بغداد – يتخوّف مسؤولون عراقيون من أن تتسع دائرة الاحتجاجات التي يقوم بها خريجو الجامعات في محافظة ذي قار المطالبين بالتشغيل إلى محافظات أخرى، وتكون شرارة لموجة جديدة من الاحتجاجات الاجتماعية في البلاد، خاصة في ضوء عجز الطبقة السياسية عن تشكيل الحكومة.
وينظر خريجو الجامعات والمعاهد العراقية إلى مفاوضات تشكيل الحكومة، التي تنشغل وسائل الإعلام حاليا بتغطية تطوّراتها، بوصفها مخرجا محتملا لأزمة البطالة التي يعانون منها، فكل حكومة جديدة، يمكن أن تحمل معها فرص توظيف جديدة.
وتظاهر المئات من خريجي الجامعات والمعاهد في محافظة ذي قار، جنوب العراق، الأربعاء، لمطالبة الحكومة المحلية بالإيفاء بتعهداتها المتعلقة بفتح باب التعيين لوظائف حكومية.
ومطلع الشهر الجاري، أعلنت حكومة ذي قار المحلية توفّر 5500 درجة وظيفية حكومية لخريجي الجامعات والمعاهد، فيما قررت في الـ18 من الشهر نفسه، إرجاء فتح باب التعيينات لـ”تعمل على ضمان المنافسة العادلة”.
واحتشد المئات أمام مبنى المحافظة وسط مدينة الناصرية، مركز ذي قار، ورددوا شعارات تطالب المحافظ يحيى الناصري، بالإيفاء بتعهداته وإطلاق الدرجات الوظيفية الجديدة.
ويتخرّج من الكليات والمعاهد العراقية الآلاف من الشبان سنويا، من دون أن تضع في اعتبارها خارطة لاستيعابهم في سوق العمل، ما يفاقم أزمة البطالة التي تعاني منها البلاد في الأساس.
ومع العجز شبه التام في القطاع الخاص عن استيعاب الحدّ الأدنى من العاطلين عن العمل، تحولت المؤسسات الحكومية إلى وجهة وحيدة للمتخرجين.
ولا توفر المؤسسات المعنية في العراق أرقاما دقيقة عن أعداد الطلبة الذين يتخرجون سنويا من الجامعات والمعاهد، لكن بعض المؤشرات تنبئ بخطورة الأمر.
وعلى سبيل المثال، تقول وزارة العمل والشؤون الاجتماعية إنها تسلمت نحو 150 ألف طلب توظيف، من خريجين يحملون شهادات البكالوريوس والدبلوم، يريدون الحصول على فرص عمل، ملمّحة إلى استحالة استيعاب هذا العدد في مؤسسات الدولة حاليا.
ويستعرض طلبة متخرجون حديثا، على حساباتهم الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي، ذكريات مصورة عن أيام دراستهم الجامعية، ويتحدثون عن “ضياع سنوات الدراسة هباء”، إذ أن “البطالة هي المصير المحتوم”، للخريجين.
وما لم يكن لدى المتخرج، من حملة البكالوريوس أو الدبلوم، “واسطة” في أي من مؤسسات الدولة، فلن تفيده شهادته في شيء.
وخلال أعوام التقشف الاقتصادي في العراق، بين 2014 و2017، اتبعت الحكومة سياسة مشددة في التوظيف، بسبب الانتقادات الحادة التي توجهها المؤسسات الاقتصادية الدولية للترهل الوظيفي الكبير في الجهاز التنفيذي العراقي.
ويقول خريجون إنهم اضطروا لدفع 10 آلاف دولار أحيانا، للحصول على وظيفة “معلم”، لا يزيد مرتبها الشهري عن 400 دولار أميركي.
ويقول آخرون إن موظفين بارزين في الدولة فشلوا في الحصول على وظائف لأقاربهم، عندما شحت الوظائف بدءا من 2014، وباتت “الوساطة” تتطلب تدخل وزير فما فوق.
وترفض وزارة التعليم العالي الإصغاء إلى تحذيرات عديدة يطلقها ساسة ونشطاء، من مخاطر تكديس الخريجين دون توفير فرص عمل لهم.
ويقول النائب السابق زاهر العبادي إن “زيادة أعداد الخريجين وارتفاع نسبة البطالة يهددان الأمن في العراق”.
ويضيف أن “العراق يحتوي على عدد كبير جدا من الخريجين، حيث يتخرج كل عام الآلاف منهم من مختلف الاختصاصات، دون وجود مكان لاستيعابهم وبالتالي ارتفاع نسبة البطالة في العراق”، داعيا الحكومة إلى “إيجاد مشاريع استثمارية ضخمة لاستيعاب الخريجين”.
ويقول إن “ارتفاع نسبة البطالة يهدد استقرار الوضع الأمني والاجتماعي في العراق”، محذرا من “استغلال الجماعات الإرهابية للعاطلين عن العمل في تنفيذ مخططاتها الإجرامية في البلاد”.
ولم يعد مستغربا أن تصادف في بغداد عاملا في فرن للخبز يحمل شهادة في الهندسة المدنية من إحدى الجامعات العراقية.
وفي حفل لتخرج طلبة كلية العلوم، بجامعة الأنبار غرب العراق، التقط المحتفلون بتخرجهم صورا بأزياء مهن كالحدادة والنجارة والحلاقة. وعلق عدد منهم بأن هذه هي المهن التي تنتظرهم برغم الشهادات العملية التي يحملونها.
ويقول نشطاء إن خريجي الجامعات والمعاهد شكلوا العماد الرئيسي لحركة الاحتجاج التي انطلقت مطلع الصيف في جنوب العراق، وامتدت إلى مناطق واسعة بينها العاصمة بغداد.
ولاحظ النشطاء الاستعداد العالي للعنف، الذي عبر عنه الكثير من المحتجين، الذين يحمل العديد منهم شهادات في تخصصات مختلفة. وتورط الكثير من هؤلاء في أعمال عنف ضد مؤسسات حزبية وحكومية.
ويقول مراقبون إن هؤلاء الشبان يعبرون عن يأس كبير بشأن المستقبل.
ويحذر مراقبون من أن استمرار الضبابية حول مستقبل الآلاف من الخريجين في العراق، ربما يدفعهم إلى أساليب احتجاج أشد عنفا.
العرب