على رغم الفارق الضخم في الأحجام والتأثير، يمكن القول، بقليل من المجازفة، إنّ فلاديمير بوتين تتلمذ على حافظ الأسد. ما طبّقه الثاني إقليميّاً يطبّقه الأوّل دوليّاً.
اليوم، «يفاوض» الرئيس الروسي كلاً من رجب طيّب أردوغان وآية الله خامنئي. الاثنان في الحضيض اقتصاديّاً. وضعهما الدوليّ في غاية السوء، ولا يملكان سياسيّاً الأوراق التي تتيح لهما رفض ما قد يطلبه بوتين. إنّه نافذتهما الكبرى الوحيدة على العالم.
بوتين قد يطلب الكثير: قد يطلب من أردوغان غضّ النظر عن مذبحة تحصل في إدلب. الرئيس التركيّ كان ليكون مستعدّاً لغضّ النظر لولا النزوح الواسع الذي قد تطلقه مذبحة كهذه، وما قد يستجرّه النزوح على أوضاعه الداخليّة سياسيّاً واقتصاديّاً.
بوتين، على الأرجح، طلب من خامنئي أن يبتعد من الحدود السوريّة – الإسرائيليّة، وغالب الظنّ أنّ خامنئي فعل، ولو بلغة نافية مرتفعة الضجيج.
بوتين قد يبحث عن هديّة ما لأردوغان، كصواريخ إس إس الروسيّة التي تردّد أنّ موسكو ستزوّده إيّاها، وأنّها وأنقرة «ستتعاونان» على إنتاجها. وقد يترك الإيرانيّين في سوريّة، إنّما بعيداً من الحدود، متذرّعاً بعدم القدرة على إنجاز هذه المهمّة الضخمة. الهديّة لإيران قد تكون إقراراً بها كفزّاعة المنطقة ومباركة هذا الدور واستخدامه بما يلائم حاجة موسكو الى التفزيع.
في الحالات جميعاً، ليس في وسع أنقرة وطهران الاعتراض. هكذا تتجمّع الأوراق كلّها في يد سيّد الكرملين: حروب صغيرة هنا وهناك، وخطى صغيرة نحو سلام لا يكتمل هنا ولا يكتمل هناك. السيّد لافروف يقلّد، والحال هذه، ما كان يفعله، بهمّة ونشاط، السيّد خدّام. يدلي بدلوه في الصغائر والكبائر، ضامناً تحويل الصغائر إلى كبائر.
في هذه اللوحة، تتكاثر الشكاوى المقدّمة إلى الروس على حلفائهم الإيرانيّين والأتراك، فيبدي الروس انزعاجهم. كذلك، تتكاثر المخاوف من الإيرانيّين والأتراك، فيفرك الروس أيديهم معلنين العجز عن ضبطهم. التذكير بنهج حافظ الأسد يفرض نفسه، خصوصاً حين نتذكّر قاسمين مشتركين بين الرجلين ونظاميهما:
الأوّل، أنّ «العقل الاستراتيجيّ» للأسد ولد من رحم غيابين كبيرين: غياب مصر بسبب معاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل، وغياب العراق بسبب حرب الثمانينات مع إيران. و «العقل الاستراتيجيّ» لبوتين وليد الغياب الأميركيّ، منذ 2008، والمتعاظم في السنوات الأخيرة، مصحوباً بتنامي الضعف الأوروبيّ.»العقلان الاستراتيجيّان»، إذاً، يحوّلهما أيّ حضور فاعل للآخرين إلى خردة.
القاسم المشترك الثاني، أنّ ما جعل من حافظ الأسد «اللاعب» الأوّل في المنطقة هو ما يحوّل بوتين إلى «اللاعب» الأوّل في العالم. إنّه الافتقار إلى كلّ شيء ما خلا القوّة العضليّة والقدرة الفظّة على تحويل الأوطان والبلدان إلى «ساحات». القوّة الاقتصاديّة أو الثقافيّة أو التعليميّة… ليست واردة. النموذج المرشّح للتقليد ليس صالحاً لتقليد أحد.
قد يصحّ القول إنّ روسيا تطلّ على بيئات وجماعات أوسع من التي تخاطبها إيران وتركيّا «المذهبيّتان». لكنّ هذا لا يعزّي كثيراً، إذ هي تستطيع دائماً أن تقتل وتخطف وتسمّم، وتستطيع، وفقاً لتجربتها السوريّة، أن تقصف من الجوّ ما لا يستطيعه سواها.
لقد ترك لنا الأستاذ النجيب نجلاً أقلّ نجابة، لكنّه ترك تلميذاً أنجب منه بلا قياس.
على رغم الفارق الضخم في الأحجام والتأثير، يمكن القول، بقليل من المجازفة، إنّ فلاديمير بوتين تتلمذ على حافظ الأسد. ما طبّقه الثاني إقليميّاً يطبّقه الأوّل دوليّاً.
اليوم، «يفاوض» الرئيس الروسي كلاً من رجب طيّب أردوغان وآية الله خامنئي. الاثنان في الحضيض اقتصاديّاً. وضعهما الدوليّ في غاية السوء، ولا يملكان سياسيّاً الأوراق التي تتيح لهما رفض ما قد يطلبه بوتين. إنّه نافذتهما الكبرى الوحيدة على العالم.
بوتين قد يطلب الكثير: قد يطلب من أردوغان غضّ النظر عن مذبحة تحصل في إدلب. الرئيس التركيّ كان ليكون مستعدّاً لغضّ النظر لولا النزوح الواسع الذي قد تطلقه مذبحة كهذه، وما قد يستجرّه النزوح على أوضاعه الداخليّة سياسيّاً واقتصاديّاً.
بوتين، على الأرجح، طلب من خامنئي أن يبتعد من الحدود السوريّة – الإسرائيليّة، وغالب الظنّ أنّ خامنئي فعل، ولو بلغة نافية مرتفعة الضجيج.
بوتين قد يبحث عن هديّة ما لأردوغان، كصواريخ إس إس الروسيّة التي تردّد أنّ موسكو ستزوّده إيّاها، وأنّها وأنقرة «ستتعاونان» على إنتاجها. وقد يترك الإيرانيّين في سوريّة، إنّما بعيداً من الحدود، متذرّعاً بعدم القدرة على إنجاز هذه المهمّة الضخمة. الهديّة لإيران قد تكون إقراراً بها كفزّاعة المنطقة ومباركة هذا الدور واستخدامه بما يلائم حاجة موسكو الى التفزيع.
في الحالات جميعاً، ليس في وسع أنقرة وطهران الاعتراض. هكذا تتجمّع الأوراق كلّها في يد سيّد الكرملين: حروب صغيرة هنا وهناك، وخطى صغيرة نحو سلام لا يكتمل هنا ولا يكتمل هناك. السيّد لافروف يقلّد، والحال هذه، ما كان يفعله، بهمّة ونشاط، السيّد خدّام. يدلي بدلوه في الصغائر والكبائر، ضامناً تحويل الصغائر إلى كبائر.
في هذه اللوحة، تتكاثر الشكاوى المقدّمة إلى الروس على حلفائهم الإيرانيّين والأتراك، فيبدي الروس انزعاجهم. كذلك، تتكاثر المخاوف من الإيرانيّين والأتراك، فيفرك الروس أيديهم معلنين العجز عن ضبطهم. التذكير بنهج حافظ الأسد يفرض نفسه، خصوصاً حين نتذكّر قاسمين مشتركين بين الرجلين ونظاميهما:
الأوّل، أنّ «العقل الاستراتيجيّ» للأسد ولد من رحم غيابين كبيرين: غياب مصر بسبب معاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل، وغياب العراق بسبب حرب الثمانينات مع إيران. و «العقل الاستراتيجيّ» لبوتين وليد الغياب الأميركيّ، منذ 2008، والمتعاظم في السنوات الأخيرة، مصحوباً بتنامي الضعف الأوروبيّ.»العقلان الاستراتيجيّان»، إذاً، يحوّلهما أيّ حضور فاعل للآخرين إلى خردة.
القاسم المشترك الثاني، أنّ ما جعل من حافظ الأسد «اللاعب» الأوّل في المنطقة هو ما يحوّل بوتين إلى «اللاعب» الأوّل في العالم. إنّه الافتقار إلى كلّ شيء ما خلا القوّة العضليّة والقدرة الفظّة على تحويل الأوطان والبلدان إلى «ساحات». القوّة الاقتصاديّة أو الثقافيّة أو التعليميّة… ليست واردة. النموذج المرشّح للتقليد ليس صالحاً لتقليد أحد.
قد يصحّ القول إنّ روسيا تطلّ على بيئات وجماعات أوسع من التي تخاطبها إيران وتركيّا «المذهبيّتان». لكنّ هذا لا يعزّي كثيراً، إذ هي تستطيع دائماً أن تقتل وتخطف وتسمّم، وتستطيع، وفقاً لتجربتها السوريّة، أن تقصف من الجوّ ما لا يستطيعه سواها.
لقد ترك لنا الأستاذ النجيب نجلاً أقلّ نجابة، لكنّه ترك تلميذاً أنجب منه بلا قياس.