بغداد – لم يعد أمام رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، سوى الدفع نحو حكومة طوارئ، لضمان البقاء في منصبه، بعد انتهاء ولايته الدستورية مع انتخاب برلمان جديد، في ظل تراجع حظوظ ترشيحه لتشكيل الحكومة الجديدة.
وبدا أن احتجاجات البصرة وجهت ضربة مؤثرة للنفوذ الإيراني في العراق، عندما أحرق المتظاهرون معظم رموزه في المحافظة الجنوبية الغنية بالنفط. لكن جلسة البرلمان الطارئة، التي عقدت السبت لمناقشة سبل الاستجابة لمطالب المحتجين، أظهرت حجم الأضرار السياسية التي لحقت بالعبادي ومشروعه لنيل الولاية الثانية.
وقال نواب شاركوا في الجلسة الطارئة إن “العبادي بدا وكأنه غير مكترث بأحداث البصرة، وتطوراتها”، التي تمثلت في إحراق المحتجين مقرات عدد من الأحزاب الصديقة لإيران، بل وأحرقوا القنصلية الإيرانية نفسها.
وعلى ما يبدو، فإن ضمان العبادي الدعم الأميركي لمشروع الولاية الثانية والاعتماد بشكل كلي عليه، أغضب حليفه الرئيسي مقتدى الصدر، الذي يصارع ضغوطا إيرانية هائلة لسحب تأييده المفتوح لرئيس الوزراء العراقي.
واتّحد الصدر في موقفه مع موقف الفريق الشيعي المدعوم من إيران، الذي يضم نوري المالكي وهادي العامري وقيس الخزعلي. وطالب الائتلاف المدعوم من الصدر العبادي بالاستقالة علنا، بعدما فشلت حكومته في احتواء احتجاجات البصرة التي تطفو على بحيرة من النفط، لكنها تفتقر للمياه الصالحة للشرب.
واعتبر مراقب سياسي عراقي أن الصدر قد دفع العبادي إلى أن يواجه خصومه في المعسكر الآخر الموالي تماما لإيران وحيدا. وقال في تصريح لـ”العرب”، “كما يبدو فإن الأطراف كلها قد وجدت في العبادي كبش الفداء المناسب للتضحية به“.
والتقط الائتلاف المدعوم من إيران الإشارة الصدرية سريعا، وزاد من زخمها بدفع وسائل الإعلام الموالية له إلى التركيز عليها.
وتتسرب عن الفريق القريب من رئيس الوزراء أنباء عن استعداد الولايات المتحدة لدعم حكومة طوارئ بقيادة العبادي، تعمل بصلاحيات كاملة لتلبية مطالب المحتجين.
غير أن العبادي وقد صار على ثقة من وعود الأميركان الخفية، يراهن على حكومة طوارئ لا تنهي أزمة البصرة بقدر ما تنهي أزمته، على الأقل مؤقتا.
وتكمن المشكلة المعقدة التي سيواجهها العبادي في أن أحدا لن يقف وراء لجوئه إلى إعلان الطوارئ.
وعزا المراقب العراقي ذلك إلى أن فريقه والفريق المقابل يعرفان جيدا أن لا أحد في إمكانه أن يقدم حلولا عاجلة للمشكلات التي دفعت شباب البصرة إلى الخروج إلى الشوارع احتجاجا وهم يدركون أن حكومة طوارئ ستكون بمثابة عقبة تحول دون إسقاط العبادي أو عدم التجديد له في ولاية ثانية.
ويستند فريق العبادي إلى انسداد الأفق السياسي في البلاد وعجز البرلمان عن الانعقاد للإيفاء بالاستحقاقات الدستورية التي تلي الانتخابات العامة، وهي انتخاب رئيس دائم للبرلمان، واختيار رئيس للجمهورية، يكلف بدوره مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا بتشكيل الحكومة الجديدة.
وبالرغم من الفصل الشكلي في الوضع القانوني لإشغال هذه المناصب، إذ يفرض نظام المحاصصة المتبع عرفا في العراق أن يختار المكون السني داخليا رئيس البرلمان، فيما يترك للأكراد اختيار رئيس الجمهورية، ويختص الشيعة باختيار المرشح لرئاسة الوزراء، فإنها مرتبطة ببعضها سياسيا، ويجب أن تقر بحزمة واحدة، خشية انقلاب أي طرف على الآخرين في حال ضمن الحصول على منصبه الرئاسي.
ويعجز البرلمان عن القيام بالخطوة الأولى وهي اختيار رئيس البرلمان، بسبب انقسام المكون الشيعي إلى فريقين، يحاول كل منهما تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر، للظفر بمنصب رئيس الوزراء.
وحتى قبل أيام، كان العبادي يراهن على دعم الصدر في مواجهة المحور الذي تدعمه إيران. لكن الدعوة الصدرية العلنية للعبادي بالتنحي على خلفية أحداث البصرة، تقلب الموازين السياسية في البلاد وتطيح بحظوظ العبادي.
ووفقا لمراقبين، سيكون سيناريو حكومة الطوارئ هو الخيار الوحيد أمام العبادي للبقاء في منصبه، ولو بشكل مؤقت.
لكن إمكانية تفاهم الصدر مع المحور الإيراني على رئيس وزراء جديد، قد تعطل سيناريو حكومة الطوارئ، لا سيما مع استعداد حلفاء طهران لدعم أي مرشح بديل عن العبادي في هذا التوقيت، الذي يمثل فيه رئيس الوزراء الحالي رأس الحربة الأميركية في مواجهة النفوذ الإيراني.
وتقول مصادر “العرب” في بغداد إن “الصدر قد يلجأ لاقتراح مرشحين لمنصب رئيس الوزراء، يمكن لمرجعية النجف الشيعية العليا قبولهم”.
ويعد قبول المرجع الشيعي الأعلى في العراق، علي السيستاني، حاسما بشأن المرشح لمنصب رئيس الوزراء.
وسبق للسيستاني أن أطاح بالمالكي، عندما حاول قبل أربعة أعوام شغل منصب رئيس الوزراء لولاية ثالثة، بعد ولايتين في 2006 و2010.
وفي هذا السياق، تطرح أسماء عديدة لخلافة العبادي، أبرزها محمد توفيق علاوي، وزير الاتصالات في حكومة المالكي، وعماد الخرسان، الذي شغل منصب الأمين العام لمجلس الوزراء لمدة وجيزة في مطلع عهد العبادي.
وكلا المرشحين لديهما علاقات توصف بـ”الجيدة” مع الولايات المتحدة.
وبالنسبة للمراقبين، فإن هذا النوع من المرشحين الذين يحوزون ثقة المرجعية الشيعية والولايات المتحدة الأميركية، لديه حظوظ وافرة في المنصب.
ومع ذلك، يحاول فريق العبادي استعادة ثقة الصدر، مراهنا على الأزمة العميقة التي تفصله عن النفوذ الإيراني في العراق.
ويتوقع مراقبون أن يبدي الصدر “ممانعة محدودة” لخيار حكومة الطوارئ بزعامة العبادي، في ظل المخاطر التي يتضمنها خيار السماح لإيران بالتأثير في شكل الحكومة العراقية الجديدة.
العرب