على الرغم من الرسائل التي يرسلها بعض المسؤولين في واشنطن عن رغبتها بتجديد الحوار مع طهر ان، حذرت وزارة الخارجية الأميركية النظام الإيراني من الإضرار بالمصالح الأميركية في العراق محملة إياها المسؤولية عن أي هجمات على المنشآت الأميركية.وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية هيذر نويرت: “لقد شهدنا – كما قال الوزير الأسبوع الماضي – هجمات بصورايخ الكاتيوشا على منشآتنا في البصرة، كما وقع حادث لسفارتنا في بغداد وتم قصف منشآت كردية في الشمال.”
وأضافت: “إيران تعمل على زعزعة الاستقرار في المنطقة وتستمر في الهجوم على الحكومات والأفراد من خلال الميليشيات الموالية لها… سنحملهم المسؤولية عن فقدان حياة أي أميركي… أريد أن يكون هذا واضحا تماما.”من جهة أخرى، قال المبعوث الأميركي الخاص بشأن إيران برايان هوك إن واشنطن ستشدد من عقوباتها على إيران، لمنعها من الحصول على الإيرادات التي تحتاجها لتمويل الإرهاب، واصفا إياها بـ”أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم”.واعتبر المبعوث برايان هوك في مقابلة مع “سكاي نيوز عربية”، أن نظام العقوبات الذي أعادت واشنطن فرضه على إيران قبل أشهر، ويمتد في نوفمبر المقبل إلى قطاعي النفط والمصارف، “يشجع على استقرار المنطقة”.
وأوضح: “ما وضعناه نظام عقوبات مصمم لمنع إيران من الإيرادات التي تحتاجها لتمويل الإرهاب في الخليج العربي وفي أجزاء أخرى من الشرق الأوسط. نحن عازمون على تقوية نظام العقوبات حتى نشجع السلام والاستقرار في المنطقة”.وتابع هوك: “عقوباتنا ستبدأ في نوفمبر وستكون أقوى عقوبات نفرضها وتستهدف قطاعي الطاقة والمصارف. هدفنا أن تصل إيرادات إيران من النفط إلى ما يقترب من الصفر”.وحذر المبعوث الأميركي من الاستثمار في إيران، واصفا اقتصادها بـ”الأسود الشهير بغسيل الأموال”.وقال: “الحرس الثوري يسيطر على نصف الاقتصاد الإيراني. هذا يمثل مشكلة لمن يريد الاستثمار في إيران. حينما تستثمرون هناك لا تعرفون ما إذا كنتم تدعمون التجارة أم الإرهاب”,؟وفق سكاي نيوز .واعتبر هوك في حديثه مع سكاي نيوز عربية، أن “الخطأ الكبير من الإدارة الأميركية السابقة هو أنها خصصت الاتفاق مع إيران فقط للبرنامج النووي”، مضيفا: “لكننا نعلم أنها تمثل خطرا وتهديدا للعديد من دول الشرق الأوسط”.
ومن جانبها تجاهلت المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، نيكي هيلي، جلسة مجلس الأمن الدولي المخصّصة لمناقشة قضية فلسطين، واكتفت في إفادتها بمهاجمة إيران ودورها بمنطقة الشرق الأوسط. جاء ذلك في جلسة المجلس الدولي الدورية، التي انعقدت مساء أمس الخميس، لمناقشة الأوضاع في الشرق الأوسط، مع التركيز على القضية الفلسطينية. حيث اتهمت إيران بأنها «داست» على سيادة جيرانها في كل من لبنان وسوريا واليمن، فضلاً عن أنها «تتجاهل» سيادة العراق. وحملت طهران «المسؤولية الكاملة» عن الهجمات الأخيرة على السفارة الأميركية في بغداد والقنصلية الأميركية في البصرة، مؤكدة أن واشنطن «لن تتردد في الدفاع بقوة عن حياة الأميركيين». ونبهت إلى أنه «منذ ما يقارب 40 عاماً، ظل النظام الإيراني موجوداً خارج مجتمع الدول الملتزمة بالقانون. من الصعب أن نتحدث عن نزاع في الشرق الأوسط لا يحمل بصمات إيران». وقالت إن النظام الإيراني «دعم الديكتاتوريين الذين يسممون شعبهم بالغازات» في إشارة إلى دعم طهران لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، مضيفة أنها «تمول المقاتلين الأجانب والإرهابيين. وتنقل الصواريخ إلى المسلحين». وأكدت أنه «عبر الشرق الأوسط، داست إيران على سيادة جيرانها. في لبنان. في سوريا. في اليمن. وقد أظهر النظام الإيراني تجاهلاً تاماً لسيادة بلد ما في مرحلة حرجة من تطوره السياسي: العراق».
ولاحظت هيلي أن الزعماء الإيرانيين «يتظاهرون بأن تدخلهم في سيادة الدول الأخرى يحصل باسم الانتماء الديني. ويرغبون في الادعاء بأنهم (مدعوون) إلى شؤون الدول الأخرى». غير أن الواقع يفيد أن «دوافع الملالي أقل بكثير من ذلك»، معتبرة أنه «في حالة العراق، هدفهم استغلال الغموض لإنشاء ممر تسيطر عليه إيران لنقل الأسلحة والمقاتلين من طهران إلى منطقة المتوسط». وأشارت إلى أنه «في الأشهر الأخيرة، تصاعدت وتيرة العدوان الإيراني»، إذ عمل وكلاء إيران في العراق «علانية، مع تمويل وتدريب وأسلحة توفرها طهران»، لافتة إلى تقارير عن بدء النظام الإيراني خلال الأشهر القليلة الماضية لنقل الصواريخ الباليستية إلى هؤلاء التابعين في العراق»، فضلاً عن «تطوير قدرة ميليشياته على إنتاج صواريخه داخل العراق».
ولفتت المندوبة الأميركية إلى أنه «في انتهاك صارخ للسيادة العراقية، أطلق النظام الإيراني أخيراً وابلاً من الصواريخ من إيران إلى العراق. وهاجمت إيران مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق، مما أدى إلى مقتل 11 شخصاً». ورأت أن «هذا التدخل الإيراني في سيادة العراق يجب أن يكون ذا أهمية كبيرة لمجلس الأمن لأسباب كثيرة، ليس أقلها لأنه يحصل في تحد واضح لقرارات المجلس».
وكشفت أن قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني «يقود جهداً للتأثير على تشكيل الحكومة العراقية الجديدة»، مذكرة بأنه ممنوع من السفر إلى خارج إيران في قرار من مجلس الأمن عام 2007. وكذلك عندما أصدر مجلس الأمن قراره رقم 2231 عام 2015، مضيفة أنه «على رغم حظر السفر الواضح، أقام سليماني عملياً في العراق منذ إجراء الانتخابات في مايو (أيار) الماضي». وأكدت أن سليماني «ليس هناك للمساعدة في إنشاء حكومة في بغداد تستجيب للشعب العراقي. إنه موجود لبناء حكومة عراقية تخضع لسيطرة النظام الإيراني».
وقالت هيلي أيضاً إن «إيران تعامل العراق كما لو أنه دولة غير مستقلة»، إذ أنها «تعتبر العراق مجرد نقطة عبور للأسلحة الإيرانية ومنطقة تدريب للوكلاء الإيرانيين». ورأت أن إيران «تسعى إلى إبقاء العراق ضعيفاً اقتصاديا ويعتمد على صادراتها – علما بأن العراق يمتلك الكثير من موارده الخاصة. لماذا؟ لأن إيران تريد استخدام عراق ضعيف لتمويل نشاطاتها الإرهابية بطريقة غير مشروعة». وأضافت أن «هناك تصعيداً إيرانياً أحدث له عواقب خاصة على الأميركيين»، مشيرة إلى أنه «قبل أسبوعين، شنت مجموعتان إيرانيتان هجوماً بالصواريخ على السفارة الأميركية في بغداد والقنصلية الأميركية في البصرة». وأكدت أن «استخدام قوات تابعة في العراق لا يمنح النظام الإيراني حق الإنكار المعقول عندما تحصل مثل هذه الهجمات»، مشددة على أن «إدارة (الرئيس الأميركي دونالد) ترمب لا، ولن تشتري ذلك». وحملت النظام الإيراني «المسؤولية الكاملة عن هجمات وكلائه على المنشآت والموظفين الأميركيين في العراق. ولن نتردد في الدفاع عن حياة الأميركيين بقوة». وأكدت أن الولايات المتحدة «ملتزمة العمل مع العراق لمساعدته على إنشاء حكومة جامعة ومستقلة». بينما تروج إيران لعدم الاستقرار في سوريا واليمن ولبنان وفي الشرق الأوسط.
وتشير هذه التصريحات التي لا تنفكّ تصعدها واشنطن ضد طهران إلى أن الشرق الأوسط سيكون على المحك في الأشهر المقبلة مع بدء سريان العقوبات. وقد أكدت الإدارة الأمريكية مرارًا تكرارًا أن “تغيير النظام” و”التدابير العسكرية” ضد إيران ليست على جدول أعمالها، بل ذكرت أن الهدف هو تغيير السلوك، وليس النظام. ولكن بالرغم من ذلك، لا شكّ في أنّ النظام الإيراني مهدد. إذ يقوم كل من تأكيد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أن “الرخاء، والأمن، وحرية الشعب الإيراني هي خسائر مقبولة في المسيرة من أجل تحقيق الثورة”، وتغريدات ترامب الشخصية في هذا الصدد تدلّ على الرغبة في تفكيك الدولة الإيرانية تمامًا. فقد أشار ترامب مؤخرًا إلى أن النظام قد ينهار بسبب سياسة العقوبات الأمريكية. وفي حين أن هذه التصريحات جاءت ردًا على التعليقات التحريضية للنظام الإيراني، إن التهديدات الموجهة إلى الحكومة الإيرانية تبدو حقيقية. فلم تنجح احتجاجات آب/أغسطس الواسعة سوى في زيادة الشعور بأن تغيير النظام مطروح على الطاولة. أمّا على المستوى الإقليمي، فقد دعا الخطاب الأمريكي إلى تساؤلات كثير حول إلى أي مدى ستذهب الولايات المتحدة لتغيير إيران.
والسؤال الذي يطرح في سياق التصريحات المتسارعة من الإدارة الأمريكية الجديدة ضد إيران، التي تأخذ لهجة تصعيدية، باب التساؤل عن سقف هذا التوتر وانعكاساتُه على الاستقرار الهش في العراق؟
إن الصراع الأمريكي الإيراني قد يهدّد الاستقرار النادر الذي تشهده معظم المدن العراقية، أن واشنطن وطهران تسعيان للدفع بتشكيل حكومة عراقية جديدة بعد انتخابات مايو 2018، تميل لطرف على حساب الآخر. لم تكن العاصمة بغداد مستقرّة أمنياً كما هي اليوم، فالمطاعم الرائعة والمراكز التجارية الجديدة في تزايد، والكثير من الرافعات ترفع الصبات الكونكريتية (الحواجز الأسمنتية) التي انتشرت عقب سقوط النظام السابق عام 2003. وبدأ الكثير من أغنياء العراق، وفق مجلة “إيكونومست” البريطانية، باستثمار أموالهم داخل البلاد بدلاً من استثمارها في الخارج، واستبدلت باللوحات الكبيرة التي كانت تحمل صور رجال دين عبوسين لوحات إعلانية عليها صور فتيات مبتسمات، بوقت يتجمّع فيه العشرات من الشباب بحديقة عامة لإقامة حفل للروك على ضفة نهر دجلة. مشاهد لم تكن ممكنة قبل وقت قصير، فهذا التحسّن الأمني النسبي جاء بعد سنوات من قتال تنظيم الدولة وطرده من المدن العراقية، ولكن يبدو أنه بات مهدداً بسبب التنافس بين أمريكا وإيران ووكلائهم في العراق.
وداخل المنطقة الخضراء يحشد بريت ماكغورك، المبعوث الأمريكي للعراق، وقاسم سليماني قائد قوات فيلق القدس، حلفاءهما من طبقة السياسيين العراقيين. سليماني وماكغورك يسعى كل منهما لتشكيل حكومة حسب مصلحته، فإيران تريد تشكيل كتلة شيعية نيابية بأكثر من 200 عضو ، حيث يبلغ عدد مجلس النواب العراقي 329، في حين يسعى ماكغورك لتشكيل ائتلاف عراقي يضم الأكراد والسنة بقيادة تيارات وطنية شيعية لا تدين بالولاء لإيران.
وعلى الرغم من أن الإيرانيين والأمريكيين قاتلوا جنباً إلى جنب ضد داعش الإرهابي فإن عدداً من القذائف سقطت قرب السفارة الأمريكية في بغداد، في السادس من أيلول/ سبتمبر الجاري، ويُعتقد أن فصائل مسلحة مدعومة من إيران تقف خلفها، وذلك على خلفيّة التظاهرات الشعبية التي انطلقت بالبصرة، وإحراق المحتجّين القنصلية الإيرانية بالمدينة. كما استهدفت إيران مقراً تابعاً لحزب كردي إيراني موجود في قضاء كويسنجق بأربيل، وهو أول هجوم لطهران يستهدف الأراضي العراقية منذ توقّف الحرب بين البلدين، عام 1988.
الأخطر من ذلك، أن إيران تستعرض قوتها في البصرة، المدينة المهملة القريبة من الحدود مع طهران، والتي تتغذّى على مياه الأنهار التي تصل إليها من هناك، فلقد قطعت إيران المياه وإمداد الكهرباء لها، ما دفع السكان المحليين للخروج بتظاهرات احتجاج أدّت لإغلاق حقول نفطية، علماً بأن البصرة توفّر نحو 90% من إيرادات الحكومة العراقية.
على ساسة العراق أن يكونوا حذرين؛ فمع كل انتخابات تظهر أزمة كبيرة تكاد تعصف بالبلاد، “ففي العام 2014، وبعد الانتخابات والانغلاق السياسي، ظهر تنظيم داعش وأشعل حرباً طالت أكثر من 3 سنوات”.لكن بالأزمات السابقة كان رجال الدين الشيعة بالعراق، والنجف تحديداً، مثل آية الله السيد علي السيستاني، يتوسّط، ولكن يبدو أن سلطة رجال الدين آخذة في التضاؤل، ما يفتح الباب واسعاً لعودة حرب الاغتيالات وحتى الحرب الشيعية، وكسر زجاج هدوء نسبي تتمتّع به اليوم بغداد والعديد من المدن الأخرى.
تُعتبر العلاقة بين الولايات المتحدة والعراق غير متوازنة وتحتاج إلى إعادة تقييم. فبغداد تريد من واشنطن أن تبدي مرونةً فيما يتعلق بمواضيع مثل مواجهة الميليشيات الشيعية، وتطبيق العقوبات ضد إيران، واختيار رئيس الوزراء المقبل، بينما يريد المسؤولون الأمريكيون معالجة مشاكل البلاد بسرعة أكبر بعد مضي عدة سنوات على انخراطهم العميق في العراق. ومن جانبها، تريد إيران إبقاء العراق ضعيفاً ومعتمداً [عليها]. وللحد من تأثير طهران السلبي ومساعدة الحكومة العراقية على تعزيز قوتها وشفافيتها، لا بد لواشنطن من أن تتحلى بالصبر وتعمل عن كثب مع المسؤولين في بغداد. وبالمثل، يجب أن تكون العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران مصممةً بما يراعي مصلحة العراق. يجب على واشنطن أيضاً توفير المزيد من المساعدة في ما يتعلق بالاستخبارات المالية وجهود مكافحة الفساد وبرامج التدريب والحماية المخصصة للقضاة، فضلاً عن الدعم في مجال الاستخبارات المضادة ومكافحة الإرهاب لمواجهة تنظيم داعش الارهابي .كلا المتصارعين يطلب اليوم من العراقيين أن يحسموا خيارهم «إما معنا أو ضدنا»، فالعراق يعيش اليوم تماماً بين شراهة طهران وعجرفة واشنطن.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية