فيرى مراقبون للشأن الإيراني أن الصراع بين إيران والدول العربية ليس صراعا عسكريا وجغرافيا وأمنيا فحسب، بل إنه يطال الجانب التربوي والثقافي أيضا، في صورة صراعية نزاعية.
فقد وجد باحثون أن إيران عمدت إلى تشويه منظم في المناهج التعليمية لصورة العرب، بحيث “اختزلت الحضارة العربية من خلال الصراع المذهبي بنظرته الضيقة، مشوهة التاريخ العربي”، وفق دراسة لباحث أردني في المناهج التعليمية الإيرانية.
فتناول الخبير في الشؤون الإيرانية، الدكتور نبيل العتوم، في دراسته “صورة العرب في الكتب المدرسية الإيرانية”، حيث إنه ذكر أن المناهج الدراسية في إيران تصف الإنسان العربي بـ”الكاذب والمخادع وغير الحضاري”، وأنه “يعيش في بيئة امتازت بفقر الطبيعة”.
وتقع الدراسة في خمسة كتب تحوي أربعة آلاف صفحة.
وتنبع أهمية الدراسة من خلال ضرورة معرفة أوجه اهتمام الإيرانيين بدراسة وتحليل صورة الشخصية العربية، من خلال المناهج الدراسية، بغية التعرف بدقة على الأساليب والأدوات التي يتناولون بها العرب.
وأضاف أنه لا بد من الوقوف عن كثب لمعروفة ما يقوله الإيرانيون عن العرب، وكيف يرسمون ملامح هذه الصورة، مضيفا أن الدراسة تضمنت جميع الكتب الدراسية الإيرانية بمراحلها المختلفة (الابتدائية والإعدادية والثانوية)، وخاصة أن هذه النصوص قد خالفت مجموعة من المسلمات، أهمها الشعارات التي تطرحها الثورة الإيرانية، وهذا يوضح الفجوة بين ما تطرحه الثورة من شعارت مثل الوحدة الإسلامية، وما يتم تبنيه على أرض الواقع من سياسات تعليمية تفرق ولا تجمع، ما يعكس أن ما تطرحه الثورة الإيرانية هو مجرد شعارات”، على حد قوله.
وقال إن العداء الذي تحويه هذه الكتب الدراسية يؤثر على عمليات التنشئة لدى الإيرانيين، ما يؤثر على السلوك الإيراني، وعلى القيم والأفكار وصولا إلى الفعل السياسي في القضايا المختلفة.
وتحاول الكتب المدرسية أن تطبع في عقل الطالب الإيراني أن الشخصية العربية تتسم بعدوانية أصيلة كرست نفسها في صراع مع إيران، في صورة العدو الدائم الذي تحاول أن تبرزه.
وتحوي الكتب الدراسية الإيرانية بحسب العتوم، تشويها منظما للصورة العربية، ويظهر من خلال استقراء هذه المناهج أنها تعطي بشكل متعمد صورة سيئة للعربي، بالتركيز على صورة تشوبها العيوب والنواقص، مع الانحياز إلى جانب واحد، وهو “الفرس”، وهذا يغرز في عقلية الطالب عقيدة يصعب تغييرها مستقبلا.
وأهملت إيران في مناهجها بشكل متعمد الصورة الإيجابية التي يتمتع بها العرب، ولعل السبب يرجع إلى طريقة تأليف الكتب، فالقائمون على هذه الكتب يكرسون جهودهم في تأليف مناهج تنسجم مع شروط الثورة، والمذهب الشيعي، والقومية الفارسية، وفق العتوم.
وأوضح العتوم أن الكتب المدرسية تحوي تزويرا كبيرا للحقائق التاريخية، وما ينطوي على ذلك من إعطاء معلومات علمية مشوهة المضمون والمحتوى، وما يرافق ذلك من تعبئة نفسية ضد العرب، واحتقارهم، بدل تعليمهم قيم الحوار والمصالحة.
أثر سلبي على الطالب الإيراني
وقال الخبير في الشأن الإيراني، إن أثر هذه المناهج على إيران سلبي، في علاقتها مع العالم العربي، فهي تسعى لخلق نشء إيراني يبطن الكره والعداء للعرب.
وبيّن ضرورة تنبيه مراكز صنع القرار العربي لهذه الحقيقة، ودعا إلى ضرورة إيجاد استراتيجيات فاعلة لمواجهتها، ومطالبة إيران في حال كانت جادة في إقامة علاقات إيرانية عربية، بإعادة النظر في مناهجها.
وتابع بأن من الآثار السلبية على الطالب الإيراني أن هذه الكتب تكثر من ذكر التفاصيل السلبية بعلاقة إيران تاريخيا مع العرب، والتركيز على التاريخ العربي السلبي مقابل الإيجابي للحضارة الفارسية، فتغرس في عقل الطالب الإيراني صورة العرب بأنهم مجموعة قبائل همجية تحتكم للسيف وتئد المرأة، وأنهم لا يملكون مقومات حضارية.. ما يغرس في عقل الإيراني التفوق العرقي، وأنه نقي الدم الذي استطاع من خلال طموحه وجهوده أن يؤسس دولة أصبحت مطمعا لقوى الغزو المتمثلة بالعرب.
وكرَّست هذه المناهج حالة صراعية؛ “فما يتم تدريسه داخل جدران المدارس أثر سلبا من خلال إيجاد الفكر المسبق السلبي في ذهن ووجدان الطالب الإيراني تجاه كراهية العرب، واحتقارهم، بدلا من تعليمهم قيم الحوار، والمصالحة، والتسامح”، على حد قوله .
وأوضح أن التدرج في بناء كراهية العرب لن يؤسس لمستقبل علاقات إيرانية عربية، فتبقى العلاقات قائمة على العداء والمواجهات فقط، من خلال ما يتم غرسه في المناهج.
وأوضح أن الصورة النمطية التي رسمتها الكتب المدرسية الإيرانية للعربي تثير الطالب الإيراني، وتستهدف العقل الفاعل للطلاب، وتشعرهم بالتوتر وعدم الارتياح، من خلال صورة الثأر التاريخي التي عمقتها هذه الكتب لصورة العربي.
وقال إن صورة الأحداث التي يفسرها الطالب وفق ما تم غرسه في وجدانه على أنها تهديد أو تحدٍّ لكيانه الشخصي، تؤدي إلى الفشل في التعامل مع العربي، وكذا شعوره بالقلق والخوف، وفقدان الثقة، فيخرج الطالب الإيراني من طاحونة التربية والتعليم لا يعرف شيئا سوى أن العرب شعب متخلف، وأن مذهبهم خطأ، وثقافتهم بائسة، وفق العتوم.
وقال العتوم إن الإيرانيين يعتدّون في الكتب الدراسية التاريخية بأنهم وقفوا مع البرتغاليين والصينيين ضد العرب، عبر مراحل الدفاع عن هويتهم.
وتركز الكتب المدرسية الإيرانية على أن الفرس قدموا التضحيات للدفاع عن الإسلام الحقيقي، ولديهم قناعة بأنهم محور التغيير في العالم، بهدف إنقاذ البشرية، محرضين الطلاب بالقول إن العرب هم من يقفون ضد هذا الطموح.
مخاطر هذه المناهج على إيران
حينما تعادي إيران العرب فهي تعادي أقلية عربية داخل أراضيها، وأقلية سنية، ما يبعث روح التحدي بين القوميات في المستقبل، الأمر الذي يهدد بتفكيك المجتمع الإيراني، ويهدد بتفجير القنبلة الديموغرافية، وهو أكثر السيناريوهات المتوقعة، فهي لم تنجح بصهر الأقليات في البلاد ودمجها. وهي تشحن ضد نفسها.
وقال إن على الدبلوماسية العربية توظيف صورة التمييز العنصري والمذهبي والتعبئة العسكرية التي تمارسها إيران ضد العرب لمواجهتها.
وطرح العتوم أن إيران تحاول دائما من خلال اللعب بورقة الأقليات التدخل في العالم العربي، “فيجب مخاطبة الأقليات الشيعية التي تعيش في العالم العربي لتوضيح حجم التعصب الإيراني تجاه العرب عموما، وكشف الوجه الحقيقي لإيران، وأهدافها في المنطقة، من خلال عرض ما يتم تدريسه في الكتب المدرسية الإيرانية”.
وتابع بأنه “لا بد لصناع القرار من أن يضعوا الخطط العسكرية والتربوية لمواجهة ما يتم غرسه في عقول الإيرانيين. وتزايد الاهتمام بدراسة إيران”.
ولاحظ الباحث الأردني في هذه المناهج، تضمين مقارنات بين العرب والإيرانيين في الوظائف والمهن، بحيث تظهر الشخصيات العربية في أوضاع اجتماعية دونية (فقراء، رعاة أغنام)، على عكس الإيرانيين الذين تظهرهم فرسانا، ومحاربين أذكياء يتصفون بالحكمة، ومزارعين، وتجارا، وعلماء، ورياضيين متفوقين.
أما صورة العرب في كتب الجغرافيا الإيرانية، فقال إن مقرراتها في المراحل الدراسية الثلاث الابتدائية والإعدادية والثانوية، تحاول زرع وتجذير أطر التربية المذهبية والقومية، التي رسمها ووضعها طاقم الثورة الإيرانية من التربويين لديها.
وتبحث المناهج التعليمية الإيرانية في أطر إقليمية بديلة عن الإطار العربي، وحتى الإسلامي، فتتحدث عن إطارين محددين يمكن أن تتجه نحوهما، وهما “دول البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط، على اعتبار أنها دولة شرق أوسطية، ودائرة آسيا الوسطى والقوقاز، من خلال التركيز على تدريسها في كتب الجغرافيا المدرسية.. ليكون لها موطئ عبر هذين الإطارين، تجسيدا للمبدأ الثوري الإيراني الذي يدعو إلى الاستيلاء على الأرض وحيازتها”.
عربي 21