فوز المحافظين ومستقبل الاقتصاد البريطاني

فوز المحافظين ومستقبل الاقتصاد البريطاني

Economy
بعد الفوز الكبير والمفاجئ الذي حققه حزب المحافظين البريطاني على منافسه التاريخي حزب العمال في الانتخابات التشريعية الاخيرة ، ارجع العديد من المحللين النجاح الى السياسة الاقتصادية التي ينتهجها منذ خمس سنوات، والتي تتضمن زيادة فرص العمل.
وتشير التقارير الى ان الاقتصاد البريطاني يشهد نموا جيدا ، فقد بدأت خطة المحافظين الاقتصادية تنعكس على البلاد وهنا نشير الى خلق فرص عمل جديدة للعاطلين من العمل بالاضافة الى تحفيز القطاعات الصناعية والتجارية المهمة .
لقد تعهد الحزب الفائز بـ”العمل على رفع مستوى المعيشة في البلاد وتحسين ظروف العمل، وتوفير فرص عمل جديدة، وجعل الاقتصاد أكثر اتزانا”. وتناول أيضا النجاحات التي حققتها حكومته خلال السنوات الخمس الماضية، بما في ذلك تجاوز الأزمة الاقتصادية.
ويرى حزب المحافظين انه حزب فرص العمل والانتعاش الاقتصادي واعدا بخفض الضرائب على الدخل لثلاثين مليون شخص وخفض الانفاق على نحو اكبر للتغلب على العجز الحالي في الموازنة والبالغ خمسة بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي.
و كان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ناشد الناخبين البريطانيين خلال حملته الانتخابية منحه خمس سنوات أخرى لتأمين الاقتصاد البريطاني، مشيراً الى أن مستقبل بريطانيا في وضع صعب.
وفي تصريح له، اوضح كاميرون أنه “سيكون الامر مأساويا إذا تغاضينا عن كل العمل الشاق الذي بذل خلال السنوات الخمس الماضية وعدنا إلى المربع الاول.
ورغم احتمال الاستفتاء على عضوية بريطانيا في الاتحاد الاوروبي كما وعد ديفيد كاميرون، فإن المستثمرين يراهنون على أن فوز المحافظين الذي سيضمن مستقبل بريطانيا المالي، ويُسفر عن خطة واضحة لخفض العجز المالي خلال السنوات الخمس المقبلة.
اشارات ايجابية
و تشير اغلب الدراسات المختصة الى ان الاقتصاد البريطاني يسير تجاه النمو . يقول فيكي ريدوود كبير خبراء الاقتصاد البريطانيين في مكتب الدراسات البريطانية (كابيتال إيكونوميك): إن “نتائج الانتخابات العامة بالمملكة المتحدة هي نتيجة صديقة للسوق على نحو مدهش وتبعد خطر معاناة الاقتصاد من فترة طويلة من حالة عدم يقين سياسي”.
ويرى ريدوود أن “أسس المملكة المتحدة تبدو جيدة جدا. وبنظرة شاملة، سيظل لدينا تفاؤل تجاه التوقعات الاقتصادية”.
و سجلت بريطانيا أسرع نمو اقتصادي بين بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الكبرى عام 2014، وكان معدل البطالة لديها نصف متوسط الاتحاد الأوروبي.
وفي احدث دراسة صادرة عن المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية “NIESR” أظهرت أن بريطانيا تتجاوز فرنسا كثاني أكبر اقتصاد في أوروبا “في الوقت الراهن”، على الرغم من توقعات بتباطؤ نمو المملكة المتحدة هذا العام، وفقاً لما ذكرته صحيفة “التليجراف”.
ويرى المعهد أن الاقتصاد البريطاني سينمو بنسبة 2.5% هذا العام، وعلى الرغم من أن ذلك يقل عن توقعاته البالغة 2.9% منذ 3 أشهر، وأدنى مستوى العام الماضي 2.8%، إلا أنه يعتقد أن فرنسا ستنمو بمقدار 1.3% فقط هذا العام وبنسبة 1.6% في 2016.

حالة عدم اليقين
لن تكون حالة عدم اليقين في صالح الاقتصاد البريطاني، بالرغم من ترحاب الأسواق المالية بانتصار المحافظين من خلال ارتفاع الجنيه الإسترليني مقابل الدولار بنسبة 2٪، وهو الأعلى مستوى لها خلال الخمس سنوات الأخيرة التي شهدت ولاية المحافظين.
المؤشرات الإيجابية ليست كافية بحسب خبراء ذلك أن واحدا من أكبر مستويات العجز الخارجي في العالم، والذي تم تمويله العام الماضي بتدفقات من رأس المال الأجنبي بلغت في مجموعها 160 مليار دولار أميركي، وفجوة الحساب الجاري بنسبة 5.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي الأعلى بفارق كبير بين بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الكبرى والذي بلغ مستوى ارتبط لفترة طويلة -في المملكة المتحدة وأماكن أخرى- ببداية الأزمة المالية.
وفي حين كانت ردة فعل سوق الأسهم إيجابية. في نفس الوقت، فإن رجال الأعمال قلقون ليس فقط من نتائج المواجهة الحتمية مع الشركاء الأوروبيين، الذي يستوعبون حوالي نصف الصادرات البريطانية، ولكن أيضًا من النتائج الفورية للاستثمارات الصناعية والمالية، خاصة الاستثمارات الأجنبية التي ستتوقف في انتظار التأكد من أن لندن ستظل البوابة المفضلة للاتحاد الأوروبي.
ويرى المراقبون ان هذا الوضع المشكوك فيه سيبقى في المملكة المتحدة مع إمكانية وجود استفتاء آخر يلوح في الأفق؛ فقد فاز الحزب الوطني في كل دائرة انتخابية في أسكتلندا، ما عدا واحدة، وهذا الانتصار سيجدد مشروع الاستقلال الذي رفضه الأسكتلنديون سنة 2014 بنسبة 55٪.
كاميرون واستراتيجية “إنجلترا الصغيرة”
منذ تولي ديفيد كاميرون رئاسة الوزراء قبل خمس سنوات، وفي ظل الأزمة المالية، اعتمد ما يسمى استراتيجية “إنجلترا الصغيرة”. وكجزء من برنامج شامل لخفض حجم الانفاق الهائل، خفض كاميرون الإنفاق العسكري، وقلل من عدد السلك الدبلوماسي البريطاني، وبدأ بالانسحاب على نطاق واسع من جميع الالتزامات الخارجية (باستثناء المساعدات التنموية). كما سمح بإجراء استفتاء حول استقلال اسكتلندا، الذي أدى إلى تقسيم المملكة المتحدة ووعد بإجراء استفتاء آخر لفترة ولايته الثانية بشأن ما إذا كانت بريطانيا يجب أن تبقى في الاتحاد الأوروبي.
لقد كان أفضل أمل للمملكة المتحدة للحفاظ على التزامها بنسبة 2 % من الناتج المحلي الإجمالي في الإنفاق الدفاعي هو أن تقلل السياسات الاقتصادية للحكومة من إجمالي الناتج المحلي.
وعلى الرغم من حالة التفاؤل التي تسود اوساط الخبراء والمحللين الا ان بعضهم رأوا أيضا أن الفوز الذي حققه المحافظون يعني أن الاقتصاد سيواجه مجددا ضائقة مالية خانقة إلى حد ما. ولكن المحافظين تعهدوا بالقضاء على عجز الميزانية الحالي الهيكلي بحلول 2017-2018، والتوجه بعد ذلك إلى تحقيق فائض في إجمالي الميزانية في 2018-2019 حيث اعلنت حكومة المحافظين إن هذا الفائض سيساعد على توفير 16 مليار جنيه استرليني، ستخصص لخفض إجراءات وتدابير التقشف، ولتحويل الأموال إلى خدمات.
مستقبل الاقتصاد البريطاني
يتفق العديد من الخبراء والمحللين الاقتصاديين على إن نتائج الانتخابات التي شهدتها المملكة المتحدة ستصب في صالح الاقتصاد البريطاني، لأنها تفادت تشكل تحالف فوضوي ، وأيضا النجاحات التي حققتها حكومة كاميرون خلال السنوات الخمس الماضية، بما في ذلك تجاوز الأزمة الاقتصادية.
في الحقيقة لايبدو الاقتصاد البريطاني كما يروج له المحافظون فحكومة كاميرون بانتظارها مرحلة شاقة ، خصوصا مع ما يشهده العلم من أزمات الاقتصادية ، بالاضافة الى المشاكل الداخلية للبلاد ، وهو ما يفرض على عاتق الحكومة المكلفة الكثير من العمل المرحلة المقبلة
في الختام نقول ان الملف الاقتصادي يحتل أهميه خاصة على مستوى بريطانيا والخارج ، خصوصا ان المرحلة المقبلة يمكن أن تحدد مستقبل بقاء بريطانيا ضمن منطقة اليورو وكذلك سيرسم ملامح اقتصاد أوروبا خلال المرحلة المقبلة.

عامر العمران
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية