الخرطوم – تكثف المعارضة السودانية من ضغوطها لثني النظام عن السير في تعديل دستوري يسمح للرئيس عمر حسن البشير بالترشح لولاية رئاسية جديدة، وتلقى هذه الجهود دعما من بعض الدوائر الغربية والمجتمع المدني بيد أنه يستبعد أن يكون لها تأثير فعلي على مسار الأمور في السودان.
ويعقد تحالف “نداء السودان” الذي يضم أحزابا وحركات مسلحة ومستقلين السبت اجتماعا على مستوى المجلس الرئاسي للتحالف في العاصمة الفرنسية باريس لبحث سبل التحرك لمواجهة تعديل الدستور.
وهناك نية لعقد مؤتمر في الداخل السوداني، بيد أن مراقبين يستبعدون إمكانية حدوثه في ظل تشديد النظام قبضته على المعارضة.
وأجاز مجلس شورى المؤتمر الوطني الحاكم الاسبوع الماضي، تعديل النظام الأساسي للحزب، بما يسمح بترشيح الرئيس عمر البشير للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في العام 2020.
ولم تعد أمام البشير من الناحية القانونية سوى عقبة وحيدة تحول دون ترشحه وهي أن دستور الدولة لا يجيز للرئيس إعادة الترشح لأكثر من دورتين، ويقول مراقبون إنه سيكون من الضروري تعديل الدستور، وهذا أمر ليس صعبا في ظل امتلاك الحزب الحاكم لأغلبية مطلقة في البرلمان.
ويرجح أن تتم خطوة التعديل بعد عودة البرلمان من عطلته أي في أكتوبر المقبل.
وتوالت ردود الفعل الرافضة من قوى المعارضة السودانية لتوجه نحو تعديل الدستور، ووصفت حركة الإصلاح الآن التي كانت التحقت بركب الحوار الوطني -الذي دعا إليه البشير- في مراحله الأخيرة، بأن هذه الخطوة خطيرة.
ومن جهته توعد رئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي الذي يتـولى أيضا رئاسة “نداء السودان” بحشد الدعم الـدولي والـوطني ضد إعادة ترشيح الرئيس عمر البشير.
وسارعت بعض المنظمات الدولية لإدانة ترشيح البشير وطالبت منظمة “كفاية” الأميركية الولايات المتحدة بالتدخل قائلة إن التوجه لتغيير الدستور يعكس رغبة الرئيس السوداني في الاستمرار على كرسي الحكم “مدى الحياة”. ويستبعد محللون أن تؤتي الدعوات لمواجهة خطوة النظام أكلها لجهة أن البشير نجح في السنوات الأخيرة في إعادة وصل علاقاته مع المجتمع الدولي، وأظهر قدرة على التعاون في العديد من الملفات الإقليمية المعقدة وعلى رأسها أزمة جنوب السودان، وبالتالي فإن هناك حاجة دولية لاستمراره في السلطة، هذا فضلا عن أنه لا يوجد حتى الآن بديل عنه.
ويشير هؤلاء إلى أن واشنطن وإن كانت لا تزال تماطل الخرطوم في إطلاق جولة جديدة من الحوار بينهما، بيد أنها لن تتحرك لمواجهة مسعى البشير لولاية رئاسية جديدة أسوة بما حصل في الكونغو.
وقال أيمن شبانة أستاذ العلوم السياسية بمعهد الدراسات الأفريقية في القاهرة، إن تحركات المنظمات الأميركية ضد ترشح البشير لن تنعكس على موقف واشنطن الرسمي من الانتخابات، وأنها قد تتخذ خطوة تعديل الدستور ذريعة للضغط بشكل أكبر على النظام السوداني لتخفيض حربه ضد التنظيمات المسلحة والقبول بالتفاوض الجاد مع المتمردين في دارفور وجنوب كردفان، غير أنها لن تمانع بقوة عملية ترشح البشير مرة أخرى ولن تقف ضدها، بعد أن أثبت استعداده للتجاوب مع متطلباتها من خلال جهده في اتفاق السلام بجنوب السودان مؤخرا.
وأوضح في تصريحات لـ“العرب”، أن الولايات المتحدة تستغل التقارير الحقوقية ومواقف الكونغرس السلبية في الضغط على الكثير من الدول، وبينها السودان، بذريعة الالتزام بالديمقراطية، غير أن مسألة فرضها عقوبات عليها من عدمه ترتبط بالمصالح المشتركة بين البلدين، وهو ما ظهر واضحا بفرضها عقوبات على بوروندي مثلا، في مقابل التغاضي عن اتخاذ القرار ذاته تجاه رواندا، مع أن القيادة السياسية في البلدين أقدمت على خطوة تعديل الدستور.
وأشار إلى أن هناك جملة من الأهداف التي تسعى الولايات المتحدة لتحقيقها من خلال البشير مستقبلا، على رأسها استمرار دعمه لتقاسم السلطة في دولة جنوب السودان بما يساعد على استقرار الأوضاع الأمنية، بجانب التنسيق الأمني لضبط الحدود بين السودان وليبيا والنيجر وتشاد وهي منطقة قد تشهد حضورا أميركيا بشكل أكبر في السنوات المقبلة.
ومن جهتها ذكرت هبة البشبيشي الخبيرة في الشؤون السودانية بمعهد البحوث والدراسات الأفريقية، أن الوضع السياسي الراهن في السودان يخلو من وجود قيادات سياسية قادرة على ملء فراغ البشير، والرغبة في استقرار أوضاع القرن الأفريقي بصفة عامة، من العوامل التي تجعل إدارة الرئيس ترامب أكثر مرونة في التعامل مع مسألة تعديل الدستور وإعادة ترشح البشير.
محللون يستبعدون نجاح المعارضة السودانية في التصدي لخطة تعديل الدستور بما يسمح للرئيس عمر البشير الترشح لولاية رئاسية جديدة
وأضافت لـ“العرب” أن الكونغرس سيصّعد من موقفه الرافض لإعادة ترشح البشير، بينما ستحاول إدارة ترامب معالجة أو تخفيف تلك الضغوط بالحصول على ضمانات أكبر بشأن مواجهة العناصر الإرهابية في المنطقة وضمان السلام في دارفور وجنوب السودان.
وأكدت أن إدارة ترامب ترى أن البشير أحدث اختراقا في ملفات عديدة، أهمها تقليل التوتر في دارفور، وطرد العديد من العناصر المسلحة وقيادات جماعة الإخوان، وتوفيق الأوضاع بين الحكومة والحزب الحاكم والجيش والمخابرات، وفرملة الصدامات مع المعارضة، ما يصب في اتجاه دعم الرئيس السوداني حتى وإن أبدت واشنطن معارضة ظاهرية لخطوة تعديل الدستور.
وكان البشير قد استعد جيدا لتمرير قرار ترشيحه بعد جملة تغييرات قام بها على مدار العامين الأخيرين كان أبرزها إقصاء الوجوه الرافضة لخطوته، طالت القيادة الهرمية للمؤتمر الوطني وأيضا أجهزة الدولة (الرئاسة، المخابرات والجيش)، مستغلا الظرفية الإقليمية والدولية التي تصب في صالحه.
وندد مكي مغربي المحلل السياسي السوداني، بما تقوم به منظمة كفاية وغيرها من المؤسسات الأميركية المدنية والحكومية التي اعتبر أنها ساقت جنوب السودان والحركة الشعبية للانهيار الكامل بالتحريض على تكرار سيناريو الجنوب في دارفور، مستبعدا أن تنجر الإدارة الأميركية خلف دعواتها. وأضاف مغربي، في اتصال من الخرطوم لـ“العرب”، أن المرحلة الثانية من الحوار بين الولايات المتحدة والسودان قد يتم حسمها عقب ترشح البشير وإجراء الانتخابات، وأن ذلك ما حدث خلال العام 2015، إذ بدأت المرحلة الأولى من الحوار بين البلدين عقب الانتخابات في وقت كانت فيه الولايات المتحدة غير داعمة لتلك الانتخابات.
وانتخب البشير رئيسا في 2010، ثم أعيد انتخابه ثانية في 2015 لدورة رئاسية تنتهي في 2020، دون احتساب فترات حكمه منذ وصوله إلى السلطة في يونيو 1989 بانقلاب على رئيس الوزراء آنذاك الصادق المهدي.
العرب