الحقيقة الملموسة التي لا مفر منها اليوم، هي احتمال أن تواجه تركيا السيناريو الأسوأ الذي تحدثت عنه كثيرا العديد من الجهات المالية الدولية، كوكالات التصنيف الائتماني موديز وستاندرد أند بورز وفيتش، في تقارير صدرت عنها مؤخرا بشأن الاقتصاد التركي. والمتمثل في أن أبواب الديون الخارجية ستوصد أمام أنقرة.
الانخفاض الذي شهدته قيمة الدولار الأسبوع الماضي على الصعيد العالمي، هدأ هذا الأسبوع من روع أسعار صرفه أمام العملة المحلية التركية، وبالتالي لم يسجل أرقاما قياسية كتلك التي ألفناها خلال الأشهر القليلة الماضية، ولكن هذا الوضع قد يكون أمرا مؤقتا.
وتظهر آخر البيانات والمعطيات القادمة من الأسواق أن الأمور مستمرة في الانحدار نحو الأسوأ، رغم أن البنك المركزي قد رفع سعر الفائدة بمقدار 6.25 نقطة، ورغم أن وزير الخزانة والمالية، براءت البيرق، قد أعطى رسالة للأسواق حتى حين أعلن “الخطة الاقتصادية الجديدة”، مفـادها أن ارتفـاع الفـائدة سـيستمر خـلال 2019. بسبب عجز الحساب الجاري، وأقساط الديون، فإن الاقتصاد التركي يحتاج شهريا إلى تمويل بالعملات الأجنبية يقترب من 15 مليار دولار لكن رغم هذا لم تتمكن لا الخزينة ولا المصارف ولا حتى شركات القطاع الحقيقي من العثور على قروض جديدة من الخارج.
كما أن المؤسسات التركية لا يمكنها طرق باب سوق القروض المجمعة أو المشتركة، التي تقوم على علاقات مراسلة طويلة الأمد للبنوك والتي نادرا ما تنجم عنها مشاكل.
والقروض المجمعة عادة ما تلجأ إليه الشركات التي تبحث عن قرض بعد تكليف مؤسسة مالية كبيرة أو بنك لتأمين القرض المجمع سواء من الأسواق المحلية أو الدولية.
ويكون السبب في طلب القرض المجمع هو ضخامة حجمه بحيث لا يمكن لجهة واحدة أن تقدمه، لأن هناك أنظمة مصرفية تضع حدا لحجم القرض المقدم لجهة واحدة قياساً برأس مال الجهة الممولة.
وخير مثال على غلق سوق القروض المجمعة أمام المؤسسات التركية، هو أن مصرف “آق بنك”، الذي يعتبر أحد أهم المصارف في تركيا، لم يتلقَ ردا إيجابيا حتى الآن لتجديد قرض قيمته مليار دولار حل وقت سداده.
آخر البيانات والمعطيات القادمة من الأسواق الدولية تظهر أن أوضاع الاقتصاد التركي مستمرة في الانحدار نحو الأسوأ
وقد عجز البنك عن ذلك رغم أنه عرض عائدا بنسبة 7 بالمئة على المستثمرين، والبنوك الوسيطة. وإذا لم ينجح البنك في تجديد هذا القرض المجمع مع نهاية هذا الشهر، فإنه سيكون مضطرا للدفع من موارده الخاصة.
هذا الأمر لا ينطبق على مصرف “آق بنك” فقط، بل هذا هو حال قرض مجمع آخر تبلغ قيمته ما بين 6 إلى 8 مليارات دولار يتعين سداده بحلول نهاية العام الجاري.
أما احتياطي البنك المركزي الذي يعد المصدر الوحيد للنقد الأجنبي بالبلاد، فيتآكل بشكل سريع، إذ انخفض إجمالي هذا الاحتياطي إلى 68 مليار دولار.
وبالنظر إلى ذلك، فإنه إذا تم استثناء مبلغ 45 مليار دولار دين عمليات الاستيراد، التي تمت خلال الفترة الماضية، والتي من المقرر أن تدفع خلال العام المقبل، فلن يتبقى من احتياطي المركزي سوى مقدار يكفي لإتمام عمليات استيراد لمدة شهر ونصف الشهر. وهذا يعتبر دون مستوى الأمان الاقتصادي بحسب المعايير الدولية.
الاقتصاد التركي يمر حقًا باختناقات وأزمات كبيرة وعميقة من حيث التمويل الخارجي رغم التصريحات التي يرددها المسؤولون الأتراك مؤكدين أن البلاد لا تعاني أي أزمات، لا سيما تلك التي أدلى بها الرئيس، رجب طيب أردوغان قبل أيام عدة، وقال فيها إنه “لا توجد لدينا أزمات وإنما تلاعب بالأزمات”.
ولعل الأرقام الرسمية التي تصدر عن الهيئات الحكومية في البلاد، تؤكد بشكل قاطع أن التردي الاقتصادي بات في أشد حالاته على الإطلاق.
وبحسب المعطيات التي كشف عنها المركزي التركي، الخميس الماضي، فإن قفزة كبيرة وغير عادية قد حدثت في معدل الفوائد التي تدفع على النقد الأجنبي.
واعتبارا من 14 سبتمبر الجاري، ارتفع متوسط معدل الفائدة التي تدفعها البنوك التركية شهريا على الودائع الدولارية، 3.96 بالمئة بعد أن كانت قبل أسبوعين فقط من ذلك التاريخ عند 2.97 بالمئة. ومن ثم فإن معدل الفائدة الحالي، يعد في حد ذاته أعلى مستوى يحدث بعد يناير 2009 حينما صفّر المركزي الفوائد قصيرة الأجل.
وبذلك فإن متوسط الفوائد على الدولار، قد ارتفعت لما يقرب من نقطة كاملة خلال أسبوعين. وهذا يوضح أن النسبة تعتبر هي الأكبر سواء على أساس أسبوعي أو شهري منذ 2002.
المصارف التركية تعتقد أنها وجدت حلا لمسألة غلق أبواب الديون الخارجية في وجهها، من خلال زيادة فوائد ودائع العملات الصعبة قصيرة الأجل لديها، لكن هذا العلاج ستظهر أثاره الجانبية سريعا لأن قيمة الفائدة الشهرية على الليرة لا زالت عند مستوى 21 بالمئة.
العرب