بغداد – توعد حلفاء الولايات المتحدة في العراق برد الصفعة لإيران عبر موقع رئاسة الوزراء، برغم الانتصار السياسي الكبير الذي أحرزته في العراق بضمان إيصال مرشحها إلى موقع رئاسة البرلمان.
واحتفل الإعلام العراقي الموالي لإيران، بفوز الشاب السني الذي ينحدر من محافظة الأنبار، محمد الحلبوسي، في انتخابات رئيس مجلس النواب العراقي، وهو أحد أهم ثلاثة مواقع رسمية في البلاد، إلى جانب رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء.
وبدا ساسة عراقيون موالون للمحور الإيراني منتشين، وهم يتحدثون عن “ظفر مرشحهم” بهذا المنصب، الذي يعد الأول في خارطة طريق لاختيار الرئاسات الثلاث، التي اقتضى عرف المحاصصة أن تتوزع بين الشيعة والسنة والأكراد.
وسارع زعيم حركة عصائب أهل الحق، قيس الخزعلي، وهو أحد أبرز رجال إيران في العراق، إلى تهنئة الحلبوسي واصفا إياه بـ”مرشحنا”، فيما اعتبر أن النتيجة تمثل انتصارا على “التدخلات الخارجية”، في إشارة إلى الولايات المتحدة.
وتفوق الحلبوسي على منافسه الأبرز، وزير الدفاع السابق خالد العبيدي، في اقتراع مباشر على منصب رئيس البرلمان.
ولم تفلح المحاولات الأميركية في تغيير البوصلة السنية أو الكردية من الحلبوسي إلى العبيدي، في إشارة واضحة إلى تفوق النفوذ الإيراني في العراق على النفوذ الأميركي.
وألمح ساسة عراقيون موالون لإيران إلى أن انتخاب الحلبوسي رئيسا للبرلمان، سيؤثر بشكل فاعل في اختيار رئيسي الجمهورية والوزراء، بعدما أثبتت الكتلة الداعمة له قدرتها على ضمان الأغلبية اللازمة داخل البرلمان.
واللافت أن الكتلة النيابية الكبيرة التي دعمت الحلبوسي في مواجهة خالد العبيدي، ضمت نوابا محسوبين على مقتدى الصدر وحيدر العبادي وعمار الحكيم، الذين يوصفون بأنهم قادة محور الممانعة لتمدد النفوذ الإيراني في العراق. لكن “التفاهم بين زعيم تحالف الفتح المقرب من إيران، هادي العامري، ومقتدى الصدر، كان حاسما في ترجيح كفة الحلبوسي، الذي دخل المنافسة بوصفه مرشح إيران لهذا المنصب”.
وقرأت أوساط المراقبين في اختيار الحلبوسي لهذا الموقع رسالة إيرانية قوية إلى الولايات المتحدة، تنبئ بما يمكن أن تفعله طهران في الملف السياسي العراقي.
وارتبكت الدبلوماسية الأميركية في التعاطي مع هذا التطور، إذ صدر بيانان عن السفارة الأميركية في بغداد، في توقيت متقارب عقب انتخاب الحلبوسي، هنأ الأول رئيس مجلس النواب الجديد، ووصف خطوة انتخابه بالمهمّة، فيما نفى الثاني أنباء متداولة عن لقاء في بغداد بين بريت مكغورك، المبعوث الخاص للرئيس الأميركي لدى التحالف الدولي، وقاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني.
وتقول مصادر سياسية مطلعة في بغداد إن “طهران بدأت فعليا استكمال مشروعها في الملف السياسي العراقي، مقترحة تولي السياسي المخضرم عادل عبدالمهدي، منصب رئيس الوزراء في الحكومة الجديدة”.
وترددت أنباء من النجف، المدينة العراقية المقدسة لدى الشيعة، عن عدم اعتراض المرجعية الشيعية العليا، ممثلة بآية الله علي السيستاني، أو مقتدى الصدر، على ترشيح عبدالمهدي لهذا المنصب.
واعتبر المحلل السياسي العراقي زكي رضا تدخل السيستاني بالشؤون السياسية للبلد في ظل انتعاش المد الديني ليس بالأمر الغريب، وقبول القوى الدينية لهذا التدخل ليس بالأمر الغريب أيضا. فالسيستاني في النهاية طوق نجاة لهم إذا تحركت الجماهير ضدهم.
لكن رضا عبّر عن استغرابه من قبول قوى قومية ووطنية بما يطرحه السيستاني من أفكار وآراء ووصايا، وعكسها في بياناتهم وصحفهم، واعتمادها كجزء من سياساتهم.
وقال “اليوم ونحن على أعتاب تشكيل الحكومة، فإن الرأي النهائي لتسمية رئيس الوزراء هو من صلاحيات السيستاني وليس حزب أو كتلة أو تيار ما. والأحزاب، وغير الشيعية منها، تنتظر القائمة النهائية للأشخاص الذين سترضى عنهم المرجعية لتبوّء منصب رئاسة الوزراء على أساس المحاصصة لنظل في نفس المربع الذي لم نغادره ولن نغادره في ظل هكذا قيادات سياسية ودينية”.
وحتى الآن، ليس واضحا ما إذا كانت واشنطن ستقبل ترشيح عبدالمهدي أو أنها قادرة فعلا على التصدي للرغبة الإيرانية بترشيحه.
ولكن الفريق السياسي العراقي الموالي للولايات المتحدة، يرى في عبدالمهدي معظم المواصفات التي تشترطها واشنطن في المرشح العراقي لمنصب رئيس الوزراء.
ويقول هذا الفريق إن “إيران سبق لها أن أقصت عبدالمهدي مرتين من سباق الترشح لرئاسة الوزراء، في حكومتي 2010 و2014، بسبب صلاته الوثيقة بالولايات المتحدة والغرب”.
لذلك يمكن أن يكون ترشيح عبدالمهدي فعليا، هو انتصار أميركي على إيران في الملف العراقي. وتقول المصادر إن “معظم الأسماء التي يجري تداولها حاليا، إلى جانب عبدالمهدي، ولكن بحظوظ أقل، تتمتع بصلات عميقة مع الولايات المتحدة والغرب”.
ويبرز من بين هذه الأسماء رئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي، وربما رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي. وعاد الفريق القريب من العبادي إلى الحديث عن أن رئيس الوزراء ما زال حاضرا في سباق الترشح للظفر بتكليف تشكيل الحكومة المقبلة.
ويقول مراقبون إن “أجواء اختيار رئيس الوزراء الجديد، ربما لن تذهب بعيدا عن الترتيبات الأميركية، ما يعني أن واشنطن بإمكانها الرد على الصفعة الإيرانية المتمثلة بإيصال الحلبوسي إلى رئاسة البرلمان، وذلك بدفع مرشح موال لها إلى منصب رئيس الوزراء، وهو أرفع موقع تنفيذي في البلاد، إذ ترتبط به المؤسسات العسكرية والمالية جميعا.
العرب