بغداد – تبدو الولايات المتحدة هي الأقرب، حتى ساعة إعداد هذا التقرير، لتحقيق غايتها في العراق، عبر إعادة ترشيح رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لولاية ثانية في منصبه، خلافا للرغبة الإيرانية. وفيما بدا أن الضغوط الإيرانية على مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري والداعم الرئيسي للعبادي، توشك أن تؤتي أكلها، أعلن تيار الحكمة الذي يقوده عمار الحكيم، اكتمال تشكيل “نواة الكتلة البرلمانية الأكبر”، التي تمتلك حق تكليف رئيس الحكومة.
وكشف وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أن المبعوث الخاص للرئيس دونالد ترامب في العراق بريت ماكغورك “يقوم بعمل عظيم على الأرض”، مؤكدا أن ماكغورك “يمثلني، ويمثل الرئيس″.
وكان واضحا أن الوزير الأميركي يعلق على شكاوى أطراف عراقية أبلغت واشنطن أن “ممثل ترامب يتحدث مع الساسة العراقيين بلهجة شديدة، مطالبا إياهم بدعم العبادي”.
ومع أن مكغورك نفى أنه التقى بأي من المسؤولين العراقيين في بغداد، إلا أن وسائل إعلام حزبية تداولت أنباء عن “أجواء ليست إيجابية سادت لقاءات مبعوث ترامب بمسؤولين عراقيين من السنة والأكراد”، أبرزهم زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني.
وقال محلل سياسي عراقي، طلب عدم ذكر اسمه، إنه “في هذا الوقت الضيق لن تكون هناك مفاجآت كبيرة. لقد حسمت الولايات المتحدة موقفها في اتجاه العمل على تضييق الخناق على الفريق الموالي لإيران. يأتي ذلك منسجما مع التحركات العسكرية الأميركية لتشديد المراقبة على المثلث الحدودي الفاصل بين العراق والأردن وسوريا. وهو ما يشير إلى أن الولايات المتحدة جادة في قطع الطريق الذي يصل بين إيران وأذرعها في سوريا ولبنان”.
وأضاف لـ”العرب” أن “إصرار العبادي على النأي بنفسه وحكومته المقبلة عن عصف العقوبات الأميركية المفروضة على إيران يكشف التحاقه بركب القوى الرافضة لاستمرار الهيمنة الإيرانية، وهو ما يصب في مصلحة الولايات المتحدة التي قررت كما يبدو ألا تهب إيران فرصة للتنفيس عما يمكن أن تسببه العقوبات من انهيارات اقتصادية من خلال الاتكاء على الاقتصاد العراقي”.
ويحاول ماكغورك حشد الدعم اللازم لإعادة تكليف العبادي برئاسة الحكومة، من خلال الضغط على أطراف سياسية سنية وكردية، وهو ما يغضب الجارة إيران، التي تحاول الرد بأسلوب مماثل.
ولم تعد الولايات المتحدة تتستر على رغبتها في دعم العبادي وصولا إلى الولاية الثانية، وهو ما أغضب حلفاء إيران في العراق، الذين هددوا بإسقاط أي حكومة عراقية تشكلها الولايات المتحدة.
لكن هذه التهديدات لم تؤثر على المساعي الأميركية “بل ربما سرعت من وتيرتها”، وفقا لتعبير سياسي شيعي بارز، بالتزامن مع موعد انعقاد الجلسة الأولى للبرلمان المنتخب، الاثنين.
ويقول السياسي الشيعي لـ”العرب” إن “مساعي إيران في إحباط آمال العبادي بالولاية الثانية، كادت تؤتي أكلها، عندما بدا أنها نجحت في إدخال الشك إلى موقف مقتدى الصدر، الذي يعد الحليف الأبرز لرئيس الحكومة العراقية”.
ويقول إن “زيارة قام بها الصدر مؤخرا إلى بيروت، ربما أجرى خلالها لقاءات مع قيادات في حزب الله اللبناني المدعوم من إيران”. ويضيف “على الأغلب، حاول زعيم حزب الله حسن نصرالله، شخصيا، التأثير على موقف الصدر الداعم للعبادي، وربما تأثر زعيم التيار الصدري بالأمر”.
ورفضت قيادات صدرية التعليق على هذه الأنباء، وقالت إن “الصدر ماض في دعمه لمشروع الإصلاح، من دون الإشارة إلى الدعم الصريح للعبادي”.
وقال المحلل السياسي العراقي “إذا كانت الشكوك تراود البعض في أن ينقلب الصدر على موقفه السابق، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى اضطراب المعادلة الحالية، فإن الوضع المتأجج الذي يعيشه الشارع العراقي نتيجة لاستمرار الاحتجاجات لا يسمح للصدر بالقيام بمغامرة من ذلك النوع الذي يمكن اعتباره نوعا من الانتحار السياسي الذي يصب في مصلحة خصوم الصدر الشخصيين”.
ويقول تيار الحكيم إن المساعي التي يشارك فيها الصدر والعبادي لتشكيل الكتلة الأكبر أحرزت تقدما كبيرا عبر ضمان دعم 148 نائبا في مجلس النواب الجديد، حتى قبل موعد جلسة البرلمان الأولى بساعات.
وينتمي هؤلاء النواب الداعمون إلى قائمة “سائرون” المدعومة من الصدر، و”النصر” بزعامة العبادي، و”الحكمة” بزعامة الحكيم، و”الوطنية” بزعامة إياد علاوي، و”تمدن” بزعامة فائق الشيخ علي، و”بيارق الخير” بزعامة وزير الدفاع السابق خالد العبيدي.
ولن يكون هذا العدد كافيا لعقد الجلسة وتحقيق النصاب فيها، إذ ينص القانون على أن النصاب يتطلب النصف زائدا واحدا، من أعضاء البرلمان المكون من 329 نائبا. لذلك، سيكون الدعم السني والكردي حاسما في ترجيح أي مشروع لتشكيل الكتلة الأكبر.
وتقول مصادر مطلعة إن رئيس البرلمان السابق سليم الجبوري، وهو قيادي في “المحور السني”، يحاول إقناع شركائه السنة بدعم العبادي. وتضيف المصادر أن الجبوري، الذي ترشح على قائمة علاوي خلال انتخابات مايو الماضي ولم يفز لكن قائمته حققت ستة مقاعد، بات أقرب القيادات السياسية السنية التي اختارت الوقوف إلى جانب العبادي تلبية للرغبة الأميركية.
ويطرح مراقبون شكوكا كبيرة بشأن قدرة الأطراف الفائزة على عقد الجلسة الأولى بنصاب كامل. لكن الفريق الداعم للعبادي يقول إن فشل حلفاء إيران في إعادة مفوضية الانتخابات المجمدة إلى العمل عطل فرصة التفاهم الشخصي مع النواب، ووضع قرار الانتماء إلى الكتلة الأكبر في أيدي زعماء القوائم البرلمانية، ما يعني أن محاولة إيرانية لإحداث انشقاق في قائمة العبادي أو الصدر أو الحكيم، لن تكون ذات قيمة.
وعلى العكس، يحاول الداعمون للعبادي، اجتذاب زعيم منظمة بدر هادي العامري، الذي يرأس تحالف “الفتح”، المدعوم من إيران، إلى تحالف الكتلة الأكبر، قبيل موعد الجلسة الأولى.
وتقول مصادر سياسية شيعية إن “العامري يحاول أن يكون جزءا من أي حكومة عراقية جديدة، وفي حال فشل الفتح في تشكيل الكتلة الأكبر، ربما لا يمانع في الالتحاق بالمشروع الذي تدعمه الولايات المتحدة”.
ويحاول الصدريون التفريق بين العامري وقيس الخزعلي، زعيم عصائب أهل الحق، ضمن تحالف الفتح، وبينما لا يمانعون التحالف مع الأول، فإنهم يرفضون بشكل قطعي التفاوض مع الثاني في أي حال من الأحوال.
ويواصل الساسة الأكراد عقد جلسات التفاوض مع الأطراف السياسية الشيعية والسنية بحثا عن ضمانات كافية، لتنفيذ مطالبهم.
وتقول المصادر إن المطالب الكردية تركز على إعادة قوات البيشمركة إلى مدينة كركوك الغنية بالنفط بعد طردها منها إثر إجراء استفتاء على استقلال إقليم كردستان، كما يحاول الأكراد تحسين ظروف حصتهم السنوية من الموازنة العامة، والاتفاق على ترتيبات تتيح لهم تصدير النفط المستخرج من مناطقهم بشكل مستقل عن بغداد.
وتضيف المصادر أن الأكراد يريدون أن تكون الضمانات الممنوحة لهم مسجلة بالصوت والصورة، قبل انخراطهم في دعم أي فصيل شيعي لتشكيل الحكومة.
العرب