دمشق – كشفت إيران اليوم عن خططها للبقاء في سوريا لمدة غير محدودة، في تحد لرؤية أميركية عالمية تحاول واشنطن تحويلها إلى إجماع دولي لحصار النفوذ الإيراني في سوريا. وتخشى إيران من أن تكون أولى خطوات هذا “الإجماع″ القمة التي من المقرر أن تجمع الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين في هلسنكي منتصف الشهر الجاري.
وربط مساعد رئيس مجلس الشورى الإيراني للشؤون الخارجية أمير حسين عبداللهيان وجود إيران في سوريا، في مرحلة ما بعد داعش، بـ”إحباط المخططات الإسرائيلية” للهيمنة على سوريا.
وعلى ما يبدو تحصر إيران أسباب تعزيز نفوذها في سوريا فقط في إسرائيل، كمبرر لطالما لجأت إليه لفرض شرعية سياسية داخلية على تحركاتها الاستراتيجية في المنطقة، خصوصا في غزة وجنوب لبنان. لكنها لا تستطيع في الوقت نفسه الإشارة إلى وجود تركي مماثل في شمال سوريا، تسبب في خلق تغيرات ديموغرافية واسعة، منذ تدخل الجيش التركي واستيلائه على بلدة عفرين قبل نحو ثلاثة أشهر.
وقال عبداللهيان إن بلاده ستبقي على وجودها العسكري في سوريا بعد هزيمة داعش، وإن “المستشارين العسكريين الإيرانيين سوف يواصلون عملهم في سوريا بنفس الطريقة”.
ولا تريد إيران توسيع دائرة المسببات العملية لبقائها في سوريا لتشمل القوات الأميركية والفرنسية والبريطانية المتناثرة في قواعد عسكرية في الشمال السوري والشرق والجنوب.
ويقول محللون إن إيران، بعد خروج واشنطن من الاتفاق النووي، تتبنى لهجة هادئة تجاه الغرب في ما يتعلق بنفوذها الخارجي، وفي نفس الوقت تطلق تهديدات عالية السقف، كتهديدها بإغلاق مضيق هرمز إذا ما حرمت من تصدير النفط في ما يتعلق بالشؤون الداخلية، خصوصا تلك التي قد تؤثر مباشرة على تماسك النظام.
وفي نفس الوقت يحاول النظام الإيراني تحويل الضغط الدولي عليه إلى فرصة. فعبر إظهار أنه قادر على مقاومة الاستراتيجية الأميركية، يأمل المسؤولون الإيرانيون في حشد دعم شعبي ضد “عدو خارجي”، وخلق شعور وطني يجنبه اهتزاز قبضته على شؤون الحكم في طهران.
لكن لا توجد مسألة أثارت استياء إيرانيين يتظاهرون منذ نهاية العام الماضي لتحسين معيشتهم وأوضاعهم الاقتصادية، بقدر التدخلات الإيرانية في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق والخليج واليمن. ومن الممكن أن يحوّل هذا مقاربة النظام الإيراني إلى “سلاح ذي حدين”، ويدفعه إلى المخاطرة بمستقبله في الحكم.
ويقول دبلوماسيون غربيون إن مسؤولين أميركيين وروسا حددوا بالفعل أجندة قمة هلسنكي في 16 يوليو الجاري بين زعيمي البلدين. وأكدوا أن “مسألة الوجود الإيراني في سوريا تشكل أولوية كبيرة على المستوى الشخصي بالنسبة لترامب”.
وتحميل روسيا مسؤولية طرد إيران من سوريا مقابل إعادة تأهيل الرئيس السوري بشار الأسد مخاطرة غير محسوبة العواقب. فبوتين يستفيد بشكل مباشر من التحالف الجيوسياسي مع إيران، كما لم تتضح بعد طبيعة التنازلات التي من الممكن أن يقدمها الرئيس الأميركي في هلسنكي في المقابل.
ويخشى الدبلوماسيون الغربيون من أن ينجح بوتين في “استدراج ترامب لتقديم تنازلات لا يتحملها حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيون”.
وكان واضحا تبني موسكو سياسة براغماتية استباقا للقمة المزمعة. فمعركة درعا تمت بسرعة تتناسب مع رغبة الروس، بموافقة أميركية، في إنهائها قبيل انعقاد القمة. كما كانت مشاركة حزب الله في المعركة رسالة للولايات المتحدة بأن روسيا لا تملك جيوشا تستطيع من خلالها حسم معارك كبرى على الأرض، لكن إيران لا تزال فعالة عبر ميليشياتها، وعلى رأسها حزب الله.
وهذه المعادلة تجعل إيران “منتظرة بفارغ الصبر” لنتائج قمة هلسنكي، بعدما أصبح ملف وجودها في سوريا إحدى النقاط الأساسية التي ستحددها النقاشات التي ستجري خلال هذه القمة.
ويقول مراقبون إن إيران لا تملك خيارا آخر قبل القمة سوى التصعيد، قبل الجلوس مع الروس على طاولة تفاوض.
العرب