انقسم قادة دول الاتحاد الأوروبي أمس حول خطة رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي لخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي (بريكزيت)، وشكّل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك رأس حربة الرافضين اقتراحات ماي في شأن إطار التعاون الاقتصادي المستقبلي بين الجانبين بعد «الطلاق»، إذ رأى الأول أنها «ليست مقبولة»، واعتبر الآخر أنها لن تنجح.
وتباينت مواقف القادة الذين اجتمعوا في سالزبورغ، في غياب ماي، بين داعين إلى تمديد مهلة محددة للندن للمغادرة، وراغبين في إجراء استفتاء ثانٍ على «الطلاق»، ومؤيدين لخطة ماي التي يرون فيها «إيجابيات»، وأبرز هؤلاء هولندا وبلجيكا، لكنهم يصطدمون برفض فرنسا وألمانيا والمفوضية الأوروبية تقديم أي تنازلات، خصوصاً في مسألة الحدود الإرلندية.
وقال ماكرون: «نحن أمام ساعة الحقيقة في شأن بريكزيت. يجب أن نستغل الأسابيع المقبلة لكي نحرز تقدماً»، مشيراً إلى أنه يتوقع «اقتراحات بريطانية جديدة في تشرين الأول» (أكتوبر) المقبل. وأضاف: «ستكون هناك صعوبات، لكن علينا الدفاع عن مصالح الاتحاد على المدى القصير والمتوسط والبعيد». وأضاف: «من المهم أن نبقى صفاً واحداً، وأن تكون لنا مقاربة واحدة، إذ ينبغي التوصل إلى حل، شرط ألا يُلحق ضرراً بالتجانس (الأوروبي) وبقوة الحريات الأربع للسوق الموحدة».
وكان توسك سبقه إلى القول إن اقتراح ماي لإطار التعاون الاقتصادي المستقبلي بين لندن وبروكسيل بعد «بريكزيت» لن ينجح، ورأى أن «إطار العلاقات الاقتصادية كما هو مقترح، لن يعمل جيداً، لأنه سينسف أسس السوق الداخلية» للاتحاد. وقال إنه يمكن أن يدعو إلى قمة أوروبية طارئة في 17 و18 تشرين الثاني (نوفمبر) ما لم تؤد المحادثات إلى نتيجة. كما دعا ماي إلى «إعادة صوغ» اقتراحاتها، وردّت عليه بالقول: «إذا أردنا التوصل إلى خلاصة ناجحة، على الاتحاد الأوروبي تقويم موقفه، كما فعلت المملكة المتحدة».
في المقابل، نال مؤيدو إجراء استفتاء ثانٍ جرعة دعم، إذ قال رئيس وزراء مالطا جوزف موسكات: «هناك وجهة نظر تحظى بإجماع، أو شبه إجماع، مفادها أننا نود أن يحصل ما هو شبه مستحيل: أن تجري المملكة المتحدة استفتاء آخر». وأضاف: «سيرحب معظمنا بأن يتاح للشعب البريطاني تقويم الأمور، ليقرر بعدها لمرة واحدة وأخيرة».
كما أبدى رئيس الوزراء التشيخي أندريه بابيش «استياء كبيراً لخروج المملكة المتحدة»، وقال: «نأمل في نهاية المطاف بالتوصل إلى اتفاق. ربما الأفضل إجراء استفتاء آخر، فقد يغيّر الناس رأيهم».
لكن وزير الخارجية البريطاني جيرمي هانت، شدد على أن بلاده لن تجري استفتاءً ثانياً حول «الطلاق»، وأوضح أن الناخبين البريطانيين لن يقبلوا بتغيير أو إعادة استفتاء أجري قبل عامين. وعلى الضفة الأخرى، كتب نيجيل فاراج هازئاً عبر «تويتر»: «يريد قادة الاتحاد الأوروبي استفتاء ثانياً. أي مفاجأة».
وكانت ماي شددت على عدم قبولها دعوات، في الداخل والخارج، إلى إجراء استفتاء ثانٍ على «بريكزيت»، وأكدت أن «تأجيل أو تأخير المفاوضات ليس خياراً مطروحاً»، بغض النظر عن قبول القادة الأوروبيين الأمر أو رفضهم له.
وفي إطار المواقف، طالب رئيس الوزراء الهنغاري اليميني الشعبوي فيكتور أوربان، بـ «عدم معاقبة بريطانيا»، فيما رأى رئيس الوزراء الإرلندي ليو فرادكار أن «الوقت ينفد»، وقال: «ما نريد تجنبه هو إقامة حاجز آخر أمام حركة السلع والتجارة وانتقال الأفراد». وجدد رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي مطالبته بـ «آلية أوروبية» تعكس تضامن الدول الأعضاء، معتبراً أن «مشاركة حفنة من الدول لا تعني وجود آلية أوروبية».
وأيد المستشار النمسوي سيباستيان كورتز مطالبة ماي بروكسيل بملاقاتها في منتصف الطريق»، قائلاً: «لا تزال المقاربات مختلفة جداً. لكن الجانبين يدركان أنه لا يمكن التوصل إلى حل، إلا إذا اقترب كل منهما خطوة في اتجاه الآخر».
كما أكد رئيس وزراء لوكسمبورغ كزافييه بيتيل أن «المطلوب تنازلات من الطرفين»، لكنه رد على سؤال عن عدم تقديم بروكسيل أي تنازلات، بالقول إن «لدينا زملاء يفاوضون، وهم يعتقدون بأن ماي لم تقدم أي تنازل». ولفت رئيس الوزراء الهولندي مارك روت إلى «صعوبة عدم الموافقة على اختيار البريطانيين ما يناسبهم من علاقات مع الاتحاد مستقبلاً، ولكن يجب ملاقاتهم في طروحات معينة، لكي نتحاشى عدم التوصل إلى اتفاق».
وقال رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانتشيث إن بلاده تأمل في التوصل إلى اتفاق مع لندن في شأن وضع منطقة جبل طارق بحلول تشرين الأول (أكتوبر) قبل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.