انتخابات مَضت ومباحثاتٌ تَلَتْ والظلامُ قد خيّمَ على المشاوراتٍ بين الأطرافِ السياسية في العراق، بِالأمسِ وعِند تشكلِ الحكوماتِ السابقةِ كانوا في أربيلَ واليومَ أيضاً، وعودٌ بالشراكة الوطنيةِ وتطبيقِ الدستور، لكن هذه الوعودُ وأنا على يقينٍ بِأنها كسابقاتها من الوعودِ لا تُسمِنُ ولا تُغني من جوع، كشقيقاتِها من الوعودِ التي أطلقها ذات الأطراف في الدعاية الانتخابية، كُتلٌ تتسابَقُ فيما بينها لتشكيل حكومةٍ مبنيةٍ على المحاصصةِ منذُ بداياتِها، كُتلتانِ شيعيتان يتسابقون على إقناعِ الكتلِ السنيةِ والكُرديةِ للانضمام لهم لتشكيل حكومة عراقية.
العراق وكما يُقالُ عنه حاضنةُ الحضارات البشرية يعاني شعبهُ اليوم من عدم وجود خدمات بسيطة مثل المياه الصالحة للشرب والكهرباء وعملٌ يحصلون من خلاله على لقمةِ العيش، حيتانُ الفساد قد سيطروا على الحُكمِ في بغداد لِدرجةِ أن محاربة الفساد والفاسدين أصبح شعاراً تنتفعُ به الأحزاب السياسية في الدعاية الانتخابية وغطاء يستَتِرُ به الفاسدون كما هو الحال بالنسبة للدين الذي تستَتِرُ به بعضُ الأحزاب السياسية في العراق، فالفاسدُ إما هاربٌ إلى خارج البلاد وجيوبه تفيضُ بالمال أو إنه خارج السجن بعد أن يُعفى عنه ويخرج من السجن بريئاً، فعلاً إنهم أبرع مجموعة لصوص كما وصفهم الرئيسُ الأمريكي دونالد ترامب.
رُغمَ مرورِ شهورٍ على إجراءِ الانتخابات البرلمانية في العراق إلا أن الأطراف السياسية لم تتوصل إلى الآن لاتفاقٍ معيّن على تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، يأتي هذا في الوقت الذي يعيشُ فيه العراقيون حياةً مريرة بسبب عدم وجود أبسط الخدمات، ففي البصرة تعرض الآلاف من المواطنين للتسمم بسبب تلوث مياه الشُرب وعدم وجود الكهرباء مع درجات حرارة مرتفعة جداً، لكن الحكومة العراقية لم تُحرك ساكناً بل على العكسِ تماماً استخدمت القوة ضد الشعب الذي خرج بمظاهرات واسعة وشاملة للمطالبة بحقوقهم، الميليشيات أيضاً كانت لهم حصة في ردع وقمع هذه المظاهرات بقوة السلاح، ولا زال الساسةُ يتشاورون ويتباحثون حول تشكيل الحكومة العراقية الجديدة وكيفية المحاصصة حسب مصلحة كل حزب.
الانتخابات البرلمانية التي جرت في العراق قبل شهور هي من أسوأ الانتخابات في تاريخ الدولة العراقية بسبب ما جرى فيها من تزوير وعدم المشاركة الفاعلة فيها من قبلِ الشعب
المعروفُ في العراق أن أي حكومة يتم تشكيلها يجب أن تحظى بمباركة أمريكا وإيران فكما هو معروف أن إيران هي الحاكمُ الفعلي في العراق وأمريكا تريدُ حكومة تدافعُ من خلالها عن مصالحها الاقتصادية والعسكرية وغيرها. أغلب الأحزاب المتنفذة في العراق لديها ميليشيات مُسلحة ومدججة بأسلحة متطورة على حساب الميزانية العراقية، هذه الأحزاب خاضت صراعات شديدة فيما بينها في السنوات الماضية، هذه الأحزاب وميليشياتها لم تتواجه إلا في حربٍ غير مُعلنة وصامتة من خلال الاغتيالات والسيارات المفخخة، هنا يكون المواطنُ العراقيُ هو الضحية لهذه الصراعات التي تجري بين الأحزاب في العراق.
إن الانتخابات البرلمانية التي جرت في العراق قبل شهور هي من أسوأ الانتخابات في تاريخ الدولة العراقية بسبب ما جرى فيها من تزوير وعدم المشاركة الفاعلة فيها من قبلِ الشعب لذلك كانت هناك دعواتٌ بإلغاء نتائج الانتخابات، لكن إلغاء نتائج هذه الانتخابات كان سيأخذ العراق إلى نفقٍ مُظلِم وصراعات داخلية كما لمح لها عدد من الساسة العراقيين مثل رئيس الوزراء السابق نوري المالكي. الوضع المعيشي والسياسي في العراق نستطيعُ أن نصفهُ بالمأساوي، على مدى السنين الماضية عانى الشعبُ من قضية الطائفية وراح ضحيتها الآلاف من المدنيين لدرجة أنه وصفه البعض بأن العراق أصبح له نهرٌ ثالث مرادف لدجلة والفرات تجري فيه دماء الضحايا العراقيين من المدنيين، وتسرحُ الأحزاب وعصاباتها بهيمنتها على مجتمع وثروات العراق، حقوق الشعب المسروقة من قبل هؤلاء الذين يمارسون سياسة الإرهاب عِبر ميليشياتها، فهذه العصابات كانت وراء أغلب التفجيرات والاغتيالات فلا يهمهم شيء إلا مصالحهم وتحقيق أهداف سياسية معينة لصالح دول معينة.
أما بالنسبة للكُرد فقد عانوا من الحكومات العراقية بسبب الوعود الكاذبة التي قدمتها عند تشكيل الحكومات السابقة وخرق الدستور العراق وقطع ميزانية الإقليم من قبل بغداد وعدم دعم قوات البيشمرگة في حربهم ضد تنظيم الدولة الإسلامية، كما في السنوات الماضية الأحزاب العراقية يُدركون أنه لا حل آخر أمامهم سوى التوجه إلى أربيل وإقناع الكُرد في الانضمام إليهم لتشكيل الكتلة الأكبر في البرلمان وذلك من خلال تقديم وعود وعهود ومواثيق للكُرد وما إن وصلوا إلى الحكم نقضوا كل هذه العهود والمواثيق، فالكُرد ليست لديهم أيةُ خطوط حمراء على أحد وسينضمون للكتلة التي تلبي مطالب شعب كُردستان كما ذكره المسؤولون الكُرد في أكثر من مناسبة، هنا أصبح الكُرد هم الحل مرةً أخرى كما في كل مرة لتشكيل الحكومة العراقية. نأمل أن تكون مباحثات الأحزاب الكُردية بنّائة وأن يُطالبوا بضمانات ومواثيق دولية تضمن من خلالها حقوق ومطالب شعب كُردستان، لا سيما أن حكومات بغداد بعد 2003 اتسمت بنقض العهود ومبدأ الشراكة الوطنية الذي يتفقُ به مع الأطراف الكُردية عند تشكيل كلِ حكومة جديدة في العراق.
الجزيرة نت