اياد العناز
مسار المفاوضات الأمريكية الإيرانية بدأ يتضح أكثر وبدأت ملامح الخط البياني في تصاعد يتيح للمتابع أن يستنتج حالة ميدانية تتمثل في الاصرار الأمريكي على معالجة البرنامج النووي الإيراني عبر عدة مراحل بتفكيكه أو تخفيض نسبة تخصيب اليورانيوم وإعادتها إلى وضعها الطبيعي الذي تم الاتفاق عليه في تموز 2015 ثم معالجة الأمور الأخرى التي تتعلق ببرنامج الصورايخ البالستية والنفوذ السياسي الإقليمي الإيراني في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي.
لا يمكن للجانب الإيراني أن يسعى لجولة ثالثة تتخللها اجتماعات لطواقم فنية ثنائية ( أمريكية إيرانية) تتحدد فيها العوالم التقنية والعلمية في كيفية التعامل مع البرنامج النووي ووضع خطط ومسارات دقيقة تكون معالم للمفاوضيين السياسيين في نجاح مهمتهم في جولات الحوار القائمة المستمرة، تحقق للمفاوض الإيراني رفع العقوبات والحفاظ على النظام وتماسك الداخل وبقائه واستمرار موقعه الدولي والإقليمي.
هناك العديد من الأمور التي افصحت عنها جولتي الحوار ومنها ما كان غير متعارف عليه في العلاقات الأمريكية الإيرانية، فالعرض الإيراني الذي قدمته إيران على لسان الرئيس مسعود بزشكيان بفتح الأسواق الإيرانية أمام الاستثمارات الاقتصادية الأميركية والتي رأي فيها داعم أساسي في نجاح المفاوضات وفسح المجال لوزير الخارجية عباس عراقجي للمناورة وكسب أدوات الإستمرار وأقناع الجانب الأمريكي بايجابية الطروحات الإيرانية، رغم أن هناك عائق كبير تريد القيادة الإيرانية تخطيه وإيجاد مبررات حقيقية للابتعاد عنه وهي وصية الخميني بعدم إقامة علاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وهناك جانب مهم يتعلق بالكميات الكبيرة من المواد المخصبة بنسبة 60٪ وأكثر مع وجود عملية خزن واسعة لأجهزة الطرد المركزي المتطورة بواقع (4) الآف وحدة وفي مواقع مختلفة، وهذا ما يجعل عملية متابعتها والتأكد منها تحتاج لوقت معلوم ونشاط وتواجد لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وعملية تخصيب اليورانيوم تعتبر جوهر البرنامج النووي الإيراني ومعلوم أن هناك موقعين مهمين هما ( منشأة تخصيب الوقود في نطنز الواقعة على عمق ثلاثة طوابق تحت الارض ومنشأة فوردو الواقعة في عمق أحد الجبال)، واختيار هذه الأماكن هي ضمن التحولات الأمنية التي سعت إليها
إيران للحفاظ على مخزونها من الأدوات والوسائل الفاعلة في برنامجها النووي.
أن عملية تحصين المنشأت النووية الإيرانية كانت من الأسس والمرتكزات التي اتبعتها الأجهزة الأمنية والاستخبارية حماية للجهد العلمي والتطور التكنلوجيي الذي وصل إليه العلماء العاملين في البرنامج النووي، والتي لا تعلم جزءًا منها الوكالة الدولية للطاقة الذرية وهي الهيئة الرقابية التابعة للأمم المتحدة من عمليات احتفاظ للمعدات الحيوية لقطع الغيار الخاصة بأجهزة الطرد المركزي الداخلة في عملية تخصيب اليورانيوم، ولهذا فإن عملية تدمير لهذه المنشأت ستبقي الخبرة المتقدمة التي وصلت إليها إيران في تخصيب اليورانيوم.
تدرك الإدارة الأميركية أنها قادرة على عرقلة حركة وإنتاج الوقود النووي ومستلزمات القنبلة الذرية ولكنها من المستبعد تدميرها بشكل كامل، وإمكانية الرد الإيراني قائمة عبر تحصين منشأتها وتوسيع دائرة العمل في تخصيب اليورانيوم، ولكنها في الوقت نفسه تعلم إيران أن القدرة العسكرية التي تمتلكها المؤسسة العسكرية الأميركية قادرة على ضرب الأهداف النووية باستخدام القنابل الخارقة للتحصينات وهي التي تزن الواحدة منها (14) ألف كغم ويمكن إطلاقها عبر قاذفات ( بي – 2) والتي تم نقلها مؤخرًا من قاعدة دييغو غارسيا في المحيط الهندي.
أمام هذه الوقائع فإن إيران تبدي استعدادها للدخول في مفاوضات جادة وفاعلة للتوصل لاتفاق يرضى طموحاتها في سياسية البقاء والتأثير مع مراعاة الالتزام بالشروط الأمريكية وأن ما تقوم به ليس حالة من التكتيك السياسي بل المرونة في الحوار الذي يحفظ لها كيانها وتعتبره خياراً استراتيجيًا وتحاول الابتعاد عن التفكير بأي حل عسكري وإنما اعتماد مبدأ المسار السياسي في الحوار وتدعيم حالة التماسك والثبات لدى رأي المفاوض الذي يحظى بتأييد من المرشد الأعلى علي خامنئي.
ورغم استمرار العقوبات التي تفرضها وزارة الخزانة الأمريكية على جماعات وكيانات إيرانية أو التي تتعامل معها و التي أعلن عنها وزير الخزانة بقوله (أي مصفاة أو شركة أو وسيط يختار شراء النفط الإيراني سيعرض نفسه لخطر جسيم)، إلا أن الجانب الإيراني لايزال ملتزمًا وموافقًا على عقد جولات المفاوضات لأنه يقرأ جيدًا الأوضاع الاقتصادية التي يمر بها نتيجة التأثيرات الفاعلة التي أحدثتها العقوبات الأمريكية والأوروبية ضمن سياسة ( الضغط الأقصى) مع استمرار حالة الاضطرابات والاحتجاجات التي تعصف بالمجتمع الإيراني بسبب ارتفاع تكاليف الأوضاع المعيشية وسوء الإدارة الاقتصادية وتعاظم الأزمات الاجتماعية وتزايد نسب التضخم المالي والبطالة في صفوف الشباب الإيراني، وهي الأوضاع التي تجعل إيران تقبل بالشروط الأمريكية وتبتعد عن المواجهة العسكرية التي سوف لا تكون في صالحها وان الإستمرار في المفاوضات هو القرار السليم.
ستبدأ الجولة الثالثة بعد أيام وإيران أكثر استعدادًا للتعامل مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مراعاة للتراكم الكمي الذي احدثته العقوبات الاقتصادية وتلافي الأخطار الجسيمة التي من الممكن استخدامها من قبل ( فرنسا وبريطانيا وألمانيا) بتفعيل آلية الزناد قبل شهر تشرين الأول 2025 وهو البند الذي اتفق عليه في مجلس الأمن الدولي عند توقيع الاتفاق الخاص بالبرنامج النووي الإيراني في تموز 2015 في حالة غياب أي حل سلمي وامتناع إيران عن الالتزام بعملية تخصيب اليورانيوم وإنتاج المواد الانشطارية وخزن الطرود المركزية والتي تمكن إيران صناعة راس حربي نووي مع صنع أسلحة متطورة متعددة، ومهما حاولت روسيا والصين استخدام حق النقض في مجلس الأمن، فإنها سوف لا تتمكن من تحقيق غرضها بسبب الفقرة الواضحة التي وردت في الاتفاق النووي بضرورة التزام إيران والا فإنها تتعرض إلى إعادة تعويم العقوبات الاقتصادية مرة أخرى وفرض القيود عليها التي أقرت سنة 2015.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة