تتمثل وعود الصفقة النووية الناجحة مع إيران في أنها سوف توقف الانتشار النووي، وتؤدي إلى تحسين سلوك طهران، وتجعل منطقة الشرق الأوسط مكانًا أكثر أمنًا، وتسمح للولايات المتحدة ربما بأن تلعب دورًا أقل نشاطًا في المنطقة. وهذا ما تحاول أمريكا قوله للقادة العرب الذين كان من المفترض أن يزوروا البيت الأبيض وكامب ديفيد هذا الأسبوع، ولكنهم يجدون الآن سببًا لعدم الحضور.
وقد أعلن الرئيس أوباما عن هذه القمة عندما كشف النقاب عن “إطار” الصفقة مع إيران الشهر الماضي. والهدف من هذا الاجتماع هو طمأنة ملك المملكة العربية السعودية، جنبًا إلى جنب مع أمراء الكويت وقطر والبحرين وسلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة، بأن الولايات المتحدة ستواصل مساندتهم رغم الاتفاق النووي مع إيران. وقد اقترح الرئيس أيضًا أنه سيكون هناك “نقاش صعب” حول السياسة الداخلية لهذه الدول، على الرغم من أنه لا أحد يستطيع تخمين كيف ستساهم محاضرة أخرى لأوباما حول الحكم الرشيد في تهدئة المخاوف حول القدرة على الاعتماد على الولايات المتحدة.
ولكن، في آخر لحظة، بدأ كبار القادة العرب يجدون أعذارًا لعدم القيام بالرحلة. وقرر العاهل السعودي، الملك سلمان، عدم المجيء إلى واشنطن بعد أيام فقط من تأكيد حضوره، وسوف يرسل مسؤولين أقل مستوى بدلًا عنه. وأيضًا، قرر ملك البحرين عدم حضور القمة. ويمكن وصف هذه القرارات فقط على أنها صفعات سياسية متجذرة في انعدام الثقة في الرئيس أوباما ودبلوماسيته.
** ** **
وسوف يهرع البيت الأبيض الآن لإنقاذ سياسته، والشيء الوحيد الذي يمكن أن نتوقعه هو جولة جديدة من مبيعات الأسلحة لدول الخليج، التي تغمرها الأسلحة الجديدة بالفعل، بما في ذلك الإعلان مؤخرًا عن أن قطر ستقوم بشراء طائرات مقاتلة فرنسية بـ 7 مليارات دولار. وقد تكون المساهمة الأهم للولايات المتحدة هي تقديم نظام الدفاع (ثاد)، الذي يمكنه إسقاط صواريخ سكود وصواريخ بالستية أخرى تمتلكها إيران.
ولا يوجد شيء مزعزع للاستقرار حول مبيعات الأسلحة؛ إلا أن وتيرة شراء العرب للأسلحة بزيادة 50 % في العام الماضي وحده، وبقيمة ما يصل إلى 18 مليار دولار أمريكي، جنبًا إلى جنب مع أنواع الأسلحة التي يتم شراؤها؛ تقول شيئًا عن تقييم هذه الدول لحجم التهديد الذي تواجهه. وبمعنى آخر، لماذا تشتري هذه الدول نظام ثاد بمليارات الدولارات إذا كانت الدبلوماسية سوف تقوم بتحييد التهديد النووي الإيراني؟ وما هو الهدف من إضافة مقاتلات جوية جديدة إذا كانت هذه الدول على ثقة بضمانات الدفاع الأمريكية التقليدية؟
ويأمل أوباما أيضًا بثني الدول العربية، وخصوصًا السعودية، عن الحصول على أسلحة نووية خاصة بها. وفي هذا المجال، قد تقوم الولايات المتحدة بتوسيع ضمانات الدفاع في الخليج، بما في ذلك فرض مظلة نووية أمريكية.
وسوف تضع مثل هذه الضمانات الولايات المتحدة في موقف الدفاع عن أنظمة مثل نظام قطر الذي يرعى حماس وله صلات مع جبهة النصرة الجهادية في سوريا. وقد يجد أوباما أن مثل هذا الالتزام هو أحد ضرائب دبلوماسيته مع إيران؛ إلا أن عليه أن يفسر هذا للشعب الأمريكي إذا ما كان الأمر كذلك. يتوجب على أوباما أن يكون صادقًا في قول ما إذا كانت إحدى تكاليف صفقته مع طهران هي تعهد الأمريكيين بالدفاع عن دبي من خلال تبادل نووي.
وأظهر القادة العرب بالفعل أنهم لا يثقون كثيرًا في تعهدات أوباما. وقد جاءت الحرب السعودية ضد الحوثيين في اليمن بعد أن قدمت الإدارة الأمريكية مبادرات للميليشيا المدعومة من إيران في وقت سابق من يناير/ كانون الثاني. وفي الشهر الماضي، أزال الملك سلمان أخيه غير الشقيق من منصب ولي العهد، وعين بدلًا منه ابن أخيه محمد بن نايف؛ وهو الرجل الذي يؤمن بجعل العرب السنة أكثر قوةً في الدفاع عن أنفسهم.
ومن ثم، هناك وجهة نظر السعوديين تجاه صفقة إيران النووية، وتجاهل الإدارة لاعتراضاتهم. وقال الأمير فيصل بن سعود بن عبد المحسن، للول ستريت جورنال، مؤخرًا: “لدينا حلفاء لا يستمعون لنا، وهذا ما يجعلنا قلقين للغاية“. وبدوره، قال الأمير تركي الفيصل، وهو وزير الاستخبارات السعودي السابق، في مارس/ أذار، إن المملكة ستريد الحصول على نفس التكنولوجيا النووية التي ستمنح لإيران في الاتفاق. ويشمل ذلك مفاعل البلوتونيوم، وآلافًا من أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم. ولدى المملكة بالفعل خطط لبناء 16 مفاعلًا نوويًا بحلول عام 2030؛ مدعيةً أنها بحاجة إليها لتزويد محطات تحلية المياه بالطاقة.
** ** **
وبالنسبة لأمريكا، تعد المفارقة الحادة لاجتماع هذا الأسبوع أنه يكشف مرة أخرى عن فشل جهود أوباما في الانفصال عن الشرق الأوسط. وبعد أن برر الرئيس الأمريكي انسحابه من العراق وبقاءه خارج سوريا بأسباب متماثلة، أدى تخلي الولايات المتحدة عن المنطقة إلى توليد أزمات جديدة؛ وهو ما جرها مرة أخرى للتدخل هناك. والآن، تجبر دبلوماسية أوباما تجاه إيران الولايات المتحدة على تقديم المزيد من الضمانات الأمنية للمنطقة.
وكما لاحظ وزيرا الخارجية السابقان، هنري كيسنجر وجورج شولتز، في مقالهما للوول ستريت الشهر الماضي: “لن تجلب منطقة الشرق الأوسط الاستقرار لنفسها، ولن يفرض توازن القوى نفسه بشكل طبيعي على المنافسة الإيرانية السنية“.
ولمدة سبعة عقود، فهم كل رئيس أمريكي أن أفضل طريقة لإدارة السياسة الخارجية هي عدم ترك أي شخص يخمن إلى أي جانب تقف الولايات المتحدة. إلا أن أوباما اتبع سياسة مختلفة. وسيكون ضيوفه العرب معذورين فيما إذا هزوا رؤوسهم لضماناته، وقبلوا أسلحته، ولكن استنتجوا أنه سيتركهم لوحدهم في نهاية المطاف.
وول ستريت جورنال – التقرير