طرح تسارع التطورات السياسية في العراق، أسئلة كثيرة، بشأن نجاح أي من طهران أو واشنطن، في فرض رؤيتها على التركيبة الجديدة، التي باتت تضم برهم صالح رئيسا للجمهورية، وعادل عبدالمهدي، مكلفا بتشكيل الحكومة الجديدة.
ولم يكن أكثر العراقيين تفاؤلا، يتوقع أن يجري انتخاب رئيس للبلاد، وتكليف مرشح بتشكيل الحكومة بهذه السرعة، إذ تمت هاتان العمليتان في غضون ساعات قليلة، لتتحول البلاد من أجواء القلق التي تصاحب انتقال السلطة، إلى الاستفهام عن المرشحين لعضوية الكابينة الجديدة.
وبدا أن برهم صالح اشتبك في جدل حادّ مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، بعدما رفض طلب الولايات المتحدة الانسحاب من سباق المنافسة على منصب رئيس الجمهورية لصالح فؤاد حسين، المرشح المدعوم من قبل زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني.
وتسربت أنباء تلفت إلى أن صالح، ردا على الطلب الذي نقله بومبيو، أشار إلى أن “هذا شأن عراقي”.
لكن بريت مكغورك، المبعوث الخاص من قبل الرئيس دونالد ترامب إلى التحالف الدولي، سارع إلى تهنئة صالح بعد إعلان فوزه من قبل مجلس النواب، مؤكدا أن “الرئيس العراقي صديق قديم”.
ولم تمض سوى لحظات حتى نشر مكغورك على حسابه في “تويتر” صورة بدا أنها التقطت حديثا، تجمعه ببرهم صالح وهما يتصافحان، مشيرا إلى أن وزير الخارجية الأميركي طلب منه نقل تهنئة الولايات المتحدة إلى صالح بمناسبة انتخابه رئيسا للعراق.
وتقول المصادر إن الولايات المتحدة دعمت رغبة البارزاني في حصول حزبه على منصب رئيس الجمهورية، لكن تمسك الاتحاد الوطني الكردستاني بالمنصب والمرشح له حال دون ذلك.
ووفقا للمصادر فإن “واشنطن حريصة على بقاء البارزاني قويا بوصفه شريكا موثوقا للولايات المتحدة، بالرغم من التوتر الذي شاب علاقة الطرفين عقب استفتاء الانفصال الذي رعاه الزعيم الكردي، في سبتمبر من العام الماضي”.
وعليه، لن تسمح واشنطن، بحسب المصادر، “بإضعاف شريكها القوي في أربيل، وستحرص على دعمه في مفاوضات توزيع الحقائب الوزارية، خلال تشكيل حكومة عادل عبدالمهدي”، بالرغم من توقعات مراقبين بأن البارزاني ربما يتخذ موقفا متصلبا من أي مبادرة لإعادته إلى طاولة الحوار، عقب خسارة حزبه منصب رئيس الجمهورية.
وتتريث الأوساط السياسية العراقية في الكشف عن أي مؤشرات بشأن أعضاء الكابينة الوزارية، لكن مراقبين يقولون إن عبدالمهدي، وهو مرشح توافقي، ربما يضطر إلى استرضاء الكتل السياسية الكبيرة، بمنحها مقاعد مؤثرة في الحكومة.
وبخلاف ما جرت عليه العادة سابقا في المرشحين لتشكيل الحكومات منذ 2006، يفتقر عبدالمهدي لغطاء سياسي يحميه من مبالغة بعض الأطراف السياسية في مطالبها لدعم تشكيلته التي يفرض الدستور عرضها على البرلمان في غضون شهر واحد.
ويخشى عبدالمهدي أن تؤدي رغبته في الحفاظ على التوازن السياسي القلق، الذي قاده إلى هذا الموقع، إلى إنتاج تركيبة ضعيفة لحكومته الجديدة، نظرا للضغوط التي ينتظر أن يمارسها عليه الفائزون الكبار في الانتخابات العامة، بشأن الحصص التي يريدونها في كابينته.
ولكن مراقبين يقولون إن ما تسرب عن تبني مقتدى الصدر، الزعيم الشيعي الصلب، لترشيح عبدالمهدي إلى هذا الموقع، ربما يشكل ضمانة لرئيس الحكومة المكلف بشأن حمايته من الضغوط الحزبية، لا سيما مع رغبة الصدر المعلنة في تشكيل حكومة جديدة، بعيدا عن الانتماءات السياسية.
ويقول سياسيون عراقيون إن “وجود الصدر في معادلة إنتاج عبدالمهدي، ربما يمنحه فرصة واضحة في تشكيل حكومته، بالحد الأدنى من الضغوط الأميركية والإيرانية”.
وتوترت علاقة الصدر بإيران كثيرا خلال الأعوام القليلة الماضية، كما أنه يحرص على رفع شعار مقاومة النفوذ الأميركي في العراق. لذلك يقول مراقبون إن عبدالمهدي قد يجد غطاء مثاليا في الصدر لضمان حدّ مقبول من الحرية في العمل، خلال الأعوام الأربعة القادمة.
لكن إيران، التي قبلت ترشيح عبدالمهدي على مضض، لديها مهمة استراتيجية تريد من رئيس الحكومة الجديد ضمان تنفيذها، وهي العمل على إقناع الولايات المتحدة باستثناء بغداد من قائمة العواصم الملزمة بتطبيق العقوبات الأميركية ضد طهران.
وسبق لعبدالمهدي أن أعلن في أغسطس الماضي، موقفا مناهضا للعقوبات الأميركية على إيران، مشيرا إلى أنها ستسبب ضررا بالغا لاقتصاد بلاده.
ولكن عبدالمهدي، وهو سياسي محنك، سبق له أن تقلب في أطواره الفكرية بين اليسار والقومية والإسلام السياسي، ربما يستثمر علاقاته العميقة بالولايات المتحدة ودول أوروبية، في مقدمتها فرنسا، لصياغة نوع من التوازن في علاقات واشنطن وطهران داخل العراق.
العرب