فقد أعلن رئيس وزراء العراق حيدر العبادي الأربعاء الماضي في مؤتمر صحفي مع الرئيس التركي رجب طيب ردوغانبأنقرة، أن الأخيرة تعهدت بتزويد بلاده بحصتها المائية كاملة. وجاء تصريح العبادي في وقت يعاني فيه العراق من أزمة شح المياه في نهري دجلة والفرات، اللذين ينبعان من تركيا، وهو ما أثر على الزراعة العراقية والاقتصاد كله.
وأكدت مصادر عراقية أن تدفق مياه دجلة إلى العراق انخفض بنسبة 50% منذ تشغيل سد إليسو في الأول من يونيو/حزيران الماضي، وأن كمية المياه المخزنة في العراق انخفضت من ثمانية مليارات متر مكعب إلى ثلاثة مليارات.
وكانت وزارة الموارد المائية العراقية أعلنت أن واردات نهر دجلة من المياه عند الحدود التركية ستنخفض من 20.93 مليار متر مكعب سنويا إلى 9.7 مليارات متر مكعب بعد افتتاح السد، وأن ذلك سيحرم 696 ألف هكتار من الأراضي الزراعية العراقية من المياه.
مشروع عملاق
وإليسو هو أول سد يدخل الخدمة ضمن مشروع جنوب شرق الأناضول المائي المعروف باسم “غاب” (GAP)، والذي يشمل إقامة 22 سدا، بينها 14 سدا على الفرات وثمانية على دجلة، فضلا عن عشرات من محطات توليد الطاقة.
وسبق المشروع الذي وصفه وزير المياه والغابات التركي فيصل آر أوغلو بــ”رؤية تركيا”، إقامة سد أتاتورك على نهر الفرات الذي دخل الخدمة في عام 1992، في ما اقترب العمل من نهايته حاليا في سدي بيراجيك وغيرغاميش.
وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن تركيا تسير نحو أزمة في المياه العذبة بسبب النمو السكاني المتسارع من جهة، والتلوث من جهة أخرى.
وتشير الدراسات إلى أن حصة المواطن التركي من المياه تراجعت في العشرين سنة الماضية من أربعة آلاف متر مكعب إلى 1300 متر مكعب، ومن المتوقع أن تنخفض إلى 1100 متر مكعب في عام 2030، إذ يتوقع حينها أن يبلغ عدد السكان مئة مليون.
وحوض سد إليسو هو الأكبر في تركيا، ويناهز ارتفاع السد 135 مترا، وهو قادر على إنتاج 4.12 مليارات كيلوواط/ساعة من الطاقة الكهربائية سنويا في المتوسط. وبلغت تكلفة إنشاء السد 8.5 مليارات ليرة (1.4 مليار دولار)، لكنه سيوفر على البلاد 1.5 مليار ليرة (250 مليون دولار) سنويا في إنتاج الكهرباء، وسيسهم في توفير المياه لري 1.2 مليون هكتار من الأراضي.
خلاف قديم
وظلت قضية المياه محل خلاف شديد بين أنقرة وبغداد منذ سبعينيات القرن الماضي، لكن التوتر بلغ مداه عقب تشغيل سد إليسو، فقد انتشرت دعوات في العراق لمقاطعة البضائع التركية، وشنت وسائل الإعلام العراقية حملات انتقاد واسعة لأنقرة، وطالبت العبادي بقطع العلاقات معها، وسبق لرئيس الوزراء العراقي أن دعا تركيا مرارا لوقف بناء السدود على نهري دجلة والفرات.
وظلت تركيا ترى في إنشاء السدود جزءا من ممارستها لسيادتها الطبيعية على ترابها ومواردها، ووصفت وسائل الإعلام التركية الحملات العراقية بالمبالغ فيها، وبأنها تخدم أجندة سياسية.
ورفض السفير التركي ببغداد فاتح يلديز تحميل بلاده المسؤولية عن انخفاض مستويات المياه بنهر دجلة بسبب بناء سد إليسو، وقال في مؤتمر صحفي بسفارة بلاده ببغداد إن سبب انخفاض مياه دجلة هو الجفاف الذي تشهده المنطقة.
ملء الخزان
وذكرت وسائل الإعلام التركية أن أنقرة قادرة رغم صعوباتها المائية على الوفاء بتعهداتها للعراق، وأنها اتفقت مع بغداد على تقنية خاصة لملء خزان السد تسمح باستمرار تدفق المياه في مجرى النهر نحو العراق، وفي اتجاه الخزان في آن واحد.
وقالت صحيفة سوزتشو التركية إنه جرى الاتفاق على هذه الآلية -التي لم يتم توضيح تفاصيلها التقنية- أثناء زيارة وفد تقني عراقي لتركيا عام 2017، وتم التوقيع رسميا على ذلك في مايو/أيار الماضي.
وتضيف الصحيفة نفسها أن السد المخصص للخدمات الهيدروكهربائية يحتاج إلى حجز كميات مياه أقل من تلك التي تصرفها خزانات الري الزراعي، الأمر الذي يحسن فرص الحفاظ على حصة العراق المائية.
خليل مبروك
الجزيرة