بغداد – يسعى ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي إلى خلط الأوراق السياسية في العراق، معبرا عن غضبه الشديد من حالة العزلة التي فرضتها عليه الأطراف الأخرى خلال المفاوضات الجارية لتشكيل الحكومة الجديدة.
ويدفع ائتلاف المالكي، رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري، إلى المضي قدما في الاعتراض على نتائج الانتخابات العامة التي جرت في مايو الماضي.
ووفقا للدستور، فإن عمر مجلس النواب العراقي الحالي ينتهي في الثلاثين من الشهر الجاري، ويحاول الجبوري استغلال قرارات البرلمان لتعطيل إعلان نتائج الانتخابات.
ويستغل ائتلاف المالكي غضب الجبوري ونائبه الذي يتزعم المجلس الأعلى همام حمودي، من فشلهما في الفوز خلال الانتخابات، لوضع البرلمان في صدام مع السلطة القضائية والقوائم التي فازت فيها.
وعقب الإعلان عن نتائج الانتخابات، شجع ائتلاف المالكي الجبوري وحمودي على الطعن في نتائجها، حيث عقد البرلمان جلسة استثنائية عدل خلالها قانون الانتخابات وألزم تطبيقه بأثر رجعي.
ومع أن السلطة القضائية أقرت بدستورية انعقاد البرلمان وسلامة الإجراءات التي اتخذها للطعن في النتائج، إلا أنها أفرغت تعديل قانون الانتخابات من محتواه، وبدلا من أن تلبي رغبة الجبوري وحلفائه في إعادة فرز جميع الأصوات يدويا، وجهت بفرز جزئي لا يشمل إلا المحطات التي وقع الطعن في نتائجها.
ائتلاف دولة القانون يحرك نوابا فشلوا في الانتخابات الأخيرة لتمديد ولاية البرلمان التي تنتهي آخر الشهر الجاري
وعمليا، لن تغير الصناديق التي ستفرز يدويا، وهي نحو 1400، شيئا في معادلة النتائج المعلنة، ما يعني تثبيت خسارة الجبوري.
وتقول مصادر سياسية لـ”العرب”، إن “المحرك الرئيسي لحركة الاحتجاج البرلماني هو ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي، الذي خسر 75 بالمئة من أصواته التي حصل عليها في انتخابات 2014”.
وتوضح المصادر أن “ائتلاف المالكي نجح في الحصول على تأييد 115 نائبا في البرلمان الحالي، شكلوا العماد الرئيسي للحركة التي قادت إلى إقرار تعديل قانون الانتخابات”.ونظرا لضغط الوقت والخشية من انتهاء المدة الدستورية لمجلس النواب الحالي من دون تحقيق شيء في ملف عرقلة النتائج، طرحت قيادات في ائتلاف المالكي مشروعا لتمديد عمر البرلمان، لكنها جوبهت برفض شديد من أطراف عديدة.
وتلقى سليم الجبوري تحذيرات صريحة من أن تمديد البرلمان يمثل خرقا دستوريا، ستقوم المحكمة الاتحادية بالتدخل لمنع وقوعه.
وسيحاول الجبوري، مدعوما بائتلاف المالكي، عقد جلسة جديدة للبرلمان الحالي، الخميس، لإجراء تعديل جديد على قانون الانتخابات، يلزم بإجراء عدّ وفرز يدويين شاملين لجميع أصوات الناخبين في اقتراع مايو الماضي.
وحتى الآن، تعهد 116 نائبا بحضور هذه الجلسة، فيما يقول أعضاء في ائتلاف المالكي إن لديهم تأكيدات بوصول عدد النواب في هذه الجلسة إلى أكثر من 180. ويحتاج تمرير القوانين في البرلمان العراقي إلى أغلبية النصف زائدا واحدا، أي 165 صوتا. ومع أن نوابا في ائتلاف المالكي، شاركوا في قوائم مختلفة خلال انتخابات 2018، إلا أن معظمهم لم يتمكن من الفوز.
وتتكون الكتلة الموالية فعليا للمالكي في البرلمان العراقي الحالي من نحو 100 نائب. وبإضافة النواب الخاسرين يصبح العدد مؤثرا، وهو ما كان واضحا خلال الجلسة الاستثنائية للبرلمان.
وتقول مصادر سياسية لـ”العرب”، إن “المالكي، كان ينتظر شموله بمفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة، لكن إصرار مقتدى الصدر، راعي قائمة سائرون الفائزة بالمركز الأول في الانتخابات، على استثنائه منها، دفعه إلى التنسيق مع هيئة رئاسة البرلمان للطعن في نتائج الانتخابات”.
ويصرّ الصدر على استبعاد المالكي من أي مشاورات لتشكيل الحكومة الجديدة. وأعلن مرارا استعداده للعمل مع مختلف الأطراف السياسية العراقية، باستثناء زعيم ائتلاف دولة القانون.
خسارة واضحة
ومع تولي الصدر، شخصيا، قيادة حراك التفاوض بشأن الحكومة الجديدة، يبدو أن المالكي متيقن من تلاشي حظوظه بالمشاركة فيها.
ووفقا لقانونيين، فإنه في حال نجح تنسيق الجبوري والمالكي في إجراء تعديل جديد على قانون الانتخابات، فإن المحكمة الاتحادية لا تملك إلا الأخذ به، قياسا على إقرارها بدستورية الجلسة الاستثنائية وسلامة الإجراءات المتخذة فيها.
ومن شأن تطور من هذا النوع أن يزيد من إرباك العملية السياسية، التي تلقت ضربة كبيرة بعزوف الناخبين عن المشاركة في الانتخابات العامة، ومن ثم شكوك التزوير التي أحاطت بنتائجها.
وإلى ما قبل الإعلان عن نتائج انتخابات 2018 كان المالكي يعتبر نفسه زعيما لحكومة الظل، وهو تعبير مخفف المقصود به تلك الدولة السرية التي أقامها رئيس الوزراء السابق لتدير في الخفاء عمليات الفساد وما تتطلبه من حصانة وسلطة وحماية.
ويقول مراقبون عراقيون إن لقب عراب العملية السياسية ينسجم مع الدور الكبير الذي كان المالكي يلعبه بالرغم من انقطاع صلته الرسمية بالسلطة التنفيذية، مشيرين إلى أنه كانت للمالكي دائما أدواته وأذرعه الممتدة داخل الجسم الحكومي وسليم الجبوري رئيس البرلمان المنتهية ولايته هو إحدى تلك الأدوات التي استعملها رئيس الوزراء السابق في حماية مصالحه من خلال منع أي محاولة داخل مجلس النواب للمس بتلك المصالح.
واعتبر مراقب سياسي عراقي في تصريح لـ”العرب” أن المالكي، الذي أصيب بنكسة انتخابية كبيرة، صار يتحقق من هزيمته النهائية من خلال انفضاض الكثيرين من حوله وبالأخص أولئك الذين استطاعوا أن يجتازوا عتبة الانتخابات، لذلك صار فريقه يتألف من الخاسرين الذين يقف الجبوري وحمودي في مقدمتهم.
وأضاف المراقب أن ما لا يصدقه المالكي أن ينتهي به الأمر إلى أن يكون زعيم الفاشلين، وهو ما يدعوه إلى أن يبذل قصارى جهده
في عملية إرباك العملية السياسية، وإن كانت خيوط كثيرة قد أفلتت من يديه بعد أن انقلب عليه وبشكل واضح زعماء الكتل الشيعية مفضلين التحالف مع عدوه التقليدي مقتدى الصدر.
العرب