بعد وصول إدارة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض يوم 20 يناير/كانون الثاني 2017، عادت الإدارة الأميركية إلى سلاح العقوبات ضد طهران، وأعلنت واشنطن في فبراير/شباط 2017 فرض عقوبات جديدة على 13 فردا و12 كيانا إيرانيا يعتقد ارتباطهم بالبرنامج الصاروخي، وبدعم ما تصفه بالأنشطة الإرهابية.وجاء ذلك بعد أن كشف وزير الدفاع الإيراني العميد حسين دهقان أن بلاده أجرت تجربة صاروخية، معتبرا أنها لا تنتهك الاتفاق النووي الموقع مع الدول الست الكبرى في 2015، ولا القرار الأممي 2231 الذي صادق على الاتفاق.وقالت وزارة الخزانة الأميركية -في بيان على موقعها بالإنترنت- إن العقوبات تتضمن تجميد مصالح وممتلكات هذه الكيانات وحظر التعامل معها على المواطنين الأميركيين، وأشارت إلى أنه بالإضافة إلى إيران يتخذ عدد من هذه الكيانات من لبنان والصين والإمارات مقرات لها.واعتبرت الوزارة أن ما وصفته بدعم إيران المستمر للإرهاب وتطوير برنامجها الصاروخي، يشكلان تهديدا للمنطقة ولحلفاء الولايات المتحدة حول العالم.وأكدت إيران من جهتها، أنها “ستتخذ إجراءات مماثلة” وستستهدف “أفرادا وشركات أميركية” تدعم مجموعات “إرهابية”.
وفي الثامن من الشهر الحالي، إعادت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب فرض العقوبات على إيران، تضاربت مواقف المسؤولين العراقيين حول الامتثال لتطبيق هذه العقوبات. والهدف منها تكثيف الضغط عليها لتغيير مواقفها السياسية وبرنامجها النووي والصاروخي، وذلك بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مايو/أيار الماضي انسحابه من اتفاق النووي المبرم في عام 2015.وتستهدف العقوبات أيضًا مشتريات إيران من الدولار الأميركي وتجارة المعادن والفحم والبرمجيات الخاصة بالصناعة وقطاع السيارات، ومستوردات الولايات المتحدة الأمريكية من المواد الغذائية والسجاد الإيراني، وهدد ترامب الشركات التي تتعامل مع إيران بأنها ستفقد السوق الأميركية.
وقد أدت إعادة فرض العقوبات الأميركية على إيران بما في ذلك العقوبات الثانوية التي قد تطال بلدانا أخرى تقوم بالتعامل معها إلى حالة من التضارب في مواقف المسؤولين العراقيين حول الامتثال لتطبيق هذه العقوبات، ففي حين أعلن رئيسُ الوزراء العراقي حيدر العبادي التزام بغداد بالعقوبات الأميركية الجديدة على إيران قائلاً :”لا نتفاعل ولا نتعاطف معها، ولكن سنلتزم بها حماية لمصالح الشعب العراقي”، وكان العبادي ألغى زيارة كانت مقررة إلى إيران الأربعاء المقبل على خلفية عدم ترحيب طهران بالزيارة بعد التزامالعراق بالعقوبات الأميركية المفروضة عليها، وقال مجتبى الحسيني -ممثل المرشد الأعلى في إيران آية الله علي خامنئيفي العراق- في بيان الأحد الماضي إن تصريحات العبادي غير المسؤولة ولا تنسجم مع الوفاء لمواقف إيران ودعمها للعراق في حربه على تنظيم الدولة.
بينما رفض وزير الخارجية إبراهيم الجعفري العقوبات الأمريكية على إيران في بيان للوزارة حيث قال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية: “العراق يرفض مبدأ الحصار على أية دولة، والذي يلحق الضرر بالدرجة الأساس على الشعوب بمختلف شرائحها الاجتماعية”، مضيفاً: “كما صرح مجتبي الحسيني ممثل علي خامنئي في العراق، إن “تصريحات رئيس الوزراء العراقي اللامسؤولة… لا تنسجم مع الوفاء للمواقف المشرفة للجمهورية الإسلامية ودماء الشهداء التي قدمت للدفاع عن العراق وتطهير أرضه من لوث داعش”.
وحتى الآن أعلنت أكثر من 40 جهة وتياراً سياسياً في العراق موقفها من العقوبات الأميركية، عدا فصائل “الحشد الشعبي”، وانضمت لها أخيراً مؤسسات دينية وحتى بحثية وأكاديمية وشركات تجارية، في استعراض بدا وكأنه سباق بين هذه الجهات على تسجيل موقف يرضي إيران، وفي الوقت نفسه هجومي على رئيس الوزراء حيدر العبادي، الذي بدا وحيداً في الساحة العراقية بموقفه المعلن في الالتزام بالعقوبات الأميركية على إيران وعدم التعامل بالدولار معها.
وفي هذا السياق، قال مسؤولون عراقيون في بغداد، إن جهات سياسية نددت بالعقوبات ضد إيران لكنها رحبت سراً بها، فهي تجدها فرصة للخلاص من الهيمنة الإيرانية على العراق، فيما تعتبرها جهات أخرى بصيص أمل لإمكانية تغيير المعادلة السياسية في البلاد بالوصول إلى عراق مدني غير طائفي تحكمه مؤسسات وقانون واحد ولا سلطة لرجال الدين أو الأحزاب الطائفية فيه.
ويرى خبراء في الشأن العراقي إن الشأن الإيراني مهم للعراقيين والسوريين واللبنانيين واليمنيين وحتى لدول خليجية أخرى”، لكنهم يشاطرون في الوقت نفسه رئيس الوزراء حيدر العبادي موقفه من أن المصلحة العراقية أولاً وأخيراً، ولا يجب المجاملة على حسابها، ويرى الالتزام بالعقوبات لمنع تضرر العراقيين”، لافتين أن أي تضييق اقتصادي أميركي على العراق سيسحق الطبقة الفقيرة بالكامل، بينما إيران لها منافذ تصدير غير العراق ولديها مقوّمات كثيرة، لكن العراق اقتصاده ريعي قائم على النفط وأي مسّ به سيكون كارثياً”.
وأشاروا أن الضغط على طهران حالياً يعني أن هناك أملاً في تخفيف سكوتها على العراق وترك الشعب العراقي يرسم مستقبله بيده لا بأيدي وكلاء دين ومشايخ تابعين لطهران. وأضافو أن “هناك ضغطاً شعبياً داخل إيران على النظام وهذا جيد بالنسبة للعراق ومستقبله، فكلنا نعرف أن إيران لن تغيّر سياستها في العراق، الذي لن يستقل ولن يعود عربياً مدنياً إلا بترك طهران له، وهذا مستحيل ما لم يكن هناك ضغط دولي عليها، والأمر نفسه في سورية ولبنان”، موضحين إلى أن جهات سياسية أعلنت عكس ما تخفي، وهذا وحده كافٍ لمعرفة مدى الهيمنة الإيرانية في البلاد.
وقالوا إن الحكومةالعراقية مطالبة في النظر بعين مصلحة شعبها في التعامل مع هذا الملف المعقّد بالنسبة لها، مبينين أن هذه العقوبات ستكون لها آثار سلبية وكارثية علىالموقف العراقي في حال رفض تطبيقها.وأوضحوا، أن من أهم العقوبات التي ستفرض على العراق، امتناع دول العالم عن شراء نفط العراق الذي يعتبر العمود الفقري للاقتصاد العراقي، مشيراً أن العراق لا يمتلك حالياً أي مصدر لرفد ميزانيته المالية غير النفط. وبينوا أن من ضمن العقوبات المترتبة، تجميد الأصول العراقية لدى الولايات المتحدة، وسُيحرم العراق من التعاملات المالية والمصرفية الدولية، كما ستلغى كافة الاتفاقات المالية مع المنظمات الدولية وبذلك لا تستطيع أي شركة استثمارية أو تجارية من دخول العراق، بخاصة أن العراق على أبواب مرحلة إعادة الإعمار.وأشاروا إلى خطورة حظر استيراد المعدات والسيارات والأسلحة، كون العراق إلى الآن يمر بظروف أمنية غير مستقرة، خصوصاً وأن التقرير الأممي قد أكد تواجد 20 ألف مقاتل من عناصر تنظيم داعش الإجرامي في العراق.
ومن جهتهم أشار محللين اقتصاديين متابعين للشأن العراقي إلى وجود بدائل كثيرة للسلع الإيرانية المستوردة، لكن الخطورة تكمن في عدم سيطرة الدولة على الفصائل الموالية لإيران.وقالوا إن السلع الإيرانية المستوردة لا تتعدى الألبان وبعض الخضار والمواد الكهربائية المنزلية، مبينين أنه توجد دول كثيرة يمكن الاعتماد عليها كبديل عن إيران، لرفد سوق الاستهلاك العراقي.
وحول خطورة عدم الالتزام بالعقوبات الأميركية، قالوا إن أعداد الفصائل الممولة والموالية لإيران كثيرة، مبينين بأن العديد منها قد هددت باستخدام السلاح لضرب المصالح الأميركية في العراق، في حال تطبيق العراق لتلك العقوبات.وتابعوا أن الحكومة العراقية قد لا تمتلك الوسائل الكافية للالتزام بالعقوبات الأميركية، وقد تطلب من الولايات المتحدة إعفاءها من تلك الالتزامات.
فما هي حدود الموقف العراقي من العقوبات الأميركية على العراق؟ وهل ستلتزم العراق بهذه العقوبات أم أن علاقتها مع إيران ستحتم عليها انتهاك هذه العقوبات؟وسط عاصفة من الانتقادات لموقف العبادي، تبارى المسؤولون العراقيون للمطالبة بالحفاظ على العلاقات التجارية مع طهران رغم العقوبات الأميركية، لرفضت الميليشيات الممولة والموالية لإيران في العراق الالتزام بالعقوبات الأميركية، فالميلشيات المسماة بـ “حركة النجباء” هددت باستخدام السلاح لضرب المصالح الأميركية في العراق، في حال تطبيق العراق لتلك العقوبات.
الحقائق على الأرض تشير إلى أن العراق سينتهك العقوبات على إيران، فواقع العلاقة العراقية-الإيرانية بعد عام 2003 جعل إيران تبدو وكأنها هي التي تصنع عملياً السياستين الداخلية والخارجية للعراق، فآلية السيطرة عبر الحلفاء أو الوكلاء أدت إلى أن يصبح العراق عمقاً استراتيجياً لإيران، ولن تسمح طهران اليوم أن تصبح العراق ساحة لأي مصدر تهديد حتى لو تعارض الالتزام بالعقوبات الأميركية مع المصلحة الوطنية العراقية، ولاننسى أن النخب السياسية في العراق منذ الانتخابات التشريعية التي جرت في 12 مايو الماضي لم تتمكن من تشكيل الحكومة بسبب الضغوط الهائلة من طهران للإتيان بالسياسيين الموالين لها. وبالتالي إذا ما نجح السياسيون العراقيون الموالين لإيران من السيطرة على الحكومة الجديدة، فإن حكام العراق سوف يتخذون بالتأكيد قرارات تدعم المصالح الإيرانية.
الحكومة العراقية، وبغض النظر عن الضغوطات الإيرانية، مطالبة بالأخذ بعين الاعتبار مصلحة الشعب العراقي في التعامل مع هذا الملف المعقد بالنسبة لها، ففي حال رفض تطبيق العقوبات الأميركية أو انتهاكها قد تفرض واشنطن عقوبات على العراق، كفرض عقوبات على شراء النفط العراقي، أو تجميد الأصول العراقية لدى الولايات المتحدة، وهو ما سيكون له آثار سلبية وكارثية على العراق، إن ملف العقوبات الأميركية على إيران يحمل في طياته تساؤلاً جوهرياً حول ولاء ووطنية المسؤولين والسياسيين العراقيين العراق أم إيران.
وحدة الدراسان العرافية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية