تواظب الفلسطينية مريم أبو موسى على المشاركة في فعاليات مسيرة العودة وكسر الحصار عن غزة منذ بدأت قبل مئة يوم وهي تحمل بعض ملابسها على رأسها وترتدي الثوب الفلسطيني، للتعبير عن إصرارها على العودة إلى مدينة بئر السبع التي هجر منها أهلها إبان النكبة.
تحمل الخمسينية مفتاح منزل عائلتها اللاجئة، وتتحدث بلهجة بدوية تمثل بلدتها المهجرة، وترفع صوتها وسط الحشود المشاركة في جمعة “مئة يوم على مسيرة العودة ودعم الخان الأحمر” بالمنطقة الحدودية لقطاع غزة مع الاحتلال وعلى بعد عشرات الأمتار من السياج الفاصل، وسط إطلاق نار كثيف من قبل جنود الاحتلال.
ورغم حجم الخسائر البشرية التي يوقعها رصاص الاحتلال فإنه لم يفتّ في عضد مريم بل زادها يقينا بأن أولى خطوات العودة قد بدأت “فيكفي مسيرة العودة إحياؤها، حقنا بالعودة في نفوس ملايين الفلسطينيين وتجديد الإحساس لدى الأجيال بمعنى وقيمة العودة” كما تقول.
وإذا كانت مريم تتحدث عن تنامي الإحساس بالعودة حتى وصفت المتظاهرين بمدمني التظاهر على الحدود انتظارا لعودتهم فإن الستيني أبو عمار العبادلة يلفت إلى جانب آخر من إنجازات مسيرة العودة تتمثل في “إحياء روح الثورة من جديدة بعدما خفت وهجها”.
الحضن الجماهيري
وبينما يشحذ أبو عمار همم الشباب وسط دخان الإطارات المطاطية والرصاص وقنابل الغاز التي تنهال على المتظاهرين يؤكد أن مسيرة العودة أعادت القضية إلى حضنها الجماهيري ليأخذ الشعب زمام المبادرة من جديد بعد أن ظلت الفصائل تتصدر المشهد لسنوات طويلة، وفق تقديره.
ولأنه تربى على المقاومة وواكب تطور حراكها الشعبي منذ فترة الفدائيين في سبعينيات القرن الماضي، ثم انتفاضة الحجارة عام 1987، وبعدها انتفاضة الأقصى عام 2000 فإن أبو عمار يجزم بأن مسيرة العودة هي الأكثر إيلاما للاحتلال، لأنها تعتمد على وسائل سلمية مع حصادها نتائج تتجاوز ما أنجز بوسائل أخرى.
ويحتفي الفلسطينيون في القطاع بمرور مئة يوم على انطلاق مسيرة العودة وكسر الحصار التي تعتمد على حشد الجماهير على حدود غزة مع الاحتلال في خيام، أو التظاهر بإشعال الإطارات المطاطية وإلقاء الحجارة وقص السياج الفاصل، إضافة إلى إطلاق الطائرات الورقية والبالونات الحارقة صوب الأحراش والمزارع الإسرائيلية.
الرقب: الوطن يستحق التضحية بالدماء والأنفس (الجزيرة)
يستحقان التضحية
ورغم تعرض فعاليات مسيرة العودة لاعتداءات عنيفة من قبل الاحتلال، ما أدى إلى استشهاد نحو 140 فلسطينيا وإصابة أكثر من 16 ألفا فإن القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) حماد الرقب يجزم بأن “الأرض والوطن يستحقان التضحية بالدماء والأنفس، ولا يمكن حساب المعادلة بهذه الطريقة”.
وبموازاة تأكيده أن مسيرة العودة نجحت في إعادة البعد الوطني للقضية الفلسطينية وجددت الوعي بمعالمها فإنه يشير إلى مشاركة وتوحد كل أطياف الفلسطينيين خلف فعالياتها باعتبارها حراكا شعبيا سلميا بعد سنوات من الانقسام.
وتزيد أهمية هذه المسيرة -بحسب الرقب- لتزامنها مع نقل السفارة الأميركية إلى القدس، والحديث المتصاعد عن “صفقة القرن”، وقدرة المنتفضين السلميين على إفشال الحراك الأميركي والإسرائيلي في هذا الشأن.
وبينما يرفض القيادي في حماس وصم المسيرة بالطابع الحزبي وعدم تجريم الاحتلال وقتله للمدنيين فإنه يؤكد أن المسيرة ستستمر وتحقق هدفيها: الآني بكسر حصار غزة، والإستراتيجي بالعودة.
فتور تدريجي
في المقابل، يعتقد المحلل السياسي هاني العقاد أن مسيرة العودة تفتر تدريجيا وتتلاشى فعالياتها جراء ما يصفها بهيمنة حماس عليها، وبروز برامج وشخصيات وسياسات الأحزاب في مقابل غياب قيادة موحدة للمقاومة الشعبية بالضفة والداخل والشتات.
ومثلما يقارن العقاد بين بدايات المسيرة التي شهدت مشاركة كبيرة وبين المشاركة الضعيفة الراهنة فإنه يتحدث عن إخفاق متمثل في “تقزيم هدفها إلى كسر الحصار والحديث عن مشكلات غزة بدلا من الهم الوطني العام”.
ورغم إقرار المحلل الفلسطيني بدور مسيرة العودة في إعادة تصدير أزمة غزة إلى الواجهة وإشغال الاحتلال كنوع من استنزافه فإنه يدعو إلى تكثيف تصدير صور ومشاهد سلمية وتقليص أي حراك يعطي ذريعة للاحتلال لاستهداف المتظاهرين.
وكانت فكرة مسيرة العودة قد طرحها نشطاء شباب لحشد أكبر عدد من الفلسطينيين حول حدود الاحتلال في الضفة وغزة ومن الخارج للدعوة سلميا إلى العودة، وذلك قبل أن تشكل لجنة من الفصائل والمؤسسات والشخصيات لإدارتها بغزة، يضاف إليها هدف كسر الحصار بمسمى الهيئة الوطنية لمسيرة العودة وكسر الحصار.
المصدر : الجزيرة