المستثمر العراقي يخسر ملايين الدولارات في المصارف الإيرانية

المستثمر العراقي يخسر ملايين الدولارات في المصارف الإيرانية

 

انهيار سعر صرف العملة الإيرانية ، أدى إلى خسارة الكثير من التجار وأصحاب رؤوس الأموال من العراقيين الذين كانوا قد أودعوا أموالهم في المصارف الإيرانية.
قدمت المصارف الإيرانية الحكومية وغير الحكومية تسهيلات كبيرة للمستثمرين العراقيين لجذب رؤوس أموالهم وتحفيزهم على إيداع أموالهم لديها ، من أجل انقاذ عملتها الوطنية “التومان” التي تعرضت إلى تدهور وانخفاض كبير بسبب قرار واشنطن بإلغاء الاتفاق النووي وفرض العقوبات على طهران ، إذ قامت السلطات الإيرانية بمنح تراخيص لمكاتب في مدن كربلاء والنجف والكاظمية مرتبطة بها ، تتيح للمستثمرين إيداع أموالهم بعد تحويلها الى العملة الإيرانية في حساباتهم في تلك المصارف دون الحاجة الى السفر لإيران.
فمنذ عام ألفين واثني عشر ، والآلاف من أصحاب رؤوس الأموال الصغيرة والمتوسطة من العراقيين ، وخاصة الكربلائيين منهم ، وهم يستثمرون أموالهم في المصارف الإيرانية بعدما رفعت السلطات الإيرانية حجم الفائدة على الودائع الى اثنين وعشرين بالمئة سنويا.
وبهذه الإغراءات لجأ العراقيون الى البنوك الإيرانية لإيداع أموالهم من أجل تحقيق أرباح كبيرة ، الأمر الذي عده بعض الاقتصاديين بأنه خسارة للاقتصاد العراقي ، كان الاولى بالحكومة العراقية تشجيع المواطنين والمستثمرين الى ايداع أموالهم داخل البلد .
إذ قدمت المصارف الإيرانية للعراقيين الذين يودعون أموالهم أرباحا مضمونة وصلت إلى مئة بالمئة ، فضلا عن الشروط السهلة والميسرة التي وضعتها ، بحيث يستطيع العراقي ان يسحب أمواله شهريا ، أو ربع سنويا ، أو نصف سنوي او كل سنة ، كما وقامت المصارف الإيرانية باحتساب فوائد تصاعدية على الودائع والفوائد المترتبة عليها ، وسمحت لكل مستثمر بسحب مليوني ريال منها يوميا من خلال أجهزة الصرف الآلي المنتشرة في إيران والعراق ، ولا يوجد أية شروط تعجيزية .
هذه العروض وغيرها كانت مغرية بالنسبة لأصحاب رؤوس الأموال الصغيرة والمتوسطة ، ممن يخشون استثمار أموالهم في العراق ، أو لا يجدون الفرصة لذلك ، إذ يؤكد احد المستثمرين في المصارف الإيرانية “محمد عباس” أنه كان يجني نصف مليون دولار أميركي في السنوات الثلاث الأولى من الإيداع ، وهو يؤكد أن عشرات آلاف العراقيين أودعوا أموالهم في مصارف إيران تماما مثلما فعل .
ويضيف المستثمر ، ان الفوائد الكبيرة التي يحصل عليها من مبلغ الوديعة ، توفر له تراكما ممتازا في رأس المال ، وتتيح له استخدام جزء من الفوائد في تحسين أوضاعه المعيشية ، والانفاق منها على سفراته المتكررة والسياحة في إيران .
وعلى الاجراءات الايرانية الأخيرة لرفع قيمة الريال الإيراني ، عقب المستثمر “محمد عباس” انها “مجرد خدعة” لجأت اليها السلطات الإيرانية للإيحاء بانها جادة في محاسبة من حمّلتهم المسؤولية في انهيار سعر صرف العملة الإيرانية في السوق السوداء ، ويعتقد ان انخفاض سعر صرف الريال الإيراني ، يعود بفوائد على الاقتصاد الإيراني ، لأنه حال دون قيام الكثير من المودعين بسحب ودائعهم لخشيتهم من الخسارة المضاعفة .
وفي السياق أكد حسنين العامري، الموظف في مكتب أحد المراجع الشيعة في بغداد، وجود فتاوى أصدرتها أغلب المراجع الدينية، نصت على عدم وجود أي إشكال شرعي في الفوائد التي تعطيها المصارف الإيرانية؛ على اعتبار أن إيران دولة إسلامية لا تتعامل بالربا.

إن إيران تستقطب الدولار وتحوله الى الـ”تومان” ، لتستفيد من فرق العملة ، وبالتالي تتعرض الاموال الى خسائر بين فترة وأخرى ، لأن العملة الايرانية تعاني في الفترة الأخيرة من تذبذب وعدم الثبات في السعر ، بسبب الحصار الاقتصادي الذي فرض على طهران مؤخرا ، فهذه كلها عوامل في إيران ساعدت على جذب الأموال الخارجية ، لإيداعها في بنوكها.
ويعاني الاقتصاد الإيراني من تدهور كبير ومن ، الحصار الاقتصادي المفروض من قبل الولايات المتحدة الأميركية بسبب برنامجها النووي ، إذ شهد التومان الإيراني تراجعاً سريعاً في سعر صرفه أمام الدولار ، وبحسب مختصين فان سعر الدولار تجاوز عشرة آلاف تومان إيراني في السوق السوداء ، فيما يتوقعون انخفاضا أكبر بعد تنفيذ المرحلة الأولى من العقوبات الاقتصادية الأميركية في السادس من آب الجاري ، وتليها دفعة ثانية في تشرين الثاني المقبل ، والتي ستشمل فرض حظر كامل على واردات النفط الإيراني .
وتقدر خسائر أموال المستثمرين العراقيين المحولة لدى المصارف الإيرانية ، بملايين الدولارات ، بسبب تراجع قيمة الريال الإيراني ، إذ أكد الخبير الاقتصادي “سلام سميسم” ان ودائع العراقيين المالية في بنوك إيران فقدت ثلث قيمتها النقدية ، بسبب عقوبات واشنطن على طهران ، وقبلها الشروط التي وضعتها الحكومة الإيرانية على رؤوس الأموال العراقية ، إذ إن الكثير من العوائل العراقية ، وبالأخص خلال السنوات الأربع الماضية ، باعت حتى ممتلكاتها من أجل تحويل الأموال الى إيران ، بطريقة أقل ما يمكن القول عنها انها غير سليمة ، كما أن الحكومة الإيرانية اشترطت على رؤوس الاموال العراقية عدم سحب أرصدتهم المتوسطة من بنوكها إلا بعد سنة من تاريخ إيداعها ، وتعامل معاملة الوديعة الثابتة مقابل فائدة كبيرة .
النظام المصرفي العراقي :
يتكون النظام المصرفي في العراق من أربعة وخمسين مصرفاً ، تتوزع وفقاً للملكية من بينها سبعة مصارف حكومية والبقية بنوك تجارية خاصة ، من ضمنها تسعة بنوك إسلامية ، إضافة إلى خمسة عشر فرعاً لمصارف أجنبية ، لكن هذا النظام المصرفي يظل نظاما متخلف ، إذ لا يزال يعمل بشكل لا يتماشى مع حجم تحديات التنمية ، ويفتقر لوجود قوانين تفعل القطاع المصرفي وتعيد النظر بهيكليته وتواكب التطورات التكنولوجية المصرفية في العالم .
اذ يحتاج الى دراسة وضع وأساليب جديدة للإصلاح ، وإعادة هيكلية المصارف الحكومية وفقا لقانون البنك المركزي العراقي ، وبحسب اقتصاديين ، لا يقتصر تطوير النظام المصرفي في العراق على إجراء إصلاحات تشريعية وحسب ، بل يتطلب توفر استقرار أمني وسياسي .
ويرى الخبير الاقتصادي “ماجد الصوري” أن الحاضنة الاقتصادية للمصارف مرتبكة وتعاني من مشاكل كبيرة بسبب الاضطراب الامني ، وعدم وجود الكهرباء ، أدى الى عرقلة التنمية ، وبالتالي عرقلة تطور النظام المصرفي العراقي ، وان بناء نظام مصرفي حديث يعتمد بشكل اساس على التسهيلات الادارية امر من شأنه احداث تغيير سريع في نمو الاقتصاد العراقي .
وأضاف الخبير المصرفي “فائق ناصر حسين” أن المرحلة التي يمر فيها القطاع المصرفي العراقي وتحديداً البنوك الخاصة ، صعبة جداً ، نظراً إلى فقدان ثقة المواطنين فيها ، وعلى نحو دفع بغالبية المودعين في مصارف خاصة ، إلى سحب ايداعاتهم ، فيما لم يتمكن آخرون لعدم توافر السيولة لدى مصارف كثيرة لتسديد مستحقات المودعين .
ان البيروقراطية التي تتعامل بها المصارف والمؤسسات المالية العراقية ، وانعدام الثقة بين المواطن العراقي والمصارف المالية ، أصبحت عائقا أمام عمل وتطوير المصارف ، وعدم ثقة المواطن بالمصارف في قضية إيداعات أمواله ، بسبب سوء إدارة الأموال لبعض المصارف ، والتي أعلنت افلاسها ، ووجود مصارف متعثرة في الامتثال لمتطلبات البنك المركزي في موضوع مكافحة تبييض الأموال ، وسوء إدارة بعض المصارف لأموال المستثمرين ، وتعثر عمل بعض المصارف الخاصة ، في تلبية طلبات بعض زبائنها في سحب بعض أرصدتهم ، بهذا يخشى المستثمر العراقي من تعرض أمواله الى الضياع ، مما أدى الى عزوف العراقيين وأصحاب رؤوس الأموال عن ايداع أموالهم في المصارف العراقية ، سواء كانت حكومية أو أهلية ، ولجؤهم الى البنوك الإيرانية ، لاسيما بعد زيادة نسبة الفائدة هناك من خمسة عشر بالمئة إلى اثنين وعشرين بالمئة .
إذاً .. العراق اليوم بحاجة الى : تطوير وضع أطر قانونية مصرفية صحيحة لتصحيح المسار المصرفي المتردي بالبلد ، وإرجاع الأموال المهاجرة ، والاستفادة منها داخل البلد ، من خلال منح التسهيلات ، وإلغاء التعاملات البيروقراطية ، ورفع قيمة الفائدة المالية ، والعمل الجاد في إصلاحات مصرفية لتشجيع رؤوس الأموال على الاستثمار داخل البلد من أجل تنشيط الاقتصاد العراقي ، وبناء الثقة بين المواطن والنظام المصرفي من أجل إيداع امواله في الداخل ، ، وتشجيع الاستثمار ، وتعديل القوانين بما يخدم تنمية الاقتصاد العراقي، كون الإيداع خارج العراق يعد خسارة للاقتصاد العراقي.

شذى خليل *
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية