بعد أسبوعين من اتفاق «سوتشي» الروسي – التركي سمح بإرجاء هجوم كان النظام السوري ينوي شنه على محافظة إدلب، لا تزال شروط الاتفاق غامضة ولم يتبدل شيء على الأرض في آخر معقل للفصائل المعارضة والجهادية في سوريا، بينما يضع الاتفاق موسكو أمام امتحان المصداقية في تطبيق اتفاق سوتشي وكذلك الأتراك.
وكان أكد كثير من المحللين أن اتفاق سوتشي حقق نجاحاً سياسياً إلى سجل العلاقات التركية الروسية، التي شهدت في السنوات الأخيرة تطوراً لافتاً فاق جميع التوقعات حيث نجح في تجنيب إدلب كارثة إنسانية كبيرة، تتويجاً للنمو المطرد للعلاقات بين البلدين، وثمرة للثقة المتبادلة بين الرئيسين اردوغان وبوتين. إذ أن موجة نزوح فيما لو حدثت، كانت كفيلة بإحداث أزمة كبيرة لدول الاتحاد الأوروبي.
وينص الاتفاق الروسي التركي الذي تم التوصل اليه في مدينة سوتشي الروسية على إقامة منطقة منزوعة السلاح بعمق 15 إلى 20 كيلومتراً على خطوط التماس بين قوات النظام وفصائل المعارضة عند أطراف إدلب وأجزاء من ريف حماة الشمالي وريف حلب الغربي وريف اللاذقية الشمالي.
«لا تقدم»
يقول الباحث في معهد تشاتام هاوس حايد حايد «على الأرض الآن بشكل أساسي، ليس هناك اي تحرك، ليس هناك تسليم أي مناطق او سلاح». وما يجري الآن عملياً هو تفاوض واجتماعات ونقاش بين روسيا وتركيا والفصائل المقاتلة لبحث تفاصيل بنود الاتفاق وانضمام الجهاديين اليه. وثمة تساؤلات عدة تتصل بمكان انشاء المنطقة العازلة ومن سيقوم بمراقبتها، وعما اذا كانت الفصائل ستنقل اسلحتها الثقيلة إلى مناطق اخرى تابعة لها ام ستسلمها لانقرة. ولدى التوصل إلى تسوية لهذه المسائل سيتم التنفيذ سريعاً، حسب حايد. واضاف «اعتقد انه سيتم تطبيق الاتفاق في موعده لكن مع بعض التعديلات».
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب اردوغان أعلنا، عقب قمة ثنائية جمعتهما في منتجع سوتشي، الاتفاق على إقامة «منطقة منزوعة السلاح» في إدلب. ورحبت القوى الكبرى والأمم المتحدة بالاتفاق معربة عن أملها بتجنب كارثة إنسانية غير مسبوقة في محافظة إدلب. ولم يتم اعلان تفاصيل الاتفاق باستثناء المهل المحددة لتطبيقه.واشار حايد إلى وجود إحتمالين «الأول ان روسيا وتركيا اتفقتا على كل التفاصيل لكنهما لم تعلناها. والاحتمال الثاني هو انهما اتفقتا على الخطوط العريضة لكن بدون تفاصيل» ما يسمح لأنقرة بتفكيك العقد مع الفصائل المقاتلة في إدلب.
واعلن بوتين الاربعاء ان موسكو لا تزال «تعمل بالتعاون مع تركيا» حول إدلب. واضاف «إننا نجد أنهم جادون وسيفون بالتزاماتهم». وتحدث الرئيس الروسي بعد ساعات من دخول رتل عسكري تركي جديد إلى مناطق سيطرة الفصائل المعارضة في شمال غرب سوريا وتمركزه في نقاط مراقبة في المنطقة.
وينص الاتفاق على ان تتولى تركيا المحاذية حدودها لمحافظة ادلب والتي تدعم الفصائل المقاتلة منذ اندلاع النزاع السوري في 2011 العمل على تنفيذ بنود الاتفاق. لكن الصعوبة تكمن في اقناع الجهاديين وبينهم «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً) بالقبول بالاتفاق. وتسيطر هيئة تحرير الشام ومجموعات جهادية أخرى أقل نفوذاً منها، على نحو 70 في المئة من المنطقة العازلة المرتقبة، وفق المرصد.ولم تعلن هيئة تحرير الشام حتى الان موقفاً من الاتفاق ما يشير إلى انها قد تكون تتفاوض مع تركيا للحصول على شروط افضل. ولفت حايد إلى ان «عدم ورود اي نبأ قد يكون إيجابيا أكثر منه سلبياً»، مضيفاً «هذه المنطقة مهمة جداً لهيئة تحرير الشام، فيها فوائد اقتصادية وهي تضمن استمرارية الهيئة. اذا سلّمت هذه المنطقة، ماذا يبقى لها؟ «.
النظام يراهن على فشل الاتفاق
لكن موسكو اتهمت هيئة تحرير الشام و»مقاتلين متشددين» بمحاولة تقويض الاتفاق. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا الخميس «انهم يخشون ان يجدوا أنفسهم معزولين نتيجة الاتفاق الروسي التركي، ويرتكبون كل أنواع الاستفزازات ما يزيد من تفاقم الوضع». كما تجري انقرة محادثات مع فصائل مقاتلة اخرى تعارض بنوداً في الاتفاق. ورفضت الجبهة الوطنية للتحرير التي سبق ان اعلنت ترحيبها بالاتفاق، أي وجود روسي في المنطقة العازلة والتي اعلن بوتين ان الشرطة العسكرية الروسية والقوات التركية ستسير دوريات فيها. وقال المتحدث باسم الجبهة الوطنية للتحرير ناجي مصطفى لوكالة فرانس برس «ليس هناك اي تقدم في الاتفاق الا في موضوع الدوريات التي ستكون من الجانب التركي فقط». واضاف «بالنسبة إلى المنطقة المنزوعة السلاح، لا يوجد لدينا سلاح ثقيل في المنطقة». وتخشى فصائل مقاتلة اخرى ان يؤدي الاتفاق إلى خسارتها آخر معاقلها. ورفض فصيل «جيش العزة»، المدعوم سابقا من واشنطن، الاتفاق معتبرا انه يقضم الاراضي التي يسيطر عليها وطالب بان تشمل المنطقة العازلة المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري ايضاً.
في لقائه مع قناة روسيا أمس في مقر الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، قال وزير خارجية نظام الأسد وليد المعلم :»من حق سوريا أن تستخدم السبل كافة لاستعادة إدلب سواء بالمصالحة أو غيرها .. اتفاق المنطقة العازلة في إدلب بدأ تنفيذه في سوريا وما زلنا نفضل الحل سلمياً… الحل في إدلب ممكن وتركيا تعرف جيداً هوية المسلحين المتواجدين هناك». ويرى وليد المعلم أن مدة تنفيذ اتفاق سوتشي لا تتعدى الشهرين، حيث سيكون بعدها عملية تحرير إدلب من الإرهابيين، ويرى أنه من حق الدولة، يقصد بها نظامه، استعادتها. من الواضح أن المعلم، يراهن على تمرد بعض عناصر تنظيم القاعدة، الذين وظفهم نظامه أكثر من مرة، لكي يعطوه ذريعة التنصل من تنفيذ بنود اتفاق سوتشي.
انعكاسات حادثة الطائرة الروسية
وليس خافياً على أحد أن الإيرانيين ومعهم نظام الأسد، قد يراهنون على فشل تركيا في تفكيك جبهة النصرة، وإخراج عناصرها الأجانب من غير السوريين من إدلب. وبالتالي سوف تبقى ذريعة التدخل العسكري والحسم العسكري قائمة. لكن ما هو معلوم بالضرورة، أن عملية إخراج المقاتلين الأجانب من إدلب تحتاج نوايا صادقة من الدول المعنية أولاً، ثم تعاون تلك الدول بتحملها المسؤولية في ايجاد مخرج لهؤلاء، لأن قضيتهم تمس أمن دول كثيرة بشكل مباشر، فإلقاء المسؤولية والحمل كاملاً على تركيا، فضلاً عن كونه غير أخلاقي، فإنه يقوض الاتفاقات والتفاهمات برمتها.
أما الاجماع الدولي الذي حظي به اتفاق سوتشي – حتى إيران ونظام الأسد عبرا عن ترحيبهما بهذا الاتفاق – فلا يعني أن جميع الأطراف سوف تقوم بما يلزم من أجل إنجاحه. فهناك دول وأطراف، برغم ترحيبها بالاتفاق قولاً، فقد سعت إلى تعطيل تطبيقه أو/ وتفريغه من مضمونه. ولا يمكن بحال فصل حادثة إسقاط الطائرة الروسية قبالة الساحل السورية عن اتفاق سوتشي. إذ حمل إسقاطها بهذا التوقيت تحديداً، وتزامناً مع الاتفاق تقريباً، رسائل متعددة، سواء باختيار الهدف نفسه، طائرة قيادة واستطلاع، فيها طاقم قيادة عسكري، وليس مجرد طائرة حربية، أو بالطريقة التي تمت بها اسقاط الطائرة. وكان المطلوب/ المتوقع من بوتين، ردة فعل غاضبة تقلب الأمور رأساً على عقب. لكن ذلك لم يحدث، لأن خيارات موسكو محدودة.
وحتى هذه اللحظة، لا يمكن القول بأن الطرف الروسي أدى دوره وأوفى بالتزاماته فخير دليل على ذلك تصريحات وليد المعلم، التي أعلنت المعلوم، وفضحت عدم التزام نظام الأسد ببنود اتفاق سوتشي. ومسؤولية عدم قبول نظام الأسد بمخرجات اتفاق سوتشي، ومحاولاته التملص من تطبيقها، تقع على عاتق الروس بشكل كامل. إذ يتوجب عليهم القيام بدورهم كضامن لهذا الاتفاق الذي تبناه مجلس الأمن والأمم المتحدة، بإلزام نظام الأسد بتطبيق مخرجات اتفاق سوتشي، وخصوصا فيما يتعلق بالشق العسكري، بالانسحاب من المناطق المتفق عليها…وإلا… فإن ظلال الشك سوف تلاحق جدية موسكو، ومصداقية الرئيس فلاديمير بوتين تحديداً.
القدس العربي