يتزايد الاهتمام بالدراسات الثقافية والسوسيولوجية حول دور الدين وحضوره في المجتمعات الحديثة، ومنها كتاب “الأمّة والدين: وجهات نظر حول أوروبا وآسيا” الذي حرّره بيتر فان در فير وهارتموت ليمان وصدرت حديثاً نسخته العربية عن “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” بترجمة محمود حداد وسعود المولى.
تكشف المقدمة عن رغبة مؤلّفي الكتاب في القطع مع الثنائيتين التقليديتين النافذتين في خطاب الحداثة الغربية؛ الدين والقومية، والغرب الحديث والبقية المتخلفة، عبر دراسة موضوع الأمّة والدين وتفاعلاتهما في سياق التحديث في أربعة بلدان، هي بريطانيا وهولندا والهند واليابان.
يوضّح هيو ماكليود، مثلاً، كيف شكّلت القومية البروتستانتية الهوية القومية البريطانية في القرن التاسع عشر، لتتهمش في القرن العشرين عندما غيّرت الصراعاتُ والحروب الدولية الخطيرة أساس الهوية القومية البريطانية. وتشير باربرا ميتكالف، من خلال دراسة خطابات وأفعال جماعة إسلامية مهمة في شمال الهند في العقود القليلة الأخيرة من الحكم الاستعماري، إلى أن “المؤسسات الرئيسة في المجتمع والاقتصاد، بما فيها مفهوم الأمّة عينه” أثبتت أنها تكوّنت جميعاً كجزء من التفاعلات بين الحداثة/العلمانية من جهة والتراث/الدين من جهة أخرى.
كما يلقي هاري هاروتنيان الضوء على إعادة توحيد الأمّة والدين في اليابان ما بعد الحرب من خلال عرض موجز لعملية التأطير السياسي التي انصبّت على مزار ياسوكوني، وهو معبد للشنتو غدا المكان الرسمي للذاكرة القومية، ذاكرة حروب اليابان وأرواح الأبطال الذين قدّموا أرواحهم فداء للأمّة.
ويناقش كلّ من بيتر فان رودن وفرانز غروت على التوالي موضوع القومية والدولة في هولندا، حيث يرى الأول أن تفسيرات التاريخ الديني الهولندي بنتها التفاعلات المعاصرة بين الدولة والدين، وأنَّ ديناميات مثل هذه التفسيرات تعكس المشهد الدينامي للدين، أمّا الثاني فيبيّن كيف كانت “عملية بناء الأمة عملية معقدة” في هولندا، إذ تشابكت فيها المسائل الدينية والسياسية “بطريقة مألوفة واضحة”.
في الفصل العاشر، يرى طلال أسد أنّه على الرغم من الفصل الذي ربما يكون قد قام بين القومية والدين في الدساتير الرسمية، فإنَّ الفضاء الاجتماعي السياسي الفعلي للدين لم يُحدَّد بعد على نحوٍ واضح، مشيراً إلى أنّه من الضروري، لفهم مثل هذه القضايا، تبنّي أنثروبولوجيا للعلمانية التي تبدأ بالسؤال “كيف ومتى وعلى يد مَن يجري تعريف صنفَي (مقولتيّ) الدين والعلمانية”، وفي الفصل الحادي عشر، ينظّر بندكت أندرسن في الكيفية التي تضمن بها الدول القومية أنها على حقّ دوماً، ويشير إلى أن الطريقة التي تكسب بها شرعيتها الأساسية لا تختلف كثيراً في الحقيقة عن طريقة الأديان.
يخلص الكتاب إلى أن صعود القومية والدولة القومية لا يعني بالضرورة أن الدين أصبح محصوراً تماماً في المجال الخاص وحده. وبدلاً من ذلك، فإنَّ علاقات الدولة والدين في عملية التحديث، وكما تشير الأمثلة البريطانية والهولندية والهندية واليابانية، غالباً ما تكون أكثر تعقيداً بكثير مما يجري تصويره في العادة. والحال، أن الدين، بدلاً من كونه نقيض الدولة القومية الحديثة، قد يكون فعلياً قوة دافعة مهمة تساعد على ولادة الدول القومية الحديثة.
العربي الجديد