لقد وصل الوقت الذي قضاه توني بلير كمبعوث للشرق الأوسط، ممثلًا للولايات المتحدة، وروسيا، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، إلى نهايته أخيرًا. وبعد ثماني سنوات تولى فيها هذا الدور، قدم بلير يوم الأربعاء استقالته، تاركًا وراءه سؤالًا وحيدًا، هو: كيف أصبح مجرم حرب مثله “مبعوثًا للسلام” في المقام الأول؟
لقد كانت شعوب الشرق الأوسط، وشعوب الكثير من دول العالم، تسأل نفسها هذا السؤال منذ أن تم تعيين بلير كمبعوث للرباعية في القدس، وكلف رسميًا وبشكل يائس بتحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وهل كان من المفترض أن تؤدي مهمته الجديدة إلى غسل الدماء التي غطت يديه بعد كارثة غزوه وبوش للعراق، ومئات الآلاف من الأبرياء الذين لقوا حتفهم نتيجةً لذلك؟
وبالنسبة للعرب، وأيضًا للبريطانيين الذين فقدوا أحباءهم في حرب العراق، كان تعيين بلير في هذا المنصب إهانة. الرجل الذي لم يقل يومًا إنه يشعر بالأسف حتى على كوارثه السياسية، ظهر ببساطة في القدس بعد أربع سنوات، وأنفق مع فريقه الملايين على السكن والطيران، ولم يتمكن من تحقيق أي شيء على الإطلاق خلال العقد التالي له هناك.
وبدا بلير غير مبال بالمعاناة الهائلة للفلسطينيين، وكان من الواضح أنه عاجز على منعها، وقضى الكثير من وقته بعيدًا عن مأساة الشرق الأوسط، مفضلًا تقديم المشورة لمجموعته من الدكتاتوريين المسلمين، وإبلاغ العالم عن الأخطار التي تمثلها إيران في محاولة لكسب رضا إسرائيل.
وكلما اعتقد بأنه قد أصبح أكثر نفوذًا، كلما كان قد أصبح غير ذي صلة أكثر في أعين أهل المنطقة التي تم إرساله لحمايتها. وقد دافع أحد أنصار بلير عنه ذات مرة على قناة 4 من خلال التذكير بأنه سافر إلى الشرق الاوسط 100 مرة تقريبًا، دون أن يدرك المفارقة الأساسية، وهي أن بلير تخلى عن المنطقة أكثر من 100 مرة أيضًا للذهاب إلى وجهات مجزية أكثر بالنسبة له.
وقد كان أكثر مزاعم بلير فحشًا هو زعمه بأن حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قد يكون أسهل من وضع حد لأزمة أيرلندا الشمالية. وكان على بلير الاستقالة من منصبه قبل أكثر من عامين، بعد أن وصف القادة الفلسطينيون أنفسهم وظيفته بأنها “عديمة الفائدة، لا طائل منها، لا طائل منها“.
ولم تكن إسرائيل لتوافق على هذا الوصف، بطبيعة الحال. وفي إدانته لحملة “نزع الشرعية” عن إسرائيل، تحدث بلير عن هذه الحملة بأنها شكل من أشكال التحيز الذي يمثل “إهانة للإنسانية“، في حين أنه لم يستخدم قط مثل هذه الكلمات لوصف الخسائر الجسيمة بين المدنيين نتيجة الأعمال التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.
وينتظر العرب الآن معرفة ما إذا كانت اللجنة الرباعية ستكرر نفس الحماقة من خلال تعيين شخص غير صالح أيضًا في هذا المنصب، على الرغم من أن الكثيرين في المنطقة يعتقدون بأن يجب التخلي عن هذا المنصب كليًا. وقبل ثماني سنوات، كان هناك فقط فرصة ضئيلة لظهور دولة فلسطينية في حيز الوجود. أما اليوم، (وبفضل بلير)، ليس هناك أي فرصة.
روبرت فيسك – إنديبندنت (التقرير)