في الوقت الذي من المقرر أن تجري فيه انتخابات إقليم كردستان العراق في 30 أيلول/سبتمبر، فإن أحد أهم الجهات الفاعلة، وغالبًا ما يتم تجاهله في الساحة السياسية مع استعداد الأكراد للتوجه إلى صناديق الاقتراع، هو الدور المتغير للحركة السياسية الإسلامية في حكومة إقليم كردستان. وفي حين أن الجهات الفاعلة المعتادة، ولا سيما “الحزب الديمقراطي الكردستاني” وحزب “الاتحاد الوطني الكردستاني” اللذان سيطرا على حكومة إقليم كردستان بشكل مشترك منذ عام 1991، سيواصلان الهيمنة في الانتخابات، يمثّل الموسم الانتخابي الحالي تحولاً في مشاركة السياسيين الإسلاميين في حركة المعارضة الأكبر التي تطورت في حكومة إقليم كردستان خلال العقد الماضي. لقد استقال العديد من السياسيين الإسلاميين البارزين من أحزابهم لإجراء تحالفات مع المعارضة العلمانية في إقليم كردستان، ما يوحي بأن المعارضة للوضع السياسي الراهن هي الآن أكثر أهمية لقادة الأحزاب الإسلامية من تقلّد مناصب سياسية محددة. ولهذه الشراكات الجديدة أيضًا انعكاسات هامة على مستقبل سياسات حكومة إقليم كردستان، حيث قد يتمكن تحالف معارض أكثر قوة على تعطيل جدول الأعمال البرلماني الحالي.
يعكس هذا التحول في الاستراتيجية التحديات التي واجهها “الاتحاد الاسلامي الكردستاني” و”الجماعة الإسلامية الكردستانية” – اللذان تأسسا في 1994 و2001 تباعًا – في الانتخابات الكردية. وتعتبر البرامج السياسية لكلا الحزبين إصلاحية. فإنها تشجّع الاستثمارات والتجارة الحرة بالإضافة إلى وضع حد للفساد والمحسوبية والتلاعب بالسلطة التي تميز المؤسسة الحاكمة الحالية. كما يشدّد الحزبان على سيادة القانون وانتخابات حرة ونزيهة وموثوقة، على أمل إقامة دولة إسلامية ذات مكونات ديمقراطية غربية. ومع ذلك، تكافح هذه البرامج السياسية للتنافس مع القاعدة الراسخة للأحزاب الكردية القديمة.
في حين سعى كل من “الاتحاد الاسلامي الكردستاني” و”الجماعة الإسلامية الكردستانية” مرارًا وتكرارًا إلى عزل كل من “الحزب الديمقراطي الكردستاني” وحزب “الاتحاد الوطني الكردستاني” نظرًا لأن كليهما متهمان بالفساد، وبسبب المحسوبية المنتشرة على نطاق واسع في كل صفقاتهما، وفشلهما في توفير الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه، وخسارة الأراضي المتنازع عليها ومن ضمنها المدينة الغنية بالنفط كركوك، غير أنه لم يلقَ أي من الحزبين تجاوبًا كبيرًا. ويشار إلى أن خلال الانتخابات السابقة في عام 2013، حصل كل من “الاتحاد الاسلامي الكردستاني” و”الجماعة الإسلامية الكردستانية” على 16 مقعدًا فقط من أصل 111 مقعدًا في برلمان كردستان.
يعتبر استمرار سيطرة “الحزب الديمقراطي الكردستاني” وحزب “الاتحاد الوطني الكردستاني” أحد العقبات الرئيسية أمام قدرة الأحزاب الإسلامية على تعبئة الناخبين. لقد أدّت محاولات “الاتحاد الاسلامي الكردستاني” و”الجماعة الإسلامية الكردستانية” السابقة في إقامة الشراكات مع الأحزاب القائمة إلى تثبيط عزيمة قاعدة الناخبين المحتملين تجاه المشاركة في الانتخابات، حيث كان لحزبيهما تأثير ضئيل في الائتلافات الأكبر. وفي المقابل، يواصل “الحزب الديمقراطي الكردستاني” وحزب “الاتحاد الوطني الكردستاني” تحفيز قاعدة الناخبين رغم الاتهامات بالفساد وسوء الإدارة الحكومية.
تمكّن “الحزب الديمقراطي الكردستاني” وحزب “الاتحاد الوطني الكردستاني” من الاعتماد على تاريخ مؤسسي مؤلف من قادة يتمتعون بشخصية ملهمة وآسرة والذين تربطهم روابط تاريخية بتأسيس حكومة إقليم كردستان. خلال الانتخابات، تعتمد الأحزاب على قواعدها الموالية وشبكات المحسوبية التي تستمر في حشد الدعم والأصوات بدلاً من جاذبية برامج السياسة المحددة. بالإضافة إلى ذلك، ساعد كل من التلاعب بقوات الأمن، والخطاب القومي، والادعاءات الواسعة النطاق بتزوير الانتخابات الحزبين على تأمين أغلبية المقاعد البرلمانية في الانتخابات الوطنية الأربعة الأخيرة.
ولكن، ثمة أقلية ملحوظة من السياسيين والناخبين الذين انفصلوا عن هاتين المجموعتين القائمتين ردًا على هذه الاتهامات، ومن بينها “حركة غوران”، المعروفة أيضًا باسم حركة التغيير، تأسست عام 2009 على يد الأمين العام السابق لـ”لاتحاد الوطني الكردستاني” نوشيروان مصطفى، وتمثّل اليوم أكبر حزب معارض علماني في كردستان العراق. كما أن “التحالف من أجل الديمقراطية والعدالة” الذي أسسه مؤخرًا عضو بارز أسبق في “الاتحاد الوطني الكردستاني”، برهم صالح، في عام 2017، لديه أجندة مماثلة تمامًا لأجندة غوران في ما يتعلق بالإيديولوجيا، مع التركيز على وجه التحديد على وقف الحكم غير الرشيد لـ”الحزب الديمقراطي الكردستاني” وحزب “الاتحاد الوطني الكردستاني” ووضع حد لسوء إدارتهما في المجال الاقتصادي. وفي الوقت الذي انضم فيه برهم صالح إلى حزب “الاتحاد الوطني الكردستاني” من أجل التنافس على منصب الرئاسة في العراق، لا يزال “التحالف من أجل الديمقراطية والعدالة” يخطط لعقد مؤتمر في المستقبل القريب لاختيار قيادة. وبينما يقاطع الائتلاف الانتخابات رسميًا، من المرجح أن تدعم التركيبة السكانية للمصوّتين الجماعات المعارضة الأخرى.
وخلافًا لضعف الأحزاب الإسلامية، قد يكون أمام كتلة المعارضة فرصة كبيرة بصفتها خيار ثالث موحد للناخبين المحبطين من حزبي “الاتحاد الوطني الكردستاني” و”الحزب الديمقراطي الكردستاني”. ونتيجة لذلك، انضم العديد من السياسيين الإسلاميين إلى المعارضة الأوسع رغم الإيديولوجية العلمانية الواضحة للأحزاب الأخرى. أمّا الشخصيات السياسية الإسلامية البارزة، التي تشمل العضو المؤسس لـ “الجماعة الإسلامية الكردستانية” آرام قادر، وعضو في “الاتحاد الاسلامي الكردستاني” وحاكم السليمانية هفال أبو بكر، والمرشح السابق لحزب “الاتحاد الوطني الكردستاني” للرئاسة محمد رؤوف، فأصبحت جميعها حاليًا أعضاء في المجلس التنفيذي لـ “التحالف من أجل الديمقراطية والعدالة”. وفي الواقع، عندما ينتخب “التحالف من أجل الديمقراطية والعدالة” زعيمه الجديد، سيتولى آرام قادر أو محمد رؤوف قيادة الحزب.
كما أنّ تزايد مخاوف التكتلين بشأن الاحتيال الانتخابي قد مهّد الطريق أمام المزيد من الشراكات المؤسسية. ففي الانتخابات الوطنية الأخيرة التي عقدت في أيار/مايو، انضمت الأحزاب الإسلامية إلى أحزاب المعارضة الكردية الأخرى لرفض النتائج الإلكترونية لمنطقة كردستان علانية بعد اتهام “الحزب الديمقراطي الكردستاني” وحزب “الاتحاد الوطني الكردستاني” بتزوير الانتخابات. ومنذ ذلك الحين، شكّل كل من “الاتحاد الاسلامي الكردستاني” و”الجماعة الإسلامية الكردستانية” ائتلافًا مع ممثلي “التحالف من أجل الديمقراطية والعدالة” و”حركة غوران” في البرلمان الفيدرالي العراقي، ما يشير إلى التزامهم بالعمل معًا بشكل وثيق في برلمان حكومة إقليم كردستان أيضًا.
على الرغم من أن هذا التحول نحو التوحيد مع المعارضة الكردية الأوسع يمثل تكتيكًا جديدًا للأحزاب الإسلامية، إلا أن التحالف مع “حركة غوران” و”التحالف من أجل الديمقراطية والعدالة” تعتريه الحنكة السياسية. فإنه يمنح الأحزاب الإسلامية ما تسعى إليه: فرصة الحصول على بعض مقاييس السلطة في الحكومة. تتشارك الأحزاب الإسلامية والعلمانية المعارضة على حد سواء عددًا من أهداف السياسة، ومن بينها الإصلاح الاقتصادي – من خلال تأميم قطاع النفط في المنطقة، وكفالة سيادة حكم القانون، وإيجاد فرص عمل، وتحقيق الاستقرار في النظام المصرفي. وتجدر الإشارة إلى أن أحزاب المعارضة كلها تدعم إعادة توحيد قوات الأمن، المنقسمة حاليًا لأنها خاضعة لسيطرة “الحزب الديمقراطي الكردستاني” وحزب “الاتحاد الوطني الكردستاني” الكاملة بدلاً من حكومة إقليم كردستان ككل.
كما يرغب الناخبون بشكل كبير نسبيًا في ضمّ السياسيين الذين يدعمون هذه البرامج السياسية إلى البرلمان. فقد ازداد الدعم للمعارضة العلمانية منذ الانتخابات الإقليمية السابقة جراء مشاعر الإحباط المتراكمة التي تسبب بها الحكم في المنطقة، بما في ذلك الانكماش الاقتصادي والنتائج الكارثية للاستفتاء الكردي في عام 2017. وسيؤدي هذا التحالف غير الرسمي في جميع الأحوال إلى زيادة نسبة مشاركة قاعدة ناخبين كل من “الاتحاد الاسلامي الكردستاني” و”الجماعة الإسلامية الكردستانية” في التصويت لمرشحيهم إذا رأوا أن السياسيين يتمتعون بالقوة الكافية لإحداث تغيير.
علاوة على ذلك، فإن دور السياسيين الإسلاميين في حزبي المعارضة العلمانيين يعود بالفائدة على الجميع. من جهة، أظهر الإسلاميون الذين انضموا إلى أحزاب المعارضة أنهم يساعدون في جلب تركيبة سكانية جديدة للناخبين للمعارضة. على سبيل المثال، عندما ترأس هفال أبو بكر قائمة “حركة غوران” في الانتخابات الإقليمية عام 2014، حصل الحزب على أكثر من 240000 صوت. من جهة أخرى، ساعدت روابط كل من “الاتحاد الاسلامي الكردستاني” و”الجماعة الإسلامية الكردستانية” مع “حركة غروان” و”التحالف من أجل الديمقراطية والعدالة” الإسلاميين على تعزيز الدور الذي يؤدونه في تشكيل الشؤون السياسية، حيث باتوا يشكلون جزءًا أكبر من المعارضة الكلية ولديهم القدرة على تشكيل بعض عناصر السياسات التي اقترحتها المعارضة.
في الواقع، فإن اندماج المعارضة في حزب واحد، تحت راية “غوران” كأكبر حزب معارض، هو النتيجة الأكثر فائدة على المدى الطويل لمعارضة حكومة إقليم كردستان. ومن خلال ضمان عدم انقسام قرار الناخبين المهتمين بالدعم وتفريق أصواتهم بين الأحزاب، فإن كتلة المعارضة الموحدة المستقبلية هي التكوين السياسي الأكثر احتمالاً لخلق تغيير جوهري في ديناميكيات السياسة الإقليمية الكردية. ومع ذلك، إنّ هذا الاندماج ليس منقوشًا على الصخر- ففي هذه الدورة الانتخابية، حصل حزب جديد للمعارضة، تحت اسم “الجيل الجديد”، على أربعة مقاعد في الانتخابات الوطنية. لا تربط أحزاب المعارضة الثلاث بعد أي علاقة بـ “الجيل الجديد”، وتزعم أن هذه الجماعة الجديدة “تم إنشاؤها” من قبل السياسيين في “الحزب الديمقراطي الكردستاني” وحزب “الاتحاد الوطني الكردستاني” من أجل تقسيم المعارضة، وليس واضحًا ما إذا كان هذا النقص في الثقة سيتلاشى في المستقبل أم سيشتدّ.
ومع ذلك، يوضح “الاتحاد الاسلامي الكردستاني” و”الجماعة الإسلامية الكردستانية” فوائد الاستراتيجية السياسية التي تقوم على تهميش سمات معينة من أيديولوجيتهما السياسية لكي يصبحا جهتين فاعلتين أكثر فاعلية في حركة المعارضة الكردستانية العراقية. ومن الجدير أن نولي اهتمامًا خاصًا لحملتهما الانتخابية عندما يبدأ المراقبون السياسيون بتحليل النتائج الانتخابات المقبلة لبرلمان حكومة إقليم كردستان.
معهد واشنطن