الجزائر – تواصل مؤسسة الرئاسة في الجزائر صمتها تجاه التوتر الذي يشهده البرلمان ولم تتدخل إلى غاية مساء الاثنين، للحسم في قضية الضغوط التي يتعرض لها رئيس البرلمان سعيد بوحجة، من طرف الكتل النيابية التابعة لأحزاب الموالاة، من أجل الاستقالة استجابة لما أسمته عريضة سحب الثقة، بـ”استحالة العمل بين النواب ورئيس البرلمان”.
ولم يُفض اللقاء الذي جمع مساء الأحد بين سعيد بوحجة ورؤساء الكتل النيابية، إلى أي نتيجة تذكر. وفيما أكد رئيس كتلة حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم معاذ بوشارب، على أن الرجل على وشك الاستقالة من منصبه، فإن رئيس البرلمان شدد على أنه غير ملزم بالعريضة وأن قرار الاستقالة أو التثبيت هو بيد مؤسسة الرئاسة وأنه باق في منصبه لوقت آخر.
وطرح صمت الرئاسة استفهامات عميقة حول عدم انحيازها لأي طرف، رغم أن المسألة تتعلق بجهات موالية لها. وإذ يزعم أمين عام جبهة التحرير الوطني جمال ولد عباس، أن ولاءه ودعمه للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، ويضع رئاسة الحزب ضمن صلاحياته، فإن رئيس البرلمان هو شخصية محسوبة على جيل ثورة التحرير وقيادي ومسؤول سابق في نفس الحزب، ولم يتوان في دعم بوتفليقة هو الآخر.
وهو ما يفتح المجال أمام سيناريو الدفع بالوضع داخل الهيئة التشريعية إلى المزيد من التعقيد والتأزم، من أجل اكتمال أركان حجة الذهاب إلى حل البرلمان وإقناع الرأي العام، بإقرار انتخابات تشريعية، تعيد ترتيب الأجندة السياسية في البلاد.
وفي هذا الاحتمال يتم إرجاء الانتخابات الرئاسية إلى موعد لاحق، يسمح لبوتفليقة بالاستمرار في منصبه، بما يتواءم مع تصريح سابق لجمال ولد عباس، قال خلاله “أتحدث عن استمرار بوتفليقة في السلطة وليس الذهاب إلى عهدة خامسة”.
ويذهب متابعون للشأن الجزائري، إلى أن غياب سلطة التحكيم بسبب الظروف الصحية للرئيس بوتفليقة، أفضى إلى استلهام مؤسسات الدولة والمسؤولين الكبار في الدولة، لقراراتهم من القوى المحيطة بالرئيس وليس من الرئيس نفسه، ولذلك تأتي متضاربة وغير متجانسة، بسبب الخلافات المستشرية داخلها، وتورط البلاد في أزمات وجدالات هامشية.
حديث ولد عباس عن استمرار بوتفليقة في السلطة ونفي الولاية الخامسة يدعم فرضية تأجيل الانتخابات الرئاسية
ويستبعد الخبير القانوني عامر رخيلة، إمكانية الذهاب إلى خيار حل البرلمان، بسبب ما يراه “عدم توافر الأسباب والمبررات”، وأن الخطوة تتطلب استشارات مع رئيس البرلمان نفسه، ورئيس الغرفة الثانية (مجلس الأمة)، ورئيس المجلس الدستوري، وتنظيم ذلك في ظرف ثلاثة أشهر من إعلان القرار.
لكن القراءات السياسية لا ترى مانعا في ذلك، لأن الاستشارات ليست مانعا ولا التنظيم عائقا، وأن مفردة جمال ولد عباس، “استمرار بوتفليقة في السلطة وليس عهدة خامسة”، تحمل في ثناياها هذا الخيار.
وكان أمين عام الحزب الحاكم، قد استدعى أعضاء المكتب السياسي (أعلى هيئة في الحزب)، إلى الاجتماع في مقر الحزب مساء الاثنين، للنظر في التطورات الأخيرة المتصلة بأزمة البرلمان، وبنتائج اللقاء الذي جمع رؤساء الكتل النيابية الخمس، التي التقت مساء الأحد، برئيس المجلس الشعبي الوطني سعيد بوحجة، لاطلاعه برغبة الأغلبية النيابية في استقالته من منصبه.
وأكد رئيس البرلمان أمس الأول، بأن “مبررات رؤساء الكتل في مطب الاستقالة والحديث عن عريضة موقعة من طرف 320 نائبا، تفتقد للمنطق”.
وأضاف “مسألة التوظيف والمهام الخارجية وسوء التسيير أو الفوضى، ليس لها صلة بشخصي، بل تتعلق بشخص الأمين العام للهيئة بشير سليماني الذي قررت إقالته من منصبه، كما أن رؤساء الكتل لم يطلعوني على عريضة التوقيعات لأرى أسماء النواب الذين أمضوا عليها “.
وتابع “لست متسرعا ولا أشعر بأي ضغط وأنا أنتظر لكي أرى إن أقلت أو استقلت”، في إشارة إلى موقف مؤسسة الرئاسة من الوضع ومن التطورات، لا سيما وأنه يرى بأن مسألة “التعيين في رئاسة الغرفة البرلمانية كانت من طرف الرئاسة والرحيل يعود إليها، وليس إلى الحزب الذي انتمي إليه والتزم بالانضباط والوفاء له”.
وكانت الكتل النيابية الخمس التابعة لكل من حزب جبهة التحرير الوطني، التجمع الوطني الديمقراطي، تجمع أمل الجزائر، الحركة الشعبية الجزائرية،
والمستقلين، قد أعلنوا ساعات بعد لقاء رؤساء الكتل بسعد بوحجة، عن تجميد أشغال البرلمان، في خطوة لتصعيد الموقف وممارسة المزيد من الضغط على رئيس الهيئة.
وفيما تتكتل القوى السياسية الموالية للسلطة في جبهة إسقاط رئيس البرلمان، تواصل الكتل التابعة لأحزاب المعارضة داخل البرلمان، متابعة الأوضاع عن كثب، ولم تبد إلى حد الآن موقفا رسميا من التطورات المسجلة، وأدرجت المسألة في المخاض الداخلي للسلطة.
واكتفى النائب لخضر بن خلاف، عن جبهة العدالة والتنمية، بالحديث عن عدم شرعية عريضة سحب الثقة، لأنها تتنافى مع نص القانون التنظيمي والدستور، بينما اعتبرها عبدالرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم، معركة هامشية تترجم عمق الأزمة التي تتخبط فيها مؤسسات الدولة.
العرب