أوسلو.. من حل الدولتين إلى صفقة القرن والكنفدرالية

أوسلو.. من حل الدولتين إلى صفقة القرن والكنفدرالية

رغم مشاريع وخطط التسوية المتعددة التي طُرحت بعد اتفاق أوسلو وصولاً إلى ما يعرف اليوم بـ”صفقة القرن”، إلا أن جميعها تقاطعت في مشتركات أساسية تعبر بطريقة أو بأخرى عن صيغ إسرائيلية أميركية لتصفية القضية الفلسطينية.
شكل اتفاق أوسلو في أيلول/سبتمبر 1993م وملحقاته؛ اتفاق القاهرة في أيار/مايو 1994م، واتفاق طابا (أوسلو 2) في أيلول/سبتمبر 1995م الأساس والجوهر لمخططات التسوية الأخرى التي تلخص الرؤية الصهيونية للحل خاصة في القضايا المصيرية وهي: اللاجئون والقدس وشكل وحدود الدولة الفلسطينية المنشودة ومكافحة ما يسمى “الإرهاب”، وهي وإن تعددت الصيغ وتنوعت التفصيلات إلا أنها تسير في مسارات محددة تؤدي بالضرورة إلى مخرجات تكاد تكون متطابقة.
وبمزيد من النظر والتدقيق فإن آخر المشاريع المتعلقة بالقضية الفلسطينية خلال السنوات الأخيرة خاصة صفقة القرن، ووثيقة كيري “وزير الخارجية الأميركي الأسبق عام 2014م”، استندت إلى أساس اتفاق أوسلو، والأهم من ذلك أنها لم تتجاوز الحقائق على الأرض التي كرسها الاحتلال الإسرائيلي بما ينسجم مع روح اتفاق أوسلو وما فرضه الاحتلال بقوة السلاح.

أولاً: وثيقة عباس – بيلين عام 1995
وثيقة غير رسمية وقعها نائب وزير الخارجية الإسرائيلي في حينه يوسي بيلين، وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في حينه محمود عباس في تشرين الأول/أكتوبر 1995، وكان من المخطط أن تشكل أساسا لمعاهدة سلام دائم مستقبلية، كشف عنها بيلين أكثر من مرة، ولم تر النور بسبب اغتيال رئيس الوزراء إسحاق رابين بعد أيام من توقيع الوثيقة، وتردد خليفته شمعون بيريس في قبولها.
– تحدثت الوثيقة عن القدس بتشكيل بلديتين (إسرائيلية وفلسطينية)، ومجلس بلدي أعلى مشترك، أي تقسيم إداري، أما السيادة فتبقى إسرائيلية، والحرم الشريف يخضع لسيادة إقليمية مشتركة مع حرية الوصول للأماكن الدينية والتاريخية.
– تشكيل لجنة دولية للاجئين الفلسطينيين لتسوية أوضاعهم النهائية، والعودة فقط للدولة الفلسطينية المستقبلية، أو التعويض أو التوطين وإعادة التأهيل.
– الانسحاب من قطاع غزة بالكامل، ومعظم الضفة الغربية على ثلاث مراحل، مع احتفاظ الجيش الإسرائيلي ببعض النقاط الاستراتيجية في الضفة.
– ضم المستوطنات الكبرى لإسرائيل، مع تخيير الآخرين بالبقاء تحت السيادة الإسرائيلية أو الانتقال إلى العيش في إسرائيل.
– منع أعمال العنف و”الإرهاب” ضد الطرف الآخر، بما يشمل التحريض أو الحث أو المساعدة عليه أو المشاركة فيه.
– تفضيل إقامة اتحاد كونفدرالي أردني-فلسطيني يتم الاتفاق عليه بين الدولة الفلسطينية والمملكة الأردنية الهاشمية.

خطة “خارطة الطريق” 2002
أعدت اللجنة الرباعية التي تضم الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة نهاية 2002 خطة للتسوية لوضع نهاية لانتفاضة الأقصى، غلب على مضمونها الطابع الأمني، وخضعت أكثر من مرة للتعديل وفقاً للرغبات الإسرائيلية، شملت خطة خارطة الطريق ثلاث مراحل، كل مرحلة تبنى على الأخرى وبما ينسجم مع التطورات الأمنية على الأرض وأداء السلطة الفلسطينية، ينتهي تطبيقها تباعا عام 2005.
المرحلة الأولى: من 10 /2002 حتى 5 /2003
– وقف انتفاضة الأقصى والمقاومة في جميع أنحاء فلسطين فوراً.
– عودة التنسيق الأمني بفعالية، ووقف التحريض ضد إسرائيل.
– تهيئة الأجواء لانتخابات رئاسية وتشريعية، وتشكيل حكومة فلسطينية جديدة.
– مطالبة إسرائيل بتحسين الظروف الإنسانية للفلسطينيين، الكف عن المس بالمدنيين الفلسطينيين وأملاكهم.
– انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي احتلها منذ 28 أيلول/ سبتمبر 2000 بالتزامن مع التقدم في إجراءات السلطة على الأرض لوقف الانتفاضة ومحاربة “الإرهاب”.
– تجميد الاستيطان.
المرحلة الثانية: من 06 /2003 حتى 12 /2003
– عقد مؤتمر دولي لانطلاق مفاوضات إقامة دولة فلسطينية بحدود مؤقتة حتى نهاية العام 2003.
– عودة واستئناف العلاقات بين العرب وإسرائيل.
المرحلة الثالثة: من 2004 إلى 2005
– عقد مؤتمر دولي ثالث للتفاوض حول قضايا الحل الدائم: الحدود والقدس والمستوطنات.
– إنشاء علاقات طبيعية بين العرب و”إسرائيل”.

خطة أولمرت للسلام عام 2006
أعد رئيس الوزراء الأسبق ايهود أولمرت عام 2006، خطة للتسوية، لوضع حد للصراع، ولكنها لم تطرح بشكل رسمي بسبب تردده وخشية السلطة الفلسطينية من قبولها:
جاء في الخطة ترسيم حدود الدولة الفلسطينية على طول الجدار العازل، وعلى أن تقوم إسرائيل بضم نحو 6.3 % من الضفة إليها، وهي مناطق تضم نحو 75% من المستوطنات اليهودية.
وجاء فيها، تبادل للأراضي يشمل ضم المستوطنات القريبة من شمالي الضفة، وجنوب وشرق القدس إلى إسرائيل، وإنشاء ممر آمن بين جنوب الضفة الغربية وقطاع غزة بنفق طوله أربعون كيلومترا.
وبالنسبة لملف القدس، ستكون الأحياء العربية جزءا من الدولة الفلسطينية الموعودة، وسيكون هذا الجزء من مدينة القدس عاصمة الدولة الفلسطينية إذا رغب الفلسطينيون في ذلك، أما السيادة والسيطرة على الأماكن المقدسة فتخضع لأطراف دولية مع حرية الوصل لأماكن العبادة، أما اللاجئون فستوافق إسرائيل على أن تستوعب داخل حدودها فلسطينيين على أساس فردي وإنساني لا على أساس لم الشمل (ضياع حق العودة).
وستكون الدولة الفلسطينية مجردة من السلاح، ويستطيع الفلسطينيون إقامة قوات أمنية لفرض القانون داخل الدولة الفلسطينية، وستكون الحدود بين الدولة والأردن شبه مغلقة مع تواجد عسكري إسرائيلي.
وتشترط الخطة التزاماً خطيًا من الفلسطينيين بانتهاء مطالبهم بهذا، وأن هذا الاتفاق هو إنهاء الصراع بين الطرفين.

خطة كيري “للسلام في الشرق الأوسط” 2014
أعدت وزارة الخارجية الأميركية عام 2014 خطة عامة كأرضية لمفاوضات أكثر تفصيلية، ترتكز على حل الدولتين، وعلى قرارات الأمم المتحدة بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بما يضمن حدودا آمنة للطرفين، وتتكون الخطة من ستة مبادئ أساسية:
– إقامة حدود آمنة ومعترف بها بين إسرائيل وفلسطين قابلة للاستمرار، عبر التفاوض على أساس حدود 1967، مع عمليات تبادل متساوٍ للأراضي.
– تحقيق فكرة القرار 181 للجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر عام 1947 بشأن دولتين لشعبين، أحدهما يهودي والآخر عربي.
– إيجاد حل عادل ومقبول وواقعي لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين بمساعدة دولية، بشرط ألا يؤثر على الطابع الأساسي لإسرائيل.
– إيجاد حل مقبول من الطرفين للقدس كعاصمة معترف بها دوليا للدولتين، وحماية وتأمين حرية الوصول إلى المواقع الدينية.
– تلبية احتياجات إسرائيل الأمنية، مع ضمان حرية “إسرائيل” في الدفاع عن نفسها بفاعلية، وأن تتمكن فلسطين من ضمان أمن شعبها في دولة تتمتع بالسيادة منزوعة السلاح.
– الإعلان عن إنهاء الصراع وكل المطالب المتعلقة بذلك، وفتح المجال للتطبيع وإقامة علاقات طبيعية وتعزيز الأمن الإقليمي للجميع.

خطة صفقة القرن 2017-2018
اندفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع دخوله البيت الأبيض بداية عام 2017 نحو الشرق الأوسط، وفي جعبته القضية الفلسطينية؛ أخطر ملفات الشرق الأوسط، بإيحاء من اليمين الصهيوني في إسرائيل وبتشجيع من اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، ووضع صهره جاريد كوشنير مع مبعوثه للسلام جيسون غرينبلانت وسفير الولايات المتحدة في إسرائيل ديفيد فريدمان ملامح ما يسمى صفقة القرن، وكان من المفترض عرضها في صيف 2018م، إلا أن الأحداث الميدانية في الأراضي المحتلة، وخشية النظام العربي الرسمي من قبولها في العلن أجّلا طرحها أكثر من مرة، وتستند الخطة بشكل رئيسي إلى الحقائق التي أسقطتها إسرائيل على أرض الواقع بعد اتفاق أوسلو، وتأتي خطة صفقة القرن تتويجاً لمشروع أوسلو الذي كان يهدف في نهاية المطاف إلى تصفية المشروع الوطني الفلسطيني، واستكمالاً لما شرعت به إسرائيل بناءً على حيثيات الاتفاق المشؤوم.
ومن خلال الإجراءات الأميركية الأخيرة المتعلقة بالاعتراف بالقدس عاصمةً للكيان الصهيوني ونقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس المحتلة، والشروع بتصفية قضية اللاجئين، وما تسرب عن الوثيقة، يمكن الإشارة الى ملامح خطة صفقة القرن:
– ضم حوالي 62% من الضفة الغربية إلى إسرائيل مع توسيع صلاحيات الحكم الذاتي في مناطق السلطة الفلسطينية.
– إدارة ذاتية للفلسطينيين في ما تبقى من المناطق العربية في القدس بعد عزل 120 ألف مقدسي بفعل جدار الفصل، مع ضمان الحرية الدينية لجميع الأديان في الأماكن المقدسة.
– نزع صفة اللاجئ عن حوالي 99% من اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في الأمم المتحدة.
– تكريس واقع السلطة المخابراتي، وتحويلها إلى عامل أمني للاحتلال.
– عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة وبسط سيطرتها بالكامل لتفكيك بنية المقاومة وتعميم تجربة التنسيق الأمني.
– اختزال المشروع الوطني في غزة الكبرى بمعاونة دول الإقليم العربي.
– وإذا ما سارت الأمور كما هو مخطط لها، يتم ربط سلطة الحكم الذاتي في الضفة الغربية مع الأردن بصيغة سياسية كالكونفدرالية، أو تابعة للسلطة في دولة غزة الكبرى، أما دولة غزة فيمكن أن تتوجه إلى مصر في علاقات اقتصادية وأمنية.
وبالنظر إلى الخطط السابقة، وإلى مشاريع تسوية أخرى مثل مفاوضات كامب ديفيد عام 2000م، ومشروع بيل كلينتون للسلام في كانون الأول/ ديسمبر 2000م التي قدمتها إدارة كلينتون قبل مغادرتها البيت الأبيض، فإنها تتقاطع جميعها مع مرتكزات أساسية تناغمت بشكل شبه كامل مع الرؤية الإسرائيلية للحل والموقف من القضايا المصيرية، فجميع المشاريع والأطروحات، بدءًا باتفاق أوسلو وانتهاءً بصفقة القرن (1993-2018م)، تتجاوز حق عودة اللاجئين ولم يتم التطرق إليه إلا من زاوية إنسانية بحته، أما القدس فإن السيادة عليها لإسرائيل مع إمكانية منح إدارة ذاتية للمناطق التي يقطنها الفلسطينيون وحرية الوصول إلى الأماكن المقدسة، ولا حديث عن دولة فلسطينية ذات سيادة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس، وتربع الجانب الأمني على حيز كبير من المقترحات والمفاوضات وكأن المشروع الوطني الفلسطيني اختزل في توفير الامن للإسرائيليين.

أسامة يوسف
العربي الجديد