فرانكفورت – انضمت مجموعة دايملر الألمانية لصناعة السيارات إلى قائمة طويلة من الشركات العالمية بإعلان وقف أنشطتها التجارية في إيران بعدما أعادت الولايات المتحدة فرض عقوبات على طهران.
ونسبت وكالة الصحافة الفرنسية إلى متحدثة باسم المجموعة قولها أمس “علقنا أنشطتنا المحدودة أصلا في إيران امتثالا للعقوبات المطبقة”، لتنهي بذلك اتفاق التعاون الذي وقعته مع شركتين إيرانيتين لتجميع شاحنات مرسيدس بنز.
ويظهر القرار هشاشة موقف الاتحاد الأوروبي المتمسك بالاتفاق النووي وعدم قدرته على إقناع الشركات الأوروبية بمواصلة العمل مع إيران، رغم تعهده أمس “بحماية الجهات الاقتصادية الأوروبية الناشطة في أعمال مشروعة مع إيران”.
ويرى محللون أن التصريحات الأوروبية تهدف إلى حفظ ماء الوجه فقط بعدما أكد كبار المسؤولين يأسهم من إمكانية استمرار تعامل شركات بلدانهم مع إيران.
وكان وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير قد أقر بأن الشركات الفرنسية لن تتمكن من البقاء في إيران، في وقت أجرت فيه تلك الشركات عملية إجلاء شاملة لنشاطاتها في إيران. كما أكد وزير الخارجية الألماني هايكو ماس أن أوروبا لم يسبق لها أن تمكنت من حماية شركاتها من العقوبات الأميركية.
ويبدو العجز الأوروبي واضحا في إعلان بنك الاستثمار الأوروبي أنه لا يستطيع مواصلة التعامل مع إيران رغم أنه الذراع الاستثمارية للمفوضية الأوروبية.
وكانت مجموعة بيجو ستروين الفرنسية وهي أكبر متعامل مع قطاع السيارات الإيراني قد أعلنت عن إيقاف مشروع كبير لإنتاج السيارات في إيران بالتعاون مع شركتين إيرانيتين، لكن مجموعة رينو، التي ليست لديها تعاملات في الولايات المتحدة لا تزال مترددة في اتخاذ قرار نهائي.
ويرجح محللون تسارع وتيرة امتثال الشركات من جميع أنحاء العالم للعقوبات الأميركية عندما يتحتم عليها الاختيار بين مواصلة تعاملاتها مع الاقتصاد الأميركي العملاق والاقتصاد الإيراني المتعثر والمليء بالمصاعب والمعوقات.
في هذه الأثناء نسبت صحيفة نيويورك تايمز إلى مسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية قولهم إن أكثر من 100 شركة عالمية وافقت على مغادرة السوق الإيرانية مع بدء سريان العقوبات الأميركية.
وقال المسؤولون، الذين لم يكشفوا عن قائمة أسماء الشركات، إن العقوبات ستضع ضغوطا شديدة وغير مسبوقة على الاقتصاد الإيراني، لكنهم أكدوا أن الغرض منها ليس تغيير نظام إيران، بل تغيير سلوكه.
ودخلت الجولة الأولى من العقوبات الأميركية أمس حيز التنفيذ بحظر شراء الدولار على الحكومة الإيرانية، وحظر تجارة الذهب والمعادن الثمينة، والمواد الخام والمعادن مثل الألمنيوم والحديد والفحم وكذلك البرمجيات المستخدمة في العمليات الصناعية، إضافة إلى جميع النشاطات المتعلقة بصناعتي السيارات والطيران.
وحذر الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمس جميع الدول من التعامل تجاريا مع طهران وقال إن العقوبات الجديدة التي فرضتها واشنطن على إيران ستكون “الأكثر إيذاء على الإطلاق”.
وتشمل قائمة الشركات التي انسحبت مبكرا من التعامل مع إيران شركات توتال الفرنسية وجميع شركات المصافي الأوروبية ومجموعة آيرباص وشركة سيمنز الألمانية، إضافة إلى جميع شركات المصافي الأوروبية.
كما أوقفت أكبر شركات الشحن الكبرى وبضمنها ميرسك تانكرز إبرام أي تعاملات مع إيران وجدولت اتفاقاتها الحالية لتنتهي قبل دخول المرحلة الثانية من العقوبات حيز التنفيذ في 4 نوفمبر المقبل والتي تشمل حظر التعامل مع النفط والبتروكيماويات والموانئ الإيرانية.
وسبقت شركات الطاقة في كوريا الجنوبية جميع الشركات الأخرى وأوقفت بالفعل شراء النفط الإيراني منذ الشهر الماضي بحسب بينات تتبع الشحن البحري.
وأعلنت شركة ريلاينس، أكبر شركة هندية لتكرير النفط، أنها ستوقف تعاملاتها مع النفط الإيراني، وأكدت أنها حريصة على تعاملاتها الواسعة مع الولايات المتحدة. كما قلصت شركة التكرير الهندية نايارا إنرجي، أحد أكبر مشتري النفط الإيراني، وارداتها تمهيدا لإيقافها خشية تعرضها للعقوبات الأميركية.
وانظمت شركة برتامينا الإندونيسية للطاقة إلى مقاطعة إيران وأعلنت الرئيسة التنفيذية للشركة نيكي ودياواتي تجميد اتفاق لتشغيل حقل منصوري للنفط في إيران لأن الشركة تريد الحفاظ على “العلاقة الجيدة” للبلاد مع الولايات المتحدة. وأكدت مصادر مطلعة أن الشركات اليابانية جدولت إيقاف شراء النفط الإيراني بحلول أكتوبر المقبل في أقصى تقدير، إذا لم تحصل على إعفاء من واشنطن، وهو أمر يستبعده المراقبون استنادا إلى تصريحات المسؤولين الأميركيين.
وفي الشهر الماضي بدأت أكبر المصارف اليابانية خطوات وقف إجراء جميع التعاملات التي لها صلة بإيران في إطار سعيها للالتزام بالعقوبات الأميركية.
وأظهرت وثيقة أن مجموعة ميتسوبيشي يو.أف.جيه المالية، أكبر بنوك اليابان، ستوقف جميع التعاملات المرتبطة بإيران. كما أعلنت الوحدة المصرفية التابعة لمجموعة ميزوهو المالية أنها ستتخذ إجراء مماثلا وتوقف جميع التعاملات المرتبطة بإيران.
ورجحت مصادر في القطاع المالي أن يؤدي تحرك أكبر المصارف اليابانية إلى إجبار شركات يابانية كثيرة على وقف مشترياتها من النفط الخام الإيراني لأن تلك المصارف تتولى إدارة الجانب الأكبر من التعاملات مع إيران.
ويرى محللون أن وصول العقوبات إلى إمدادات النفط يمكن أن يؤدي إلى انهيار الاقتصاد الإيراني الذي يعاني من أزمات خانقة رغم تصدير 2.6 مليون برميل يوميا، حيث فقد الريال أكثر من ثلثي قيمته منذ إعلان انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في مايو الماضي.
وتعلل إيران نفسها بصعوبة تعويض إمداداتها من قبل المنتجين الآخرين وتتوقع أن تضطر الولايات المتحدة إلى منح إعفاءات مثلما كان عليه الحال في العقوبات السابقة.
لكن تظهر البيانات أن منتجي النفط يمكنهم ببساطة تعويض الإمدادات الإيرانية من خلال تعليق الالتزام باتفاق خفض الإنتاج، حيث تملك دول كثيرة طاقة إنتاج إضافية، وخاصة السعودية وروسيا والعراق والإمارات والكويت.
ويضع الأفق الاقتصادي القاتم الشارع الإيراني في طريق مسدود وأمام خيار وحيد هو تصعيد المطالب بإجراء تحول سياسي شامل في إدارة الملفات السياسية والاقتصادية، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى انهيار النظام.
ويبدو اليأس واضحا في تصريحات أقرب أصدقاء طهران، حيث يقول ماثيو إيتورنو مدير المركز الفرنسي للأعمال في إيران “لدينا شعور بأن الموقف الأميركي تجاه إيران هو تغيير النظام لذا ماذا يمكنك أن تفعل في هذه الحالة؟”.
ويقول محللون إن تطبيق العقوبات هذه المرة سيكون أكثر قسوة من جميع العقوبات السابقة بسبب تطوير وسائل تعتمد الذكاء الاصطناعي لتعقب الانتهاكات، وتزايد مخاوف الشركات من التعرض للغرامات الأميركية الباهظة.
العرب