تشنّ الولايات المتحدة الأميركية بإيعاز من رئيسها دونالد ترامب حروبا اقتصادية وتجارية، ليس على “أعدائها” فحسب بل على شركائها أيضا، في مسعى لإخضاع اقتصادات هذه الدول.
آخر هذه “الحروب الاقتصادية” التي أشعلها ترامب استهدفت اقتصاد تركيا وعملتها المحلية التي تراجعت إلى مستويات غير مسبوقة.
وقبل ذلك استهدف ترامب اقتصادات وعملات كل من إيران وروسيا وفنزويلا، بل حتى الصين وكندا والاتحاد الأوروبي.
ويظل العنوان الأبرز لهذه الحروب: فرض مزيد العقوبات الاقتصادية ورفع الرسوم الجمركية على الواردات.
لكن هذه الدول لم تقف مكتوفة الأيدي، بل سارعت إلى البحث عن بدائل لمواجهة سياسة “التركيع” بتعبير الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لعل أهمها محاولة توسيع استخدام العملات المحلية في المبادلات التجارية ومدخرات الأفراد للتخفيف من قبضة الدولار، وخيار استعمال العملات الرقمية، إلى جانب فرض رسوم جمركية مضادة على الصادرات الأميركية.
سياسة التركيع
في تركيا تراجعت الليرة أكثر من 16% أمام الدولار عقب القرار الأميركي فرض رسوم إضافية على واردات الصلب والألمونيوم، في محاولة للضغط على أنقرة لإطلاق سراح القس الأميركي أندرو برونسون.
لكن الرئيس أردوغان توعد بالرد على التهديدات الأميركية، وقال أمس السبت “إن التجرؤ على السعي لتركيع تركيا بالتهديدات بسبب قس، هو الخطأ بعينه”.
وقبلها بيوم قال أردوغان “إذا كان لديهم الدولار فلدينا الله”، داعيا الأتراك إلى تحويل مدخراتهم من الذهب والعملات الأجنبية إلى الليرة التركية لدعم العملة الوطنية.
وكان ترامب قال في تغريدة له “إن العملة التركية تتراجع سريعا مقابل دولارنا القوي للغاية”.
ويتهم أردوغان الغرب بالتآمر على العملة التركية للإضرار باقتصاده، ويعتقد أنها “ليست مسألة دولار أو يورو أو ذهب، ولكنها حرب اقتصادية ضدنا واتخذنا التدابير اللازمة لمواجهتها”.
ولمواجهة هذه الحرب أعلن أردوغان أن بلاده ستستخدم عملتها المحلية في علاقاتها التجارية مع روسيا وإيران والصين وأوكرانيا، وهي دول تملك أنقرة تبادلا تجاريا كبيرا معها.
إقصاء الدولار
وعلى غرار تركيا، شهدت إيران خلال الأشهر الماضية تراجعا كبيرا في سعر الريال الإيراني بعد قرار واشنطن إعادة العمل بالعقوبات الاقتصادية على طهران وانسحابها من الاتفاق النووي الإيراني.
وخسر الريال قرابة نصف قيمته مقابل الدولار منذ أبريل/نيسان الماضي، قبل أن يتحسن قبل يومين من إعادة فرض العقوبات الأميركية الثلاثاء، بعدما أعلنت الحكومة عن سياسات جديدة تتعلق بصرف العملات الأجنبية وتسمح باستيراد غير محدود ودون ضرائب للعملات والذهب.
وقد اعتبر المرشد الإيراني علي خامنئي هو الآخر أن بلاده تواجه “حربا اقتصادية” من أعدائها.
وقبل أيام أعلنت إيران نيتها اللجوء إلى التعامل بالعملات الرقمية في مواجهة العقوبات الأميركية.
فقد تحدث وزير الاتصالات وتقنية المعلومات الإيراني محمد جواد آذري جهرمي عن إمكانية تبادل وتداول العملات الرقمية عبر المصارف المحلية.
وفي شهر أبريل/نيسان المنصرم، ذكرت وسائل إعلام محلية أن إيران تحولت عن الدولار إلى اليورو في معاملاتها الرسمية الأجنبية، وذلك بعد أشهر من إعلان الحكومة الإيرانية أن طهران اتخذت خطوات عملية لإقصاء الدولار في معاملاتها التجارية والتركيز على اليورو.
إيران التي تأثرت بالعقوبات الاقتصادية الأميركية، أعلنت على لسان وزير خارجيتها محمد جواد ظريف وقوفها إلى جانب أنقرة في خلافها مع واشنطن.
ظريف الذي اتهم واشنطن بـ”إدمان العقوبات والترهيب” قال أمس السبت إن “ابتهاج (ترامب) بالتسبب بصعوبات اقتصادية لحليفته في حلف شمال الأطلسي تركيا، معيب”.
وأضاف “وقفنا في السابق إلى جانب جيراننا، وسنقوم بذلك مجددا الآن”.
عملات رقمية
وفي فنزويلا التي تعاني من أزمة اقتصادية، أعلنت السلطات بالبلاد في فبراير/شباط الماضي عن إطلاق عملة رقمية مدعومة بالاحتياطات النفطية للبلاد، لمساعدة كركاس على مواجهة العقوبات الأميركية والحصار المالي، ودعم العملة المحلية.
وتجاوز التضخم السنوي في فنزويلا 46% في يونيو/حزيران الماضي، وقال صندوق النقد الدولي إن التضخم قد يصل إلى سبعة أرقام.
وفي روسيا تأثرت العملة المحلية الروبل بالعقوبات الاقتصادية الأميركية، لتصل إلى أدنى مستوى في عدة أشهر، وذلك في أعقاب اتهام واشنطن لموسكو باستخدام غاز الأعصاب ضد عميل روسي سابق وابنته في بريطانيا.
ونددت روسيا قبل أيام بالعقوبات ووصفتها بأنها غير مشروعة، معلنة أنها تعكف على بحث إجراءات انتقامية.
وقال المركزي الروسي إن لديه من الأدوات ما يكفي لدرء أي تهديد للاستقرار المالي، ولعل من أبرزها زيادة حيازة العملات الأجنبية لدعم العملة المحلية.
والصين التي تواجه في الوقت الحالي حربا تجارية مع الولايات المتحدة الأميركية بسبب الرسوم الجمركية، بدأت في شهر مارس/آذار الماضي تداول عقود النقط الخام المقومة بالعملة الصينية اليوان في بورصة شنغهاي الدولية للطاقة.
ويعتقد خبراء ان هذه الخطوة ستزيد من الضغوط على الدولار في أسواق النفط، وتقلص من هيمنته على الاحتياطات العالمية.
ولم يسلم حتى شركاء أميركا التجاريين من حروب ترامب، حيث فرضت واشنطن رسوما جمركية على صادرات الصلب والألومينوم على لاتحاد الأوروبي وكندا ودول أخرى، مما حملها على اتخاذ إجراءات انتقامية ضد واشنطن.
الانعكاسات الدولية
ويبدو أن استمرار تدهور الليرة التركية لن يصيب تركيا فقط بل أسواق أوروبا، وأميركا بدرجة أقل.
فقد رأى المحلل لدى “إكس تي بي” ديفيد تشيثام في مذكرة أن المستثمرين -في ظل تراجع الليرة التركية الجمعة- يبدو أنهم “متخوفون بشكل متزايد من أزمة نقدية شاملة وشيكة”.
من جهته قال باتريك أوهار من مركز “بريفينغ” إن “قلق الأسواق حيال الليرة مرتبط بمخاوف من احتمال انتشار العدوى، أو بصيغة أخرى أزمة في عملات الدول الناشئة”.
لكن الخبير الاقتصادي بالأسواق الناشئة في كابيتال إكونوميكس البريطانية ويليام جاكسون، أفاد بأن تراجع قيمة الليرة التركية سيزيد من قوة المنافسة لدى المصدرين الأتراك.
أما صندوق النقد الدولي فحذر الشهر الماضي من أن تؤدي الحمائية التجارية إلى تأثيرات سلبية على الاقتصادات المتقدمة والناشئة.
المصدر : الجزيرة + وكالات