طهران – أثار الهجوم الدموي الذي استهدف استعراضا عسكريا للحرس الثوري وخلّف العشرات من القتلى والجرحى غضبا واسعا في إيران، لكنه بالتوازي كشف أن طهران تكتوي بنار العنف الذي مارسته بحق الأقليات تحت مظلة الدين والإمامة، فضلا عن أنها تجني ثمار سياسة التمدد في المحيط الإقليمي عبر تمويل وتسليح الميليشيات التابعة لها.
يأتي هذا فيما بادرت إيران إلى اتهام الولايات المتحدة والسعودية بالوقوف وراء منفذي الهجوم في مسعى تقليدي لربط أزماتها بنظرية المؤامرة بدل فهم الأسباب التي أفضت إلى تكرار مثل هذه الهجمات التي أخذت بعدا نوعيا في هجوم الأحواز.
وذكرت وكالات أنباء إيرانية رسمية أن مسلحين أطلقوا النار على عرض عسكري في جنوب غرب إيران، السبت، وقتلوا 25 شخصا نصفهم من الحرس الثوري، في إحدى من أسوأ الهجمات على هذه القوات. وقال متحدث باسم حركة النضال العربي لتحرير الأحواز، وهي جماعة عربية مناهضة للحكومة الإيرانية، لوكالة رويترز إن المنظمة التي تنضوي حركته تحت لوائها مسؤولة عن الهجوم.
وكشف المتحدث يعقوب حر التستري أن منظمة المقاومة الوطنية الأحوازية، التي تضم عددا من الفصائل المسلحة، هي المسؤولة عن الهجوم.
وقلل متابعون للشأن الإيراني من تبني تنظيم الدولة الإسلامية للهجوم، معتبرين أن البيان المفترض للتنظيم المتشدد يخدم مسعى إيران لوسم منفذي الهجوم بالإرهابيين، بدل البحث عن الأسباب التي تدفع بحركات محلية للجوء إلى العنف للفت النظر إلى مطالبها.
ويرى المتابعون أن إيران فشلت في الانفتاح على مطالب الأقليات المختلفة في البلاد والاستجابة لها ولو بالحدّ الأدنى، ودفع أسلوبها العنيف في الرد على تلك المطالب إلى عنف مضاد لجأ إليه الأحوازيون والأكراد في الفترة الأخيرة.
وتقول تقارير مختلفة إن القضاء الإيراني، الذي يهيمن عليه المحافظون المتشددون، دأب على إصدار أحكام مشددة على نشطاء من الأقليات وأغلبها بالإعدام، فضلا عن عمليات عسكرية ينفذها الحرس الثوري وقوات الباسيج على مواقع للانفصاليين، ما جعل العنف هو الوسيلة الوحيدة للحوار بين الطرفين.
ويعد هجوم السبت هو الأعنف على الحرس الثوري الذي يعد بمثابة سيف نظام الحكم الديني ودرعه منذ ثورة 1979. ويلعب الحرس الثوري دورا كبيرا في التدخل الذي تنفذه إيران في دول مثل العراق وسوريا واليمن.
ويعتبر مراقبون أن إيران تجني ثمار هذا التدخل، خاصة وقوفها وراء تكوين ميليشيات طائفية مسلحة، ما شجع الأقليات على بناء مجموعات شبيهة بها للدفاع عن حقوقها وسط أجواء الخوف والرعب التي يخلقها الخطاب الرسمي الذي يبرر تصفية الخصوم بمبررات دينية ويتهمهم بالخيانة والعمالة للخارج بدل فتح قنوات الحوار معهم والاستماع لمطالبهم.
وقال البريجادير جنرال أبوالفضل شكارجي، وهو متحدث كبير باسم القوات المسلحة الإيرانية، للتلفزيون الرسمي “قتل ثلاثة إرهابيين في الموقع وتوفي رابع في المستشفى”. وأظهر مقطع مسجل جرى توزيعه على وسائل الإعلام الإيرانية جنودا يزحفون على الأرض بينما تنطلق أعيرة نارية صوبهم. وأمسك جندي سلاحا ونهض واقفا بينما يفر أطفال ونساء من المكان.
وعرض مقطع مسجل بثه الموقع الإلكتروني للتلفزيون الرسمي لقطات لجنود مذهولين يتساءل أحدهم وهو يقف أمام المنصة “من أين جاؤوا؟”.
وزعم متحدث عسكري إيراني أن المسلحين تدربوا على يد دولتين عربيتين خليجيتين وتجمعهم صلات بالولايات المتحدة وإسرائيل. لكن وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف تحدث عن وقوف نظام أجنبي وراءهم. ووفق المراقبين، فإن تعدد الاتهامات يعكس أمزجة المسؤولين الإيرانيين التي تميل إلى نظرية المؤامرة، وليس اعتمادا على معطيات استخباراتية أو تحقيقات.
وقال ظريف إنّ بلاده “سترد بسرعة وحسم”، متهما في تغريدة عبر تويتر عملاء نظام أجنبي (لم يحدده) بتنفيذ الهجوم. وتابع “الإرهابيون تم تجنيدهم وتدريبهم وتسليحهم وتمويلهم من قبل نظام أجنبي”. كما أردف قائلا “إيران تحمّل رعاة الإرهاب الإقليميين وقائدتهم الولايات المتحدة المسؤولية عن مثل هذه الهجمات”.
وتعيش إيران وضعا اقتصاديا واجتماعيا صعبا وسط اتهامات بأن السلطات تستثمر عائدات النفط في الحروب التي تخوضها عبر وكلائها في سوريا واليمن والعراق ولبنان، بدل استثمارها في تحسين الوضع الاجتماعي لمواطنيها، وهو ما دفع بالآلاف من الإيرانيين إلى التظاهر في مدن كبرى ضد ارتفاع الأسعار وتدني المقدرة الشرائية، فضلا عن تفشي الفساد والتورط في النزاعات الإقليمية.
وشهدت إيران في السنوات الأخيرة هجمات عدة استهدفت خصوصا الحرس الثوري. وفي 20 يوليو 2018 قتل عشرة عناصر على الأقل من الحرس الثوري في هجوم على إحدى قواعدهم في داري بماريوان في شمال غرب كردستان إيران.
وفي 07 يونيو 2017 هاجم مسلحون وانتحاريون البرلمان وضريح الإمام الخميني في طهران ما أوقع 17 قتيلا والعشرات من الجرحى في أول هجمات يتبناها تنظيم داعش. وندد الحرس الثوري آنذاك بما أسماه “تورط” السعودية والولايات المتحدة في الاعتداءات. وغالبا ما تتهم السعودية وحليفتها الولايات المتحدة إيران بالسعي إلى زعزعة استقرار المنطقة.
العرب