أربيل (العراق)- بدأت الجمعة عملية التصويت الخاص لانتخاب برلمان إقليم كردستان العراق، وقد انطلقت عملية التصويت في الثامنة صباح الجمعة وستستمر حتى الساعة السادسة مساء.
ووفقا لقوانين وأنظمة المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والاستفتاء في إقليم كردستان يشترك في التصويت الخاص قوات البيشمركة وقوى الأمن الداخلي. وبحسب الأرقام التي أصدرتها المفوضية، فإن 170 ألف و468 شخصاً يحق لهم التصويت اليوم، يتوزعون على 93 مركزا انتخابيا في محافظات الإقليم الأربعة،وهى اربيل ودهوك والسليمانية وحلبجة.
وقال مسؤول دائرة الانتخابات في المفوضية، شيروان زرار إنه “من المقرر أن تجري الأحد، الانتخابات العامة لانتخاب برلمان جديد للإقليم الذي يتكون من 111 مقعدا، بمعدل 100 مقعدا عاما و11 مقعد حصة (كوتا)، بمعدل 5 للتركمان و5 للمسيحيين ومقعد واحد للأرمن، فيما سيتنافس 41 كيانا سياسيا يمثلهم 773 مرشحا على تلك المقاعد”.
وأشار إلى أن “فور انتهاء التصويت الخاص ستبدأ عملية فرز الأصوات بحضور ممثلي الكيانات السياسية، ولن يتم إعلانها انتظارا لانتهاء الانتخابات العامة”. ومن المتوقع أن تشهد الانتخابات المقبلة تنافسا شديدا بين الأحزاب الكردستانية وبالأخص بين القوتين الرئيسيتين الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني.
في أيلول 2017، صوت إقليم كردستان العراق في أجواء من البهجة من أجل استقلاله. ولكن بعد مرور عام، بات حلم الدولة بعيدا، فيما تثير الملصقات المتعلقة بالانتخابات التشريعية التي ستجري الأحد، غضب سكان أربيل، كبرى مدن الإقليم الشمالي.
ويقول عبدالله محمد وهو كهل متقاعد إن السياسيين “ينفقون المال بشكل جنوني لطباعة ملصقات حملاتهم. وحين يطلب المحتاجون المساعدة منهم، يقولون إننا نعيش أزمة وليست هناك أموال”. ويضيف الكهل الذي لف رأسه بكوفية سوداء وبيضاء، مشيرا بيده إلى ملصقات بألوان زاهية، “هذه الانتخابات لا تهمني”.
وقبل عام، كانت أعلام كردستان العراق الخضراء والبيضاء والحمراء التي تتوسطها شمس، تغطي الشوارع مع توافد الناخبين إلى صناديق الاقتراع للتصويت بغالبية ساحقة (93%) بـ”نعم” لاستقلال الإقليم الذي يتمتع بحكم ذاتي منذ العام 1991.
لكن بغداد رفضت الاستقلال باعتباره غير قانوني وضغطت عبر إقفال منافذ الإقليم وانتزاع عدد من مناطقه وموارده. ومنذ ذلك الحين، يسعى الأكراد إلى إعادة تحسين علاقاتهم مع بغداد بعد رؤية أحلام السيادة تنهار أمام أعينهم، إضافة إلى عائدات النفط. ولذا ينتخب الإقليم نوابه الأحد من دون حماسة كبيرة.
خطر
في السليمانية، ثاني أكبر مدن كردستان العراق، شرق أربيل، يقول أحمد بشدري إنه سيعطي صوته “لصالح أولئك الذين لا يعرضون كردستان للخطر”. وفي الخريف الماضي، تخوف البعض من الأسوأ. فبعد أقل من ثلاثة أسابيع على الاستفتاء، تقدمت المدرعات العسكرية التابعة للقوات الاتحادية العراقية في المناطق المتنازع عليها مع أربيل، والتي كان الأكراد سيطروا عليها بحكم الأمر الواقع، واستعادتها.
وفي محافظة كركوك الغنية بالنفط، والتي تعتبر عائداتها حيوية لتمويل حلم الدولة، انقسم الأكراد خلال الاستفتاء وبعده حول الموقف من بغداد، ما أظهر الفجوة بين الحزبين الكرديين الرئيسيين.
فمن جهة، كان محافظ المدينة المتعددة القوميات نجم الدين كريم يدعو إلى حمل السلاح، وفي الجهة الأخرى كانت قوات البشمركة الكردية تنسحب من دون قتال أمام القوات الحكومية بعد مفاوضات.
وقد اختار كريم السير على خطى الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مهندس الاستفتاء، الرئيس السابق للإقليم مسعود بارزاني، فضم كركوك إلى المناطق المشمولة بالاستفتاء. بينما كان أنصار الرئيس العراقي السابق جلال طالباني من الاتحاد الوطني الكردستاني يرفضون ذلك، وقد اتهمهم بارزاني بـ”الخيانة الوطنية العظمى”.
وبالنسبة إلى وحيد كردي، عضو البيشمركة السابق، فإن صوته سيتأثر أولا بوضع “الأكراد الذين يعانون في كركوك” والمناطق الأخرى المتنازع عليها.
ويقول كردي “بمجرد دخولهم إلى البرلمان، من الضروري ألا ينسى جميع النواب المناطق المتنازع عليها، والعمل على إعادتها ضمن حدود كردستان”. وسيؤثر هذا الموضوع، وخصوصا ما يتعلق منه بمداخيل صادرات النفط، على التصويت الأحد.
ويرى عادل بكوان، المدير العام لمركز كردستان لعلم الاجتماع في جامعة سوران قرب أربيل، أن حلم الدولة الذي لم يكتمل، يمثل “وضعا محبطا” لثلاثة ملايين شخص صوتوا لصالح الاستقلال في العام 2017.
ويقول بكوان “من خلال الظهور في المشهد كضحايا للنظام الدولي والإقليمي الذي لا يسمح للأكراد بدخول التاريخ من الباب الأمامي للدولة، يمكن أن يأمل الانفصاليون في الحصول على هذه الأصوات”.
وسبق للحزب الديمقراطي الكردستاني أن حصد بالفعل تلك الثمار خلال الانتخابات التشريعية العراقية العامة في مايو الماضي، وفاز “وحده بـ25 مقعدا” في البرلمان، ما يجعله “في وضع موقع الحزب الكردي الأول على نطاق العراق”، وفق بكوان.
ويقول المسؤول في الحزب بأربيل صبحي المندلاوي، إنه، بعد هذا الأداء في بغداد، “تشير كل الأدلة إلى أن الحزب الديمقراطي الكردستاني سيسيطر بل ويكتسح القوائم الأخرى” الأحد.
لكن سيطرة الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني على السياسة الكردية، يترافق أيضا بحسب بكوان، مع “استبعاد الأحزاب الصغيرة من اتخاذ القرارات السياسية الرئيسية”. وقد أدى ذلك إلى خلق أجواء “عدم ثقة” يمكن أن تؤدي على غرار انتخابات مايو، إلى عزوف عن المشاركة في التصويت.
ولا يتوقع محللون حصول أي تغيير في الخارطة السياسية للإقليم، بسبب عدم وجود أحزاب وتيارات سياسية جديدة مشاركة، باستثناء حركة “الجيل الجديد” التي تأسست بداية العام الحالي وتمكنت من الحصول على أربعة مقاعد في مجلس النواب العراقي في بغداد.
وفي هذا الإطار، يحذر عضو المجلس السياسي في حزب غوران (التغيير) عبد الرزاق شريف، من أن عدم المشاركة “سيمكن الحزب الديمقراطي الكردستاني من مواصلة السيطرة على مفاصل السلطة في كردستان”.
ويضيف شريف أن “غوران يدعو إلى مشاركة حقيقية للأكراد في الحكومة المركزية”، بعيدا عن القيادات الكردية التي استمرت في الاستفتاء رغم نصائح بغداد والمجتمع الدولي.
ويرى بشدري أن الوقت حان للتهدئة بعد مواجهة الاستفتاء. ويقول “على القادة في كردستان وبغداد، تقديم تنازلات حتى لا تؤثر صراعاتهم على حياة الناس البسطاء”.
العرب