وقد تم النظر إلى النقط البؤرية على خطوط الإبحار العالمية باعتبارها نقاط اختناق، خصوصا بالنسبة للصادرات النفطية التي تعد الأهم والأخطر في الوقت الراهن، باعتبار أن منطقة الخليج العربي هي المصدّر الرئيس لإمدادات الطاقة في العالم، نظراً لمرور 61% من إمدادات الطاقة العالمية، أي ما يعادل 58.9 مليون برميل في اليوم من أصل 96.7 مليون برميل هو إجمالي الطلب العالمي على الطاقة، وهو رقم يزيد أو يقل قليلاً لأسبابٍ تتعلق بوضع العرض والطلب الدولي، إلا أن النسبة المئوية تبقى ثابتة.
مضيق باب المندب
هو التسمية العربية التي تطلق على الخانق المائي الذي يصل بين البحر الأحمر، آخر بحار المحيط الهندي الشمالية، وخليج عدن، أحد خلجان البحر العربي، أحد أهم بحار المحيط الهندي من الناحيتين، التجارية والاستراتيجية. أخذت هذه التسمية، وفق الروايات الأسطورية العربية، من النياح الذي كانت تقوم به نساء البحارة اليمنيين المفقودين العابرين من اليمن وإليه، ومن هنا أخذ المضيق تسمية مضيق الدموع أيضاً.
من الناحية الجيولوجية، تكوّن المضيق والبحر الأحمر بواسطة الحركة التكتونية العظمى التي حصلت في الحقبة الجيولوجية الثالثة (عصر الميوسين) أنتجت التصدع الأعظم من سفوح جبل الشيخ عبر وادي الأردن فوادي عربة فالبحر الأحمر ومضيق باب المندب فوادي الشق الأعظم عبر القرن الأفريقي، والذي حدث في الحقبة الجيولوجية الثالثة، وقد تسبب عن هذه الحركة الجيولوجية انفصال شبه الجزيرة العربية عن قارة أفريقيا.
يقع المضيق بين الإحداثيات (12028’40” شمالاً، 43019’19” شرقاً) و(12o40’20” شمالاً، 43o27’30” شرقاً). تبلغ المسافة بين ضفتي المضيق، الشرقية على البر اليمني، والغربية على البر الأفريقي (جيبوتي)، 30 كم (20 ميلا) تقريبا من رأس منهالي، في الساحل الآسيوي إلى رأس سيّان في جيبوتي على الساحل الأفريقي.
تقع جزيرة بريم (مَيّون) التابعة لليمن في مدخل المضيق الجنوبي الشرقي. ويترتب على وجودها على مدخل المضيق من خليج عدن تقسيم القناة الملاحية إلى اتجاهين رئيسيين، الشرقية الأقرب إلى البر اليمني وتسمّى باب إسكندر، وهي بعمق 30 متراً وبعرض 3 كيلومترات (1.6 ميلاً بحرياً). أما القسم الغربي المتاخم للسواحل الأفريقية فهو الأعرض والأعمق، حيث يبلغ عرض القناة الملاحية نحو 23 كيلومتراً (نحو 12.7 ميلاً بحرياً) وتشاطئه جزر السوابع الجيبوتية. ويتميز المضيق بتيارين متعاكسين بين القناتين، وبمسربٍ للتيارات المائية من البحر الأحمر وخليج عدن وإليهما.
وما يدفع إلى الكتابة عن مضيق باب المندب الآن، ما تعرّضت له سابلة الملاحة الدولية من تهديد جدّي، بضرب جماعة الحوثي في اليمن (نيابة عن إيران على ما يبدو) ناقلتي نفط سعوديتين، ما حدا بالمملكة العربية السعودية إلى تعليق تصدير النفط عن طريق المضيق فترة، قبل أن تعاود استئنافه، وأعلن الحوثيون أخيرا تعليقهم الهجمات البحرية أسبوعين. ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتعرّض فيها المضيق للتهديد، فعشية حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، فرضت البحرية المصرية، بمعاونة البحرية اليمنية، حصارا بحريا على الإمدادات الإسرائيلية، ولم يُرفع إلا بعد تهديد الولايات المتحدة الأميركية في حينه باقتحام المضيق.
وتوضح نظرة إلى كمية النفط العابرة لنقاط الاختناق الثماني العالمية الأهم من عام 2011 إلى 2016، أن مضيق باب المندب يحتلّ المرتبة الرابعة بعد مضايق هرمز ومالاقا وقناة السويس، وبما نسبته 4.8% من إجمالي تجارة البترول الدولية لعام 2016. ويمثل مضيق هرمز المرتبة الأولى بحصة نسبتها 18%. كما أن هناك علاقة متبادلة بين مضيقي هرمز وباب المندب من ناحية اتجاه خطوط النقل البحري للإمدادات النفطية العابرة من منطقة التصدير الأساسية في الخليج العربي وإلى أوروبا خصوصا. ويتبادل مضيق باب المندب التأثير على نسبة الحمولة مع ممر رأس الرجاء الصالح، حيث ستوجه نسبة لا بأس بها من الحمولات باتجاه رأس الرجاء الصالح، في حالة حدوث ما يعيق الملاحة عبر باب المندب أو قناة السويس، كما تعتمد نسبة التجارة النفطية العابرة على حالة عقود التوريد النفطي (أو الغاز المسال LNG) مع أوروبا شمالاً وجنوباً، والولايات المتحدة الأميركية عبر مضيق جبل طارق.
وكان المضيق وما زال من أهم الممرات البحرية الحاكمة على سابلة التجارة البحرية بين الشرق والغرب، وقد توارثت السيطرة على الملاحة فيه الامبراطوريات الملاحية التاريخية التي ما زال بعضها موجودا في المضيق، كما الحال مع البحرية الفرنسية في ميناء جيبوتي، وبريطانيا التي وُجدت في ميناء عدن حتى عشية الانسحاب البريطاني مما سمّي شرق السويس، والذي منحت محميات الجنوب العربي ومستعمرة عدن الاستقلال تحت مسمى جمهورية جنوب اليمن الديمقراطية الشعبية التي رحبت بالوجود السوفييتي فيها، حتى إعادة الوحدة اليمنية وانهيار الاتحاد السوفييتي السابق (1991) الذي رسخ وجوده في موانئ إثيوبيا، عصب ومصوع وأرخبيل دهلك، قبل أن ينسحب عشية استقلال إريتريا عن إثيوبيا، وتملّكها السيادة على الساحل والأرخبيلات المتاخمة. وكان الأميركيون يوجدون فعليا في أرخبيل دهلك إبّان الحرب العالمية الثانية، ثم عادوا وبقوة من خلال قيادة تشكيل أفريقيا الاستراتيجية الأميركية. وتتمثل إيران بحضور مميز في أرخبيل دهلك، ولدولة الإمارات تسهيلات بحرية في ميناء عصب. وتعد تركيا آخر الحاضرين في مسرح عمليات البحر الأحمر ومقترباته، من خلال حصولها على تسهيلات بحرية ولوجستية في جزيرة سواكن، مقر الوالي العثماني سابقاً لولاية حبش. أما إسرائيل فلم تغب عينها يوماً عن المضيق وأهميته.
نقاط بؤرية للتحكّم الملاحي والأمني
تتحكّم في مضيق باب المندب، في نهايتيه الشمالية الغربية والجنوبية الشرقية، جملة من الجزر والأرخبيلات، تتقاسمها الدول المطلة على المضيق ومقترباته، وهي اليمن وجيبوتي، دولتا الإطلال المباشر، وإريتريا التي تشرف على المضيق من شماله الغربي. وأهم هذه الجزر والأرخبيلات:
1. أرخبيل دهلك وجزر فاطمة: يعد هذا الأرخبيل، الذي يقع على الزاوية الجنوبية الغربية من البحر الأحمر والذي تمتلكه إريتريا، من أكثر الأرخبيلات والجزر تأثيراً على الملاحة في باب المندب والبحر الأحمر، وله تأثير خطير على الأمن الإقليمي، لأسباب أهمها:
أ. استعداد حكومة إريتريا لتأجير جزر من الأرخبيل لقوى أجنبية، وقد تردد اسم إسرائيل وإيران والإمارات، مستفيدين من هذا الميل، وقد سبق وأقام الاتحاد السوفييتي السابق قاعدة بحرية متطورة على جزيرة دهلك.
ب. العدد الكبير الذي يحتويه هذا الأرخبيل من الجزر (1500 جزيرة صغيرة غالبها غير مأهول)، ما يساعد على الاختفاء عند عمليات القرصنة.
ج. مساعدة الأعماق على التقرب والملاحة.
د. يتيح هذا الأرخبيل لإريتريا أو لمستأجري الجزر الإمكانية الكاملة في التدخل في سلامة سابلة المواصلات البحرية. ومن هنا، يُستدعى الدور الإسرائيلي الموثق، نتيجة ما أعلن عن تأجير إسرائيل جزرا في الأرخبيل من حكومة رئيس إريتريا، أسياس أفورقي، فور استقلال إريتريا عن الحبشة. وعن الدور الإيراني نتيجة تأجير إيران تسهيلات بحرية في جزر المضيق، تستخدم محطات لإنجاد الحوثيين وتزويدهم بالسلاح والمعدات.
هـ. تبعاً لذلك، أدركت السعودية أخيرا، وبعد ضياع فرص كثيرة للتأثير، أهمية إريتريا وملكيتها الأرخبيل المهم، فدعت أفورقي إلى زيارة عمل للتباحث معه، على ما يبدو، حول قضايا أمنية واستراتيجية واقتصادية مهمة.
2. أرخبيل زقر وحنيش وقمران: أرخبيل مهم، تعود ملكيته لليمن، يقع مقابل أرخبيل دهلك وإلى الشمال منه. تنازعت إريتريا اليمن على ملكية جزر زقر وحنيش واحتلت الجزيرة الكبرى عام 1996، وأحيل النزاع إلى التحكيم لدى محكمة العدل الدولية في لاهاي التي حكمت بعائدية الجزر لليمن.
يعدّ هذا الأرخبيل وجزره نقطة انطلاق مهمة للحوثيين الآن للتأثير الجدّي على الملاحة في البحر الأحمر، وفي مضيق باب المندب تحديداً، ما يؤشّر على الخطأ الاستراتيجي الكبير الذي ارتكبه المخططون السعوديون وحلفاؤهم بترك هذه المناطق التي كان يسهل السيطرة عليها في بدء العمليات، لتقع في أيدي المتمرّدين الحوثيين.
3. جزيرة بريم (ميون): تقع في مدخل المضيق الجنوبي الشرقي، وتقسم القناة الملاحية إلى قناتين، شرقية هي باب إسكندر، وهي الأقل عمقاً، وغربية، وهي الأكثر عمقاً، وتستخدم للإبحار التجاري والحربي الدولي على نطاق واسع.
4. جزر السوابع الجيبوتية: جزر صخرية غير مأهولة، متتابعة باتجاه المضيق، يمكن أن تستخدم نقاط ترصد وكمائن لقوات غير نظامية. ينبغي الأخذ في الاعتبار الوجود الفرنسي في قاعدة جيبوتي البحرية، وأن جيبوتي مقرّ لقيادة أفريقيا الاستراتيجية الأميركية المستحدثة عام 2007، لتغطي منطقة القرن الأفريقي والقارة الأفريقية.
5. جزيرة سقطرى: تشكل الجزيرة الأكبر من أرخبيلٍ بالاسم نفسه، تقع في خليج عدن بين الساحل الصومالي من القرن الأفريقي والساحل العربي اليمني إلى الشمال، وتعود ملكيتها إلى اليمن. يتحدث سكانها (نحو 60 ألف نسمة) لهجة عربية جنوبية من بقايا اللغات العربية الجنوبية المندثرة. أقحمت الجزيرة في الحرب اليمنية أخيرا، من جراء محاولة دولة الإمارات السيطرة عليها، قبل أن تُجبرها احتجاجات أهلية ومعارضة حكومة اليمن الشرعية على الرحيل. تسيطر الجزيرة وتراقب مقتربات مضيق باب المندب من ناحيته الجنوبية الشرقية.
6. يقع أرخبيل فرسان السعودي على مشارف المضيق في النصف الجنوبي الشرقي من البحر الأحمر، ويتيح للسعودية فيها إمكانية وقدرات التحكم في سابلة المرور البحرية العابرة للبحر الأحمر.
نزاع إقليمي وحرب بالوكالة
تُثار تساؤلات مهمة بين حين وآخر بشأن الحكمة وراء شن هذه الحرب بين السعودية وحلفائها من جهة، والمتمرّدين الحوثيين الذين تواطأ معهم الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح انتقاماً من مجلس التعاون الخليجي، بقيادة السعودية، لدفعهم إلى خلعه من منصبه، بفعل الانتفاضة الشعبية وقوتها. وقد أتاح التحالف مع صالح للحوثيين فيما بعد الهيمنة على الدولة اليمنية، بقواتها المسلحة وتسهيلاتها وقدراتها، خصوصاً بعد أن غدر الحوثيون بهذا الحليف، واغتالوه بجنوب صنعاء، في ديسمبر/كانون الأول 2017، بعد انفجار الخلافات بينهما.
تمثّل الحرب اليمنية الحالية أوجهاً متعدّدة من المواصفات والخصائص، فهي حربٌ بالإنابة بين إيران التي يمثل الحوثيون المتمرّدون وجهها وأداتها في المنطقة والعربية السعودية التي لجأت إلى تحالف عربي وإسلامي، لإنهاء تمرّد الحوثيين منذ 2015، من دون تحقيق أي نجاح. بل تفتّت هذا التحالف بفعل الأزمة الخليجية من جهة، وانسحاب دول مؤثرة مثل باكستان التي كانت تعوّل السعودية على مواقفها كثيراً من جهة أخرى، حتى وصل الأمر بالحوثيين إلى تهديد الرياض بضربات صاروخية، ناهيك عن استهداف معظم القواعد الجوية والمعسكرات في المنطقة الغربية والجنوبية الغربية. وعلى الرغم من أن السعودية استخدمت منظومات مقاطعة الصواريخ في كل مرة رُصد فيها صاروخ حوثي يطلق باتجاه أراضيها، إلا أن صواريخ بالستية إيرانية الصنع، تهرّب وتجمّع في اليمن تحت إشراف الحرس الثوري الإيراني، ما زالت تستهدف أهدافاً استراتيجية، من دون أن تنجح السعودية في وضع حد لها. وهذا يبين أن الحوثيين أصبحوا فعلاً أنداداً للسعوديين الذين فشلوا في احتواء التهديد الحوثي الموجّه إليهم. ولعل نجاح الحوثيين في استهداف ناقلات النفط السعودية المبحرة باتجاه المحيط الهندي عبر باب المندب، أو باتجاه أوروبا عبر المضيق نفسه قد تصاعد بالقدرة الاستراتيجية، ومن ثم الإيرانية، على وضع تهديد إيران على محمل الجد، في تدخّلها لمنع تصدير النفط من الخليج العربي، فيما إذا منع النفط الإيراني من أن يصل إلى أهدافه بفعل العقوبات الأميركية التي بدأت اعتباراً من يوم 6 أغسطس/آب 2018.
ليس التدخل الإيراني لإسناد ودعم الحوثيين جديداً، بل انطلق التمرد الحوثي أساساً نتيجة دعم إيراني موثق ومعروف. وكانت الممثلة الدائمة للولايات المتحدة الأميركية في الأمم المتحدة، نيكي هيلي، قد اتهمت، في بيانٍ، في مجلس الأمن، صراحةً بأن إيران تقف خلف الهجمات الصاروخية على الرياض، وبأن “الهجمات الصاروخية على الرياض ينبغي أن تطلق صافرة إنذار حمراء لهذا المجلس”. ومن هنا، من دون الدعم الإيراني الناجز، ليس في مقدور الحوثيين استهداف الأهداف السعودية العميقة بالصواريخ، أو بالطائرات المسيّرة.
التعرّض الحوثي للناقلات السعودية
فوجئ العالم، يوم 25 يوليو/تموز 2018 باستهداف الحوثيين ناقلتي نفط سعوديتين، في طريقهما عبر مضيق باب المندب، ما ألحق أضراراً وصفها بيان شركة أرامكو السعودية بالطفيفة، ما حدا بالسعودية إلى تعليق صادراتها النفطية عبر مضيق باب المندب، وادعى الحوثي أنه استهدف سفينة حربية سعودية، رداً على استهداف ميناء الحديدة اليمني الذي يسيطر عليه الحوثيون من الجو.
يستهدف العمل العسكري الحوثي، أياً كان الهدف الحقيقي الذي استهدفه، ناقلتي نفط أو السفينة الحربية السعودية التي كانت تحرسهما، إرباك المملكة على كل مسارح العمليات المفتوحة بين الطرفين براً وبحراً وجواً، لكن المعروف والمعترف به دولياً، وعلى نطاق واسع، أن الحرب في اليمن التي أطلقتها السعودية ضد الحوثيين حرب بالإنابة تخوضها السعودية وإيران مباشرة أو عبر أطراف ثالثة. ويقوم الحوثيون، في اليمن، مهما كانت دوافعهم من المجابهة بالقتال مع السعودية ودول الخليج الأخرى بالنيابة عن إيران. وكان قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، والممسك بملف التدخلات الإيرانية في المشرق العربي والجزيرة العربية، الجنرال قاسم سليماني، قد قال بلا مواربة وبلغة تهديدية، بعد حادثة استهداف الحوثيين ناقلات سعودية في باب المندب “ليس فقط مضيق هرمز سيغلق، وإنما البحر الأحمر لم يعد آمناً”، وهدّد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بأن إيران تقف له بالمرصاد في كل مكان يوجد فيه.
بغض النظر عن الأثر الاستراتيجي الخطير الذي سببته هذه الهجمات لأمن الإبحار، والخسارة الاستراتيجية الكبرى التي أحاقت بالسعودية، نتيجة الفشل الذريع لتعرّضها للحوثيين وإخفاقها في الوصول إلى نتيجة إيجابية لصالحها، نتيجة إخفاق التخطيط الاستراتيجي، فإن أهدافاً مهمة تقف خلف قرار السعودية إيقاف تصدير النفط عبر مضيق باب المندب.
ويمكن إجمال دوافع الموقف السعودي وأهدافه في جنوب البحر الأحمر ومضيق باب المندب بما يلي:
1. التلويح بتأثير التدخل على أمن الإبحار في باب المندب على سلامة الإمدادات النفطية والغازية للعالم.
2. أعلنت الولايات المتحدة موقفاً حازماً حيال التهديد الإيراني لإغلاق مضيق هرمز، لكن الموقف من تهديد باب المندب لم يكن في المستوى المطلوب. ولذلك، جاء تعليق الصادرات عبر المضيق محاولة سعودية لحثّ الولايات المتحدة على اتخاذ موقف حازم مشابه لباب المندب، إلاّ أن ما صدر حتى الآن لا يمثل إلا رداً فاتراً. وبالطبع لا يرقى هذا الموقف ليكون حازماً، كما الموقف الحازم لوزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، الذي أعلنه عند زيارته أبوظبي يوم 10 يوليو/تموز 2018، غداة تهديد إيران بإغلاق مضيق هرمز، إذا ما مُنعت من تصدير نفطها. وكذلك تصريح وزير الدفاع جيمس ماتيس حول الموضوع نفسه.
3. يبقى الموقف الغربي مائعاً، فالغرب متهمٌ بإيقاف عملية استعادة الحديدة بالضغط الشديد الذي مورس ضد دولة الإمارات، وكان موقف الولايات المتحدة حاسماً في الطلب من الإمارات بإيقاف التقدّم باتجاه الحديدة لدواعٍ إنسانية، تتعلق بالسكان المدنيين، عند تقدم القوات اليمنية المدعومة بقواتها لاستعادة الحديدة، ونجاحها في الوصول إلى المطار قبل أن تجبرها الضغوط الغربية، والأميركية تحديداً، على التوقف، الأمر الذي زاد من تعنت الحوثيين. لذلك، هدف إيقاف التصدير عبر باب المندب إلى محاولة الحصول على دعم وضوء أخضر للتقدّم باتجاه الحديدة، وهو أمر لم يحصل. وهذا محيّر فعلاً، ففي موقف كهذا، يتلاشى التحالف الافتراضي القائم، وبين الولايات المتحدة وحلفائها الخليجيين المتورّطين في حرب لا جدوى ولا نتيجة إيجابية لها.
تأثير على سلامة الإبحار
1. على الرغم من أن للحديدة تأثيرا كبيرا على أمن الإبحار وسلامته عبر باب المندب، فإن سيطرة الحوثيين على موانئ أخرى على الساحل اليمني، ومنها ميناء الصليف (شمال الحديدة)، والذي يبدو أن الحوثيين سيتمسكون بالدفاع عنه باستماتة، ينتج عنه الخطورة نفسها التي يمثلها ميناء الحديدة.
2. واضحٌ أن للحوثيين أدوات للتدخل، كالزوارق السريعة المسلحة وقواعد إطلاق الصواريخ الساحلية بر- بحر، ومنظومة استخبارات ومعلومات جيدة، تتيح لها اختيار وقت المجابهة ومكانها، وإلحاق الضرر بأمن الإبحار عبر المضيق، كما حصل باستهداف ناقلتي النفط السعوديتين.
3. سيزداد الموقف في المضيق خطورةً إذا ما قرّر الحوثيون، ربما بتوجيه أو تنسيق من إيران، تلغيم الممر الملاحي بالألغام البحرية، وهي ألغام متوفرة بالتأكيد لدى البحرية اليمنية التي استولى الحوثيون على مخزوناتها، بحكم سيطرتهم على صنعاء. علماً أن استخدام الحوثيين الألغام عند انسحابهم من ميناء ميدي قرب الحدود السعودية عام 2017 قد تناقلته وسائل الإعلام ومراكز البحوث.
4. يبدو إعلان الحوثيين تعليق هجماتهم البحرية أسبوعين بإيعاز إيراني، لمعرفة مدى إدراك عامل التهديد هذا على الولايات المتحدة تحديداً. ومن هنا، يمكن فهم رسائل طلب التفاوض الأميركية التي جاءت على لسان الرئيس دونالد ترامب بتغريداته، وتأكيد وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، أن ليس من أهداف الولايات المتحدة التدخل لقلب نظام الحكم في إيران، بل لتغيير سلوكيات النظام الإيراني. وقد زاد هذا الموقف من تعنّت الحوثيين والنظام الإيراني، بحيث حرّم مرشد الثورة، خامنئي، التفاوض المباشر مع الولايات المتحدة الأميركية.
5. وعلى الرغم من استئناف السعودية الصادرات النفطية عبر باب المندب، إلا أن التهديد لا يزال قائماً ما لم يتم طرد الحوثيين من مسرح عمليات البحر الأحمر الجنوبي، وهو أمر كان يجب أن تضعه السعودية نصب عينيها منذ لحظة انطلاق “عاصفة الحزم”.
… ختاماً، الحرب الأهلية اليمنية عبثية بامتياز، ضحاياها المواطن اليمني والأمن القومي العربي الذي أضحى كالمنخل الممزّق، فيه من الثقوب والشقوق أكثر مما فيه من الروابط. سيبقى الأمر هكذا إلى أن يعي السعوديون أهمية التخطيط العلمي المدروس، وتُجبر إيران على الانزواء مرة أخرى إلى إقليمها الوطني، لتعالج مشكلاتها الكثيرة التي نتجت عن توسّعها السرطاني غير المقبول باتجاه المشرق العربي والجزيرة العربية.
وفي الوقت نفسه، وللحفاظ على الأمن القومي العربي في باب المندب، لا بد من إنشاء قوة واجب بحرية قتالية في باب المندب، من البحريات، المصرية والسعودية واليمنية، وربما بحرية الإمارات، لممارسة حق الزيارة والتفتيش، لإبعاد النفوذ الإيراني خارج المنطقة، وقد يمارَس ضغط مقرون بالامتيازات الاقتصادية على إريتريا، لسحب التسهيلات المتاحة لإيران في أرخبيل دهلك.