أخيرا صادق الكنيست الإسرائيلي على “قانون القومية” الذي يكرس يهودية الدولة ويمنح اليهود وحدهم حق تقرير المصير في إسرائيل، بعد أشهر من الجدل السياسي والدستوري، ووافق على القانون 62 نائبا من أصل 120 وعارضه 55 وامتنع نائبان عن التصويت.
وعلا صوت النواب العرب في الكنيست رفضا للقانون واستنكارا لإقراره، وبادروا لتمزيق وثيقته ورميها في وجه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وجاءت المصادقة على القانون الذي عرض أول مرة قبل سبع سنوات (عام 2011)، حين طرحه الرئيس السابق لجهاز الأمن الداخلي (الشاباك) عضو الكنيست آفي ديختر، وصادقت عليه اللجنة الوزارية للتشريع العام الماضي، وأحيل للقراءة التمهيدية في الكنيست قبل المصادقة النهائية عليه اليوم.
التمييز بالقانون
ويتضمن القانون الإسرائيلي الجديد المثير للجدل 11 بندا وردت تحت العناوين الآتية: المبادئ الأساسية، رموز الدولة، عاصمة الدولة، اللغة، لمّ الشتات، العلاقة مع الشعب اليهودي، الاستيطان اليهودي، يوم الاستقلال ويوم الذكرى، أيام الراحة والعطل، نفاذ القانون.
وينص على أن “حق تقرير المصير في دولة إسرائيل يقتصر على اليهود، والهجرة التي تؤدي إلى المواطنة المباشرة هي لليهود فقط”، وأن “القدس الكبرى والموحدة عاصمة إسرائيل”، وأن “العبرية هي لغة الدولة الرسمية، واللغة العربية تفقد مكانتها كلغة رسمية”.
ويعرّف دولة إسرائيل بأنها الدولة القومية للشعب اليهودي، وفيها يقوم بممارسة حقه الطبيعي والثقافي والديني والتاريخي لتقرير المصير، كما يؤكد أن “ممارسة حق تقرير المصير في دولة إسرائيل حصرية للشعب اليهودي”.
ويعتبر في البند الثالث منه أن “القدس الكاملة والموحدة هي عاصمة إسرائيل”.
وينزع القانون أيضا عن اللغة العربية صفة اللغة الرسمية إلى جانب العبرية، ويجعلها لغة “لها مكانة خاصة”، وينص القانون على أن “تنظيم استعمال اللغة العربية في المؤسسات الرسمية أو في التوجه إليها يكون بموجب القانون”.
ويصل عدد العرب في إسرائيل حاليا إلى نحو 1.8 مليون، أي حوالي 20% من إجمالي عدد السكان البالغ نحو تسعة ملايين نسمة، وهم يشكون باستمرار من أشكال التمييز والممارسات العنصرية التي حولتهم إلى مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة.
وبينما يتصاعد زخم الحراك الشعبي الفلسطيني المطالب بحق العودة، يسعى القانون لإغلاق باب العودة بشكل نهائي أمام الفلسطينيين، ويبقيه مفتوحا على مصراعيه أمام الهجرات اليهودية؛ حيث ينص على أن الهجرة التي تؤدي إلى المواطنة المباشرة هي لليهود فقط، وأن الدولة تبقى مفتوحة “أمام قدوم اليهود ولمّ الشتات”.
وهذا يعني أن القانون الجديد لا يضرب بعرض الحائط آمال الفلسطينيين فقط، وإنما أيضا القرارات الأممية التي أكدت حق العودة والتعويض، ومنها القرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 11 ديسمبر/كانون الأول 1948.
وباعتبار إسرائيل “دولة يهودية”، فإن دورها -وفقا للقانون الجديد- لا يقتصر على حدودها ولا ينحبس ضمن نطاقها الجغرافي فحسب، بل تعمل وفق مقتضيات البند السادس من القانون في الشتات “للمحافظة على العلاقة بين الدولة وأبناء الشعب اليهودي”، كما تعمل أيضا “على المحافظة على الميراث الثقافي والتاريخي والديني اليهودي لدى يهود الشتات”.
وبينما تقوم الدول في العالم على مفهوم الدولة المعاصرة بما يعنيه ذلك من مساواة بين المواطنين في الدولة بغض النظر عن أديانهم وأصولهم، وعلى قبول الآخر والتعايش معه؛ يؤكد القانون الجديد أن إسرائيل معنية “بالمحافظة على سلامة أبناء الشعب اليهودي ومواطنيها، الذين تواجههم مشاكل بسبب كونهم يهودا أو مواطنين في الدولة”، في انحياز واضح للقومية على حساب المواطنة خلافا لما استقر عليه البناء السياسي في معظم الدول ذات التوجهات الديمقراطية.
تداعيات كبيرة
ويضع القانون الجديد -وفقا لموقع “حرية نيوز” الفلسطيني- حجر الأساس في عملية مأسسة نظام الفصل العنصري (الأبرتهايد) في الداخل المحتل، ويضمن كون دولة الاحتلال دولة قومية للشعب اليهودي، والنشيد الوطني والعلم والحق بالاستيطان سيكون مضمونا لأجيال.
كما يمهد القانون أيضا الطريق أمام دولة الاحتلال “لسن تشريعات تمييزية متطرفة استعمارية، تلغي الوجود الفلسطيني بالداخل. كما يشكل خطرا وجوديا على مكانة الفلسطينيين، إذ يحولهم في واقع الحال إلى رعايا، وليسوا مواطنين، كما يحرمهم من أي حق لتقرير المصير أو أية حقوق جماعية شرعية، ولا يعترف بهم كأقلية قومية”، بحسب الموقع.
ولكن تداعيات القانون لا تقتصر على الفلسطينيين عموما وفلسطينيي الداخل خصوصا، بل تطال كذلك إسرائيل وسمعتها، فقد أشارت صحيفة غارديان البريطانية سابقا إلى أنه يغاير إعلان إسرائيل في أكثر من مناسبة بأنها دولة ديمقراطية، وأنه يضر بسمعتها الدولية.
وأوضحت الصحيفة أن نص “استقلال دولة إسرائيل” يشير إلى الوعد بالمساواة في الحقوق الاجتماعية والسياسية لجميع السكان، بغض النظر عن الدين أو العرق أو الجنس.
وأضافت أن القانون الجديد من شأنه أن يعطي الأولوية ليهودية إسرائيل على حساب ديمقراطيتها، وأن هذا يعتبر تناقضا كبيرا لنص استقلالها.
ورغم أن إسرائيل مارست أشكالا من التمييز طيلة العقود الماضية ضد فلسطينيي الداخل، فلم يصل الأمر إلى سن قانون على “النحو السافر”، واقتضى الأمر أكثر من سبع سنوات لتمريره.
ويوضح الكاتب عبد الفتاح ماضي -في مقال سابق له بالجزيرة نت- أن ذلك يرتبط بعدة أسباب، يأتي على رأسها بالطبع ضعف الجانب العربي وتقزمه وانقسام الصف الفلسطيني وتشرذمه.
بيد أنه -بحسب الكاتب نفسه- توجد عوامل أخرى مهمة يتصل بعضها بالمجتمع الإسرائيلي ذاته، مثل تزايد الشعور بالقلق داخل الكيان الإسرائيلي جراء التفوق الديمغرافي الفلسطيني، وتصاعد تفاعل فلسطينيي 1948 مع قضايا الصراع، وارتفاع وزن المقاومة الفلسطينية، وتصاعد الاهتمام الدولي بالاعتراف بالدولة الفلسطينية.
هذا فضلا عن تصاعد نفوذ التيارات اليمينية المتشددة ومطالبها، إما ببناء الهيكل وهدم الأقصى -كما تطلب التيارات الدينية- أو بهيمنة اليهود وطرد العرب نهائيا -كما تطلب التيارات اليمينية المتطرفة- أو بالهدفين معا عند بعضهم.
المصدر : الجزيرة + وكالات,مواقع إلكترونية