بغداد ـ وضع بندقيته جانبًا في استراحة مقاتل، بعد أن خاض معارك طاحنة ضد تنظيم داعش، على رأس قوات النخبة في الجيش العراقي خلال السنوات الثلاث بين عامي 2014 و2017.
هذا ما بدا واضحًا على القائد في جهاز مكافحة الإرهاب، الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي، حينما التقته الأناضول في العاصمة بغداد، والذي أكد أن “تلك ليست نهاية الحرب”.
الساعدي تنقّل من معركة إلى أخرى شمالي وغربي العراق، على رأس قواته التي كانت بمثابة “رأس الرمح” في الحرب ضد “داعش”.
وحظي الرجل بشعبية واسعة على الصعيدين المحلي والدولي، وهو ما دفع الصحافة الغربية إلى تسميته بـ”روميل العراق”، نسبة إلى القائد العسكري الألماني إبان الحرب العالمية الثانية “إرفين روميل”، صاحب الحنكة القيادية.
كان الزهو والفخر جليًا على ملامح الساعدي، لما حققته قوات مكافحة الإرهاب التي تدربها وتسلحها الولايات المتحدة الأمريكية، في الحرب ضد التنظيم الإرهابي، لكنه ما يزال يبدي قلقًا.
خلايا داعش.. الهاجس القديم الجديد
يعزو الساعدي قلقه إلى أنه ما تزال هناك خلايا لـ”داعش” تتواجد في مناطق محصورة بين شمالي محافظة صلاح الدين، وغربي محافظة كركوك.
إضافة إلى خلايا أخرى في منطقة سلسلة جبال حمرين (شمال)، ومحافظة ديالى، فضلًا عن المناطق الصحراوية الممتدة بين العراق وسوريا (غرب)، كما يقول.
وكان الساعدي يشير إلى منطقة بين المحافظات الثلاث، تعرف باسم “مثلث الموت”، حيث شن التنظيم هجمات مميتة في الأشهر الماضية، ضد أهداف عسكرية وأمنية، خاصة على الطريق الرئيس بين كركوك والعاصمة بغداد.
وتكرار هجمات خلايا التنظيم على طريقة أسلوبه القديم في حرب العصابات، باتت تؤرق القوات العراقية وتثير مخاوف السكان.
ولا تزال قوات مكافحة الإرهاب منتشرة بكثافة في المناطق التي جرى استعادتها من “داعش”، للتصدي لهجمات التنظيم وإحباط أية محاولة للسيطرة على أراضٍ مجددًا.
ومع انتهاء المواجهات المباشرة بين القوات العراقية ومسلحي “داعش”، تتجه قوات مكافحة الإرهاب لاستعادة المهام التي تشكلت من أجلها أساسًا.
ويقول القائد العسكري، إن “عمل الجهاز في المرحلة المقبلة سيتركز على الجانب الاستخباراتي، أي ملاحقة أهداف محددة وتوجيه ضربات بعينها”.
ويوضح أن “الجهاز صمم كاستخباراتي، وواجبه القضاء أو إلقاء القبض على الأهداف التي تمثل تهديدا للأمن الوطني العراقي”، لكن كما يقول “بعد عام 2014 اضطررنا للقيام بمهام داخل المدن نتيجة الظروف التي مرت بها البلاد والمؤسسة العسكرية”.
ويؤكد الساعدي أن خسائر الجهاز في المعارك ضد “داعش” كانت “أقل من المتوقع بكثير”، لكنه لم يعطِ أرقامًا وإحصائيات، وبرأيه يجب “تعويض من فقدهم الجهاز بمزيد من الأبطال”.
ويكشف عن وجود “خطة لجهاز مكافحة الإرهاب لاستيعاب الشباب واستقبالهم من خارج المؤسسة العسكرية، وفتح باب التطوع وفق شروط ومواصفات (لم يحددها) خاصة بالجهاز”.
ويستبعد الفريق الركن أن يتم “دمج عناصر من مؤسسات أمنية أخرى بالجهاز″، مبينا أن ذلك “غير وارد في خطط الجهاز حاليا”.
تعامل مع “مستشارين دوليين”
عن الأنباء التي تحدثت عن وجود مستشارين إيرانيين على أرض المعارك ضد “داعش” في العراق، ينفى الساعدي اعتماد جهاز مكافحة الإرهاب عليهم.
ويوضح: “في الجهاز، كان لدينا مستشارون من قوات التحالف (بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية) يؤمنون لنا الإسناد الجوي والمعلومات والدعم اللوجستي، لكن لا يوجد أي مقاتل غير عراقي ممن قاتلوا على الأرض”.
ويذكر الساعدي أن أهم الأهداف التي حققها جهازه خلال معاركه ضد التنظيم، هو “إعادة ثقة المواطن بالأجهزة الأمنية الحكومية”.
ويوضح في هذا السياق، “أهالي المناطق التي تقع تحت سيطرة التنظيم – وخصوصًا في مدينة الموصل – كانوا خائفين وحذرين من التعامل مع الأجهزة الأمنية العراقية، بسبب تراكمات وتركات سابقة حدثت خلال سنوات مضت قبل دخول داعش”.
ويضيف: “بعد تعامل الأجهزة الأمنية، لاسيما عناصر الجهاز، مع الأهالي بشكل إيجابي وإنساني، سرعان ما عادت ثقتهم بهذه الأجهزة وبادلوهم التعاون وتقديم المعلومات. والآن العلاقة ممتازة”.
وبشكل أدق يوضح الساعدي: “تقريبا منذ عام 2004 وحتى عام 2014 لم يكن هناك عسكري أو عنصر أمن يتجول في تلك المناطق بلا سلاحه، لكن الآن أي عسكري بات يشعر بترحيب الأهالي ومساعدتهم”.
ومنذ فترة قصيرة، يصعّد التنظيم الإرهابي هجماته الخاطفة، التي تستهدف في الغالب قوات الأمن، خلال الأشهر القليلة الماضية، خاصة في مناطق شمالي البلاد.
وبعد 3 سنوات، وبدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، أعلن العراق، في ديسمبر الماضي، استعادة كامل أراضيه من قبضة “داعش”، الذي كان يسيطر على ثلث مساحة البلاد.
ولا يزال التنظيم يحتفظ بخلايا نائمة متوزعة في أرجاء البلاد، وبدأ يعود تدريجيًا لأسلوبه القديم في شن هجمات خاطفة على طريقة “حرب العصابات” التي كان يتبعها قبل 2014.
العرب