في الوقت الذي يشكل الجيل الخامس ثورة اقتصادية وصناعية جديدة في العالم ، لا يزال العراق يتعامل بالجيل الثالث الذي يعمل بالنصب والاحتيال على الشعب .
يترقب العالم خلال العامين المقبلين ، تقنيات الجيل الخامس ، التي تعد الحدث الأهم في العالم ، اذ تتعدى تقنياته ، خدمة المستهلك من التحويل للشبكات ، أو السرعة التي تبلغ (10-27 GB) ، أي تحسين أداء الجيل الرابع بمئات المرات ، وتحميل أفلام كاملة في ثوانٍ قليلة ، وخفض زمن الرد ، وتطوير جودة الصوت ، وغيرها من التقنيات والخدمات والوظائف ، بل والى أبعد من ذلك ، فهي تخدم القطاعات الصناعية والزراعة ، وهي تقوم بعمليات زراعية كاملة ، من فحص تربة وبذور ومتابعة النضوج والقطف ودخولها المعمل والتصنيع والتعبئة ، وصولا الى المتجر للبيع ، والصناعات والأعمال ، مما يعني إسهامها بشكل كبير في التنمية الاقتصادية للبلد المستخدم لهذا الجيل منها .
أي أنها ستفتح السرعات الكبيرة المقبلة آفاقاً واسعة أمام الزراعة ، والصناعة ، وقطاعي التجارة الإلكترونية والتجزئة ، والتعاملات الحكومية ، والطاقة ، والمرافق ، والسلامة العامة ، والرعاية الصحية ، والنقل العام ، ووسائل الإعلام والترفيه ، والسيارات ، والخدمات المالية والزراعة ، ويسهم هذا الجيل الجديد أيضا في خفض استخدام طاقة أبراج الاتصالات بنحو تسعين بالمئة ، مقارنة بشبكات الجيل الرابع الحالية .
فقد طرحت شركة اريكسون Ericsson السويدية في “معرضMobile World Congress” بمدينة برشلونة ، تقنيات الجيل الخامس , والنماذج والاختبارات المتعلقة بتقنية الجيل ، إذ كان من أبرز الأبحاث التي تم التركيز عليها في المعرض ، حيث تواجدت أكثر من ألفي شركة من كل انحاء العالم ، ويعد الجيل الخامس ، نسخة مطورة عن تقنيات الجيل الرابع ضمن نطاق التردد العالمي ، والذي يتضمن تطبيقات عدة ، من الواقع الافتراضي وإنترنت الاشياء .
ويرى خبراء أنه قد تزداد الأنشطة بسرعة مع أكثر من سبعين بالمئة من الشركات الهادفة إلى استخدام هذه التقنية ، في عمليات الإنتاج بحلول عام 2021 ، وتعد قطاعات التصنيع والطاقة والزراعة والمرافق العامة والنقل والخدمات المالية ، الأكثر استخداما لهذه التقنية بحلول عام 2020 .
ومن الأمثلة والتطبيقات التي ستنجم عن توفير السرعات العالية للاتصال ، والزمن المنخفض للاستجابة ، قدرة الجراحين على إجراء العمليات الجراحية عن بعد ، دون الحاجة لدفع مبالغ طائلة لقاء توفير اتصال ثابت وسريع ، كما هو الحال عليه الآن ، مع قدرتهم على إجرائها لأي مريض ، حتى لو كان في قرية نائية ، بالإضافة إلى قدرة الشركات التجارية على متابعة حالات شحناتها في الموانئ الذكية ، ومعرفة مكان وجودها بدقة عالية ، وبأي وقت ، بسبب ربط كل شحنة بشريحة تحديد الموقع ، وتحتوي على بيانات إضافية مهمة للشركة.
وهذا ينطبق على قطاع رعاية المواشي والدواجن ، حيث سيستطيع أصحاب المزارع الحيوانية تتبع أماكن وجود القطيع بدقة ، وتحديد الأوقات المناسبة لحلب الأبقار ، وجمع البيض وأوقات التغذية وغيرها ، لينضم الريف إلى قائمة الأماكن الذكية في البلدان المختلفة ، عوضاً عن حصرها بالمدن .
وبالنسبة لقطاع الصناعة ، مثلا السيارات ، فستوفر تقنية اتصال السيارات بكل شيء من حولها عبر شبكات الجيل الخامس ، قدرة أفضل على فهم المركبة لما يدور حولها ، وذلك بسبب السرعات العالية لنقل البيانات ، وخفض زمن الاستجابة ، الأمر الذي سيؤدي إلى خفض عدد الحوادث المرورية بشكل كبير ، وتطوير تجربة القيادة الذاتية والمستقلة بالكامل.
ويمكن للمركبات مثلاً التعاون لتفادي حوادث التصادم ، حيث قد تؤدي التصرفات الفردية للمركبة بهدف تجنب الاصطدامات إلى ظروف قيادة خطرة للمركبات الأخرى ، ولكن إن استطاعت هذه المركبة التحدث مع المركبات المحيطة بها ، وإخبارها بما ستفعله ، فلن تتفاجأ تلك المركبات بالحركة السريعة للمركبة ، لتقوم جميع المركبات بتنسيق تصرفاتها لتجنب الاصطدامات المشتركة.
في الوقت ذاته تتسابق الشركات التقنية لتقديم أحدث منتجاتها لتدعم الجيل الجديد من الإنترنت عبر الاتصالات المحمولة ، حيث بدأت الشركات المطورة لمعالجات وأجهزة الاتصال المخصصة للهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر مثل إنتل وكوالكوم بالتعاون مع الشركات المصنعة للحواسب المحمولة لدعم اتصالات الجيل الخامس فيها بدءا من العام المقبل.
حيث تخطط شركات كبرى مثل ديل ولينوفو وHP وحتى مايكروسوفت ، لإطلاق أجهزتها التي يمكنها تقديم سرعات اتصال عالية للغاية لتشغيل البث المباشر للفيديو وحتى جودة 4K.
ويذكر أن “إنتل” الشركة المطورة لمعالجات وأجهزة الاتصال المخصصة للهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر ، انها كشفت أخيرا عن شريحة الموديم X50 القادرة على الاتصال بشبكات الجيل الخامس ، وستستخدمها شركات مثل سوني وأسوس وإل جي في هواتفها بدءا من العام المقبل.
وللمقارنة بشبكة الجيل الرابع ذات التطوير طويل الأمد 4G LTE، فإن شبكة الجيل الخامس سوف توفر حجم سرعات مضاعفة بمقدار 100 مرة عن شبكة الجيل الرابع ، وأجهزة أكثر بمقدار 100 مرة ، إلى جانب تقليل وقت الاستجابة بمعدل عشر مرات ، وتوفير معدل أحجام بيانات أعلى بمقدار 1000 مرة عن تقنية الجيل الرابع ، ما يمكن المشغلين من استخدام تقنية النفاذ اللاسلكي الثابت FWA، والنطاق العريض المتنقل والواقع الافتراضي/المعزز ، وتطبيقات إنترنت الأشياء ، والعديد من التطبيقات الأخرى ، وفي المقابل ، فإنه سيتم توليد كمية هائلة من حركة وتدفق البيانات التي تحتاج إلى تخزينها والوصول إليها ونقلها عبر الشبكة.
كما توقعت شركة سيينا أن أداء تقنية شبكة الجيل الخامس ستوفر مكاسب مجزية ونتائج غير مسبوقة ، مثل توفير أحجام بيانات مضاعفة بمقدار 1000 مرة عن شبكة الجيل الرابع ، وتقليل معدل وقت الاستجابة عشرة أضعاف ، الأمر الذي يستدعي المشغلين لإعداد شبكتهم السلكية المتكاملة الآن ، كما تسهم حلول شبكة الجيل الخامس المبتكرة المقدمة من الشركة في تعزيز حجم الشبكات وتطوير الأتمتة ، الأمر الذي يدعم المشغلين لتعزيز تجارب المستخدمين النهائيين والدخول في عصر جديد من الاتصالات المتنقلة.
وسوف تتعايش شبكات الجيل الرابع وشبكات الجيل الخامس معا في المستقبل المنظور ، ويتقاسما البنية التحتية للشبكة السلكية نفسها ، بين مواقع الخلية ، كذلك من وإلى مراكز البيانات ، حيث تتم استضافة المحتوى الذي تم الوصول إليه.
وبما أن حركة الاتصالات المتنقلة ذات النطاق العريض ، وتكنولوجيا إنترنت الأشياء ، لا تزالان تنموان بشكل مطرد على هذه الشبكات ، فإن وقت الاستجابة والإنتاجية والموثوقية ومتطلبات الأمن ستكون صعبة للغاية ، ما يتطلب أكثر من مجرد ترقية أو توسيع شبكة بسيطة.
ومن المتوقع أنه بنهاية عام 2020م سيكون هناك 550 مليون اشتراك في شبكات الجيل الخامس ، وستكون منطقة آسيا ثاني أسرع المناطق نموا في العالم ، من حيث اشتراكات الجيل الخامس ، حيث ستكون 10 بالمئة من إجماليها اشتراكات في شبكات الجيل الخامس في 2020م ، وستسجل منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا انتقالا كبيرا من منطقة ذات أغلبية لشبكات الجيل الثالث فقط ، من حيث الاشتراكات ، لتصبح 80 بالمئة من جميع الاشتراكات في شبكة الجيل الرابع ، فاليوم هناك 90 بالمئة من اشتراكات الهواتف الذكية تقريبا ، هي اشتراكات في شبكات الجيل الثالث والرابع ، ومن المتوقع أن تتوافر شبكات الجيل الخامس الموحدة في عام 2020م، والتي من شأنها أن تسرع عجلة التحول الرقمي في عديد من القطاعات ، ما يفسح المجال أمام حالات استخدام جديدة في مجالات مثل إنترنت الأشياء ، والأتمتة ، والنقل ، والبيانات الكبيرة.
الثمار الاقتصادية لشبكات الجيل الخامس :
تتوقع شركة «إريكسون» أن تصل العائدات من هذه التقنية الى (101) مليار دولار أميركي بحلول عام 2026، أما خدمات الفيديو المطورة ، فستبلغ عائداتها (96) مليار دولار أميركي في العام نفسه ، كما أكدت الشركة أن معداتها مجهزة لتوفير شبكات اتصال في القطارات السريعة داخل وبين المدن ، التي تفوق سرعاتها 300 كيلومتر في الساعة ، الأمر الذي عادة ما يشكل عقبة للشبكات العادية التي تنقل اتصال الجوال من خلية (أو برج) اتصال إلى أخرى في أثناء التنقل.
ويرى خبراء انع في عام 2035 ستقطف الثمار الاقتصادية الكاملة للجيل الخامس في العالم ، كونها ستشمل مجموعة واسعة من القطاعات ، لتنتج ما يصل قيمته إلى (12.3) تريليون من السلع والخدمات المرتكزة إلى الجيل الخامس ، أما سلسلة مبيعات الجيل الخامس ذاتها فستولد ما يصل إلى (3.5) تريليون دولار من الإيرادات في العام نفسه ، وتوفر ما يصل إلى (22) مليون فرصة عمل.
سيدخل الجيل الخامس الاتصالات النقالة في العالم الحصري لتقنيات الأغراض العامة ، مثل الطاقة الكهربائية والسيارات ، وهو ما يوفر الأساس لابتكارات واسعة ، ويؤدي إلى بروز صناعات جديدة ، ويفيد في تعزيز الاقتصاد كاملا ، وسيحدث هذا عندما يطور الجيل الخامس الاتصالات النقالة من مجموعة من التقنيات التي تصل الناس ببعضهم ، وبالمعلومات إلى نسيج موحد يربط الناس بكل شيء.
وبمرور الوقت ، سيعزز الجيل الخامس نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي الحقيقي بقيمة ثلاثة تريليونات دولار تراكمي من عام 2020م إلى عام 2035م ، ويعادل هذا تقريبا إضافة اقتصاد إلى العالم بحجم اقتصاد الهند بالدولار اليوم ، بحسب شركة الأبحاث “بي إس بي”.
اين العراق من الجيل الخامس ؟!
لازال العراق بسب الفساد ، متخلف في مجال الاتصالات ، ولازال في الجيل الثالث الذي لا يعمل بكفاءة ، العراق بعيد كل البعد عن التطورات التكنولوجية التي يشهدها العالم والدول المتقدمة وحتى النامية منها ، بسبب الفساد الذي ينخر بمفاصل الدولة العراقية ، ومنها الاتصالات ، والقائمين على هذا القطاع ، ومعظم الشركات المسيطرة على قطاع الانترنت بالعراق ، وما تزال في وضع مضاربات واتفاقات مع المتنفذين من الحكومة ، لسرقة وهدر أموال العراقيين .
إذ انتشر مصطلح في الشارع العراقي (56) ، وهذا الرقم كما نقلت بعض المصادر ، مشتق من المادة (456) من قانون العقوبات العراقي الخاص بقضايا النصب والاحتيال ، بسبب ضعف القوانين الرادعة ، وتفشي الفساد ، وسيطرة بعض الاحزاب والشخصيات المتنفذة ، التي سعت الى استغلال المنصب العام لتحقيق مصالح خاصة ، وهو ما أثر سلبا على حياة المواطن العراقي الذي أصبح يعاني من قلة الخدمات المقدمة بكافة اشكالها.
ان الخدمات المقدمة من قبل شركات الاتصالات للهاتف المحمول ، رديئة بشكل كبير ، بالمقابل تجني إيرادات كبيرة تقدر بمليارات الدولارات كل عام ، خصوصا وانها قد عمدت وفي ظل حالة التقشف التي يعيشها العراق الى رفع أسعار خدماتها شبه المعدومة.
خبراء اقتصاديون وقانونيون ، يؤكدون ان الشركات تعمل بحرية ودون خوف بسبب انعدام المنافسة بين الشركات لاحتكارها لقطاع الاتصالات ، وفق العقد الاحتكاري الذي وقعته هذه الشركات مع الحكومة العراقية عام 2007 ، وسيظل نافذا حتى عام 2022، غياب الرقابة الفاعلة والقانون الحازم على عمل تلك الشركات ، وعجز الحكومة عن ضمان حق المستهلك العراقي ، وعدم وجود شركة وطنية للاتصالات يمكنها ان تنافس شركات الاتصالات من خلال تقديم أسعار أقل وخدمات أفضل ، إضافة الى توقف خدمة الهاتف الأرضي منذ عام 2003.
الشارع العراقي غاضب من خدمات شركات الاتصالات السيئة ، إذ يعبر العراقيون عن استيائهم وغضبهم الشديد من سوء خدمات الاتصالات ، وسرقة الرصيد ، وكثرة الرسائل الوهمية التي تغري المواطنين بالفوز بجوائز ثمينة تصل الى مبالغ خيالية ، ونهب جيوب المواطن .
لماذا السكوت من قبل الدولة ؟! أين حماية المواطن من القرصنة والسرقات وأمام عيونهم ، مطالبين في الوقت ذاته الجهات الرسمية بمعاقبة تلك الشركات ، وإلزامها باحترام تعهداتها ، ودفع مستحقاتها المتراكمة ، وإجبارها على العمل في العراق وفق قانون الاشتراك الشهري المعمول فيه في العديد من الدول ، حتى الموظف العراقي الذي يعمل لدى تلك الشركات ، تدفع له الحد الأدنى من الأجور مع ساعات عمل طويلة ، هذه الشركات التي لا تقل عن كونها ورمٌ خبيث ومستأصل ينخر في جسد العراق .
شذى خليل
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية