكن أن يحظى باغلبية المقاعد حتى لو لم يحظ باغلبية 50 في المائة من اصوات الناخبين. في انتخابات 2015 مثلا حصل على 317 مقعدا من اصل 550 مقعد رغم أنه حصل على أقل من نصف الاصوات. هذه النتيجة ستمكن أردوغان من تشكيل حكومة جديدة بدون ان يحتاج إلى شركاء.
ولكن أيضا اذا لم يحصل حزبه على اغلبية في البرلمان فهو يستطيع ادارة البرلمان مثلما يريد لأنه قبل الانتخابات تحالف مع الحزب الوطني برئاسة دولت بهتشيلي، الذي يتوقع أن يحصل على 11 في المئة تقريبا. الحزبان معا خلقا كتلة من 56 في المئة التي من شأنها اعطاء عدد مقاعد اكبر بكثير من نسبتهما في اصوات الناخبين.
أيضا الحزب الجمهوري، حزب المعارضة الكبير، ضعف في هذه الانتخابات حيث أن المعطيات تشير إلى انخفاض بمعدل 3 في المئة مقابل انتخابات 2015. ولكن الانجاز الكبير له يكمن في الدعم الذي حصل عليه مرشحه للرئاسة مهرام انجي الذي حصل على اكثر من 30 في المئة. هذا انتصار شخصي هام يضع انجي كمنافس له وزن في الانتخابات القادمة في 2022. التأييد الذي حظي به خلال فترة زمنية قصيرة من شأنه أن يشير إلى أن الجمهور لم يعد أسير الرأي السائد الذي يقول إنه ليس لأردوغان مناسف معقول. اذا نجح انجي في اعادة تحسين صورة الحزب الجمهوري واقناع الجمهور وخاصة الشباب بأن هذا ليس حزب نخبة قديمة واذا ضم قوى جديدة وربما وحد الصفوف مع احزاب صغيرة اخرى مجرد تنافسها قلل من الدعم الذي حصل عليه حزبه، ومن شأنه حتى احتلال البرلمان الذي سينتخب بعد اربع سنوات.
لقد كانت اسباب جيدة لأردوغان لتقديم الانتخابات، والاكثر الحاحا فيها هي رغبته في مفاجأة خصومه وعدم السماح لهم بمزيد من الوقت للاستعداد للتنافس على الرئاسة والبرلمان. وهو قدر أيضا أن الأزمة الاقتصادية يمكن أن تمس بقوته اذا لم يسارع إلى أن ينتخب ثانية. اضافة إلى ذلك، أردوغان اراد استغلال دعم الجمهور لتدخل تركيا في سوريا، رغم الانتقاد ضد غزو سوريا الذي سمع من عدد من السياسيين بما في ذلك من حزبه. هذه الاعتبارات يتبين حاليا أنها صحيحة على الاقل بالنسبة للانتخابات الحالية.
في نفس الوقت التسرع في اجراء الانتخابات ولد عدد من القوى السياسية التي يمكنها الاشارة إلى منعطف جديد. احداها حزب “الصالح” برئاسة ميرال اكشنر، التي انسحبت من الحزب الوطني حليف أردوغان. اكشنر تسعى إلى طرد اربعة ملايين لاجئ سوري من تركيا لكنها تعارض طريقة النظام – الاستبدادي التي يتبعها أردوغان. اكشنر التي كانت مرشحة للرئاسة وحصلت على 7.5 في المئة فقط من الاصوات وافقت على دعم انجي خصمها، لو أنه تنافس في الجولة الثانية امام أردوغان. حلف كهذا يمكنه أيضا أن يشير إلى أن التقليد السياسي للخصومة غير المتهاونة التي ميزت الاحزاب في تركيا قبل ظهور حزب العدالة والتنمية من شأنه أن يتغير. وهذا سيعطي احتمال آخر للنضال ضد تفرد الحزب، الذي حول تركيا إلى دولة حزب واحد.
ليس اقل اهمية الحزب المؤيد للاكراد “الشعب الديمقراطي” برئاسة صلاح الدين دمرتاش. رغم حقيقة أنه ادار المنافسة على الرئاسة من السجن، إلا أنه حظي بـ 7.7 في المئة من الاصوات، وحزبه اجتاز نسبة الحسم خلافا لرغبة أردوغان، الذي حارب الحزب وقيادته بشدة. هذا الحزب حظي في الانتخابات السابقة ليس فقط بتأييد في اوساط الاقلية الكردية، بل أيضا في اوساط الليبراليين والشباب وعلمانيين اتراك. في الحملة الانتخابية الحالية حرص انجي حتى على زيارة دمرتاش في السجن من اجل اظهار الرغبة في توحيد القوى مع الاكراد. في الدولة التي نجح فيها الرئيس في تأطير الاكراد كتجمع سكاني ارهابي وتعريف كل من يقف إلى جانبهم بأنه خائن فإن هذه خطوة شجاعة من زعيم معارضة مستعد لمواجهة الرئيس في موضوع يمكن أن يضره سياسيا.
اذا بقيت نتائج الانتخابات النهائية كما هي فيمكننا التوقع ليس فقط احتفال تظاهري بادر اليه الحزب الحاكم والرئيس الذين ارادوا اثبات قوتهم والتدليل على جودة الديمقراطية في تركيا، بل أيضا سلسلة جديدة من مطاردة الخصوم السياسيين وجولة اخرى من تصفية الحسابات. أردوغان الذي لا يعتبر التساهل والتحمل من صفاته البارزة بدأ الآن ببناء الجمهورية التركية الجديدة على هيئته وصورته.

تسفي بارئيل

الغد