كثفت الحكومة التركية على مدار الأسابيع الماضية، من مساعيها لإعادة الثقة إلى الاستثمار، عبر إجراءات تحفيزية أكثر، وزيادة الطلب على منتجاتها في الأسواق الداخلية والخارجية، لتعزيز الاستقرار الاقتصادي، الذي تأثر سلباً بتهاوي سعر صرف الليرة أمام الدولار الأميركي.
ويبدو أن مساعيها لإعادة الاستقرار إلى الليرة، قد تجد دعما من إبرام هدنة سياسية محتملة مع الولايات المتحدة في أعقاب، إفراج المحكمة الجنائية في مدينة إزمير غرب تركيا، عن القس الأميركي، يوم الجمعة الماضي، فيما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، في ذات اليوم، أن السلطات الأميركية ستطلق سراح النائب السابق لمدير مصرف “خلق بنك” التركي، هاكان أتيلا، مشيرة إلى أن البلدين اتفقا على إطلاق سراح متبادل للقس برانسون، وأتيلا.
وأشارت الصحيفة إلى أن واشنطن تستعد أيضاً لرفع الرسوم الجمركية الإضافية التي فرضتها في وقت سابق على واردات تركيا من الصلب والألمنيوم. وتعرضت تركيا منذ أغسطس/آب الماضي لما وصفه مسؤولون وخبراء اقتصاد أتراك لحرب اقتصادية قادها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنفسه.
وقال المحلل الاقتصادي التركي، سمير صالحة إن إغلاق ملف القس الأميركي، سيكون له انعكاسات إيجابية نحو إزالة نقطة توتر وتباعد أساسي بين أنقرة وواشنطن، لاسيما أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات ضد تركيا والآن سيتم التراجع عنها.
وأضاف صالحة في تصريح لـ”العربي الجديد” أن إنهاء الأزمة بدأ بالانعكاس إيجابا بالفعل على سعر صرف الليرة التركية، متوقعا عودة تدفق الاستثمارات المباشرة التي هربت خلال الفترة الماضية. وصعدت الليرة أمام العملة الأميركية، ليسجل سعر الدولار 5.87 ليرات لأول مرة منذ شهرين.
وقال المحلل التركي يوسف كاتب أوغلو: “نتوقع تحسنا إيجابياً على صعيد العلاقات التجارية والاقتصادية وربما إزالة العقوبات المتبادلة بين البلدين”.
وقبل إبرام ما يصفه محللون بالهدنة مع أميركا، كثّفت الحكومة التركية، خلال الفترة الأخيرة، إجراءاتها للحد من نزيف العملة التي فقدت أكثر من نصف قيمتها منذ بداية العام، ما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع والخدمات، وبالفعل نجحت الإجراءات الحكومية وعلى رأسها رفع سعر الفائدة في خفض سعر العملة الأميركية خلال الفترة الأخيرة، من 7 ليرات للدولار إلى نحو 6 ليرات في الأيام الماضية.
ورفع البنك المركزي التركي في سبتمبر/أيلول الماضي، سعر الفائدة، من 17.5 إلى 24%، رغم معارضة الرئيس رجب طيب أردوغان لسياسة رفع الفائدة.
ورغم معاناة الأتراك من الآثار السلبية جراء تهاوي العملة المتمثل أبرزها في قفزة التضخم بالإضافة إلى تداعيات رفع سعر الفائدة على الأسواق، إلا أن هناك مؤشرات تؤكد استفادة قطاعات حيوية من هذه الإجراءات مثل الاستثمارات الأجنبية والتجارة الخارجية وغيرهما.
وحول نتائج الإجراءات الأخيرة والخطة الاقتصادية الجديدة التي تتبناها الحكومة على الاستثمارات، قال أستاذ المصارف بجامعة ماردين، مسلم طالاس، الهدف من رفع سعر الفائدة بهذه النسبة العالية نسبياً، هو دعم أسعار صرف الليرة التي تتراجع لأسباب سياسية أكثر منها اقتصادية وكبح التضخم الذي بدأت آثاره تطاول الاقتصاد والمستهلك التركي.
وفي الأسبوع الماضي، أعلنت مؤسسة الإحصاء التركية أن نسبة التضخم لشهر سبتمبر/ أيلول الماضي ارتفعت بنسبة 6.30%، لتصبح النسبة السنوية للتضخم 24.52%.
وأضاف طالاس لـ”العربي الجديد” أن الإجراءات الأخيرة لن تزيد تكاليف الإنتاج ولن تحدث مشكلات استثمارية، مشيراً إلى أن الهزة الأخيرة بعد رفع سعر الفائدة مفيدة للاقتصاد التركي لتعري الاستثمارات التي اعتاد أصحابها على الربح من خلال الاقتراض الداخلي أو الخارجي واللعب على تباين أسعار الفائدة، لأن ما يخدم الاقتصاد هو المشروعات الإنتاجية القادرة على الاستثمار بشكل عادل.
كما أن رفع سعر الفائدة، سيزيد من الإيداع بالمصارف ويحافظ على النظام المالي والتمويلي وربما يستقطب رؤوس أموال من الخارج برأي أستاذ المصارف، ولعل الأهم أن سعر الفائدة الجديد، يمنع المنظومة المصرفية والتمويلية من أن تجف، لأن معدل الفائدة السابق كان يهدد النظام التمويلي والمصرفي بتركيا.
وأكد أستاذ المصارف أن الاقتصاد التركي يعتمد على الاقتراض والتمويل الخارجي، لذا لا بد للمنظومة المصرفية أن تؤمن السيولة وطلبات الاقتراض، وذلك عبر تقديم سعر فائدة إيجابي وحقيقي.
وتتبنى الحكومة التركية برنامجا جديدا، من أجل مكافحة التضخم مع عدم وجود أي تنازل في مسألة انضباط الميزانية في تركيا، حسب وزير المالية والخزانة التركي، براءت ألبيرق، في تصريحات له يوم الأحد الماضي.
وكان الرئيس رجب طيب أردوغان قد قال، الأسبوع الماضي، إن حكومته ستتمكن من تخليص اقتصاد البلاد من “محور الشر الثلاثي” المتمثل في الفائدة والتضخم وارتفاع أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الليرة التركية.
ومن أبرز المؤشرات الإيجابية للاقتصاد التركي، ما أظهرته بيانات وزارة التجارة مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري، من تراجع عجز التجارة الخارجية للبلاد في أغسطس/آب الماضي، بنسبة 57.95%. إذ وصلت قيمة الصادرات في الشهر الماضي إلى 12 مليارا و389 مليون دولار، في حين بلغت قيمة الواردات 14 مليارا و875 مليون دولار.
ورأى الخبير الاقتصادي التركي، أوزجان أويصال، بحديث لـ”العربي الجديد” أن آثار رفع سعر الفائدة ستؤثر بشكل طفيف ومؤقت، على الاستثمار والإنتاج، وذلك بسبب زيادة تكاليف القروض، واصفاً قرار المصرف المركزي بردة الفعل ونسبة الرفع بالعالية جداً، رغم تفهم الهدف وهو محاولة ضبط السوق وحماية الليرة التي فقدت أكثر من نصف قيمتها هذا العام، من مزيد من التدهور.
عدنان عبدالرزاق
العربي الجديد