تواكبت الزيارة الأولى لرئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي إلى موسكو في 20 أيار الجاري، مع استيلاء تنظيم « الدولة الإسلامية « على الرمادي، ما أعطى طبيعة خاصة لهذه الزيارة تجلّت في تصريحات وعناوين صحف روسية وغير روسية، تدور معظمها حول استنجاد العبادي بالكرملين وبالسلاح الروسي للتصدي إلى هذا التنظيم. وبالفعل، ركز العبادي خلال مباحثاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أهمية المساعدة الروسية لبغداد في مواجهة الإرهاب وتنظيم «الدولة الإسلامية»، عبر صفقات جديدة من السلاح. لذلك، نجد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يُصرّح بأن «بلاده لا تضع شروطاً عندما تبيع السلاح الروسي لأي دولة»، ملمحاً بذلك إلى الولايات المتحدة ومشكلة تسليم الأسلحة الأميركية لبغداد. ولم يتوقف لافروف عند هذا الحد، وإنما أكد على أن «روسيا مستعدة لتلبية كافة طلبات العراق الدفاعية كافة لتتمكن من محاربة الإرهاب، لافتاً إلى أن العراق وسوريا ومصر تمثل طليعة جبهة محاربة الإرهاب في المنطقة، ومؤكداً أن بلاده ستلبي طلبات كل هذه الدول من أجل التخلّص من تنظيم «الدولة الإسلامية» وغيره من التنظيمات الإرهابية». ومن المعروف، أن «تلبية الطلبات الدفاعية لهذه الدول» تعني بيع السلاح الروسي وزيادة حصيلة إيرادات مبيعات السلاح الداخلة إلى ميزانية الدولة الروسية. فمثل هذه الصفقات في مجال التسلح لا تقوم بها موسكو مجاناً، حتى وإن كان الهدف هو محاربة الإرهاب.
لقد سبقت زيارة رئيس الوزراء العراقي إلى موسكو، زيارة وزيري الخارجية والدفاع العراقيين إلى العاصمة الروسية للتمهيد لشراء العراق أسلحة جديدة من روسيا. ولذلك يتردد في موسكو أن العبادي وضع اللمسات الأولى لصفقة أسلحة جديدة مع الروس تقدر بنحو 3 مليارات دولار. وإذا تمّت هذه الصفقة، التي لم يُعلن عن مكوناتها بعد، فستكون هي الصفقة الثانية الكبيرة نسبياً بين روسيا والعراق خلال السنوات الأربع الأخيرة. فعندما زار رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي موسكو في 2012، وقع صفقة أسلحة روسية بنحو 4,3 مليار دولار، شملت نحو 50 منظومة للدفاع الجوي «بانتسير ـ إس 1» و30 مروحية مقاتلة «مي-28 أن أ» وغير ذلك من المعدات عسكرية. وبالفعل، بدأ المجمع الصناعي العسكري الروسي في تنفيذ صفقة «بوتين ــ المالكي» وتوريد بعض مكوناتها في 2013، ومنها مروحيات عسكرية من طراز «مي-35» و «مي-28».
وفي العام 2014، وقعت موسكو وبغداد عقوداً عسكرية إضافية على وجه السرعة لمواجهة «داعش»، شملت بيع طائرات هجومية من طراز «سوخوي-25» ومنظومات دفاعية وذخائر حربية. ففي العام المذكور، باعت موسكو لبغداد 10 طائرات من طراز «سوخوي-25»، و12 منظومة قاذفة لهب ثقيلة، و6 مروحيات من نوع «مي-28»، و10 مروحيات من نوع «مي-35»، علاوة على بداية تسليم منظومات الدفاع الجوي من «بانتسير ـــ إس1». وبلغت قيمة هذه المبيعات العسكرية نحو 1,7 مليار دولار أميركي. وتشير المعطيات الروسية إلى أن العراق في العام 2014 احتل المركز الثاني بعد الهند من حيث شراء الأسلحة الروسية بحصة بلغت 11 في المئة من إجمالي الصادرات العسكرية الروسية للخارج، مُزيحاً بذلك بعض الدول مثل الصين وإيران. وفي الوقت ذاته، باتت روسيا ثاني أكبر مُصدّر للأسلحة إلى العراق بعد الولايات المتحدة.
ويرى خبراء روس أن توريد الأسلحة الروسية إلى العراق يتسم بأهمية خاصة على خلفية تدهور الوضع الأمني في العراق بسبب نشاط تنظيم «الدولة الإسلامية»، حيث استُخدمت مروحيات «مي-35» و «مي-28» الروسية كثيراً في عمليات أمنية ضد هذا التنظيم. ويشير هؤلاء الخبراء إلى أن العراق استخدم أيضاً في مواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية» الصواريخ الروسية المضادة للدبابات من طراز «كورنيت». ويؤكد الجانب العراقي كذلك على أن استخدام طائرات «سوخوي» الهجومية الروسية يساعدها بدرجة كبيرة في محاربة الإرهاب، خصوصاً في ظل تقصير واشنطن في تقديم الدعم في معركة مواجهة مسلّحي «داعش». ولكن إخفاق العراق مؤخراً في الرمادي يضع الكثير من علامات الاستفهام على مثل هذه التصريحات.
إن صفقات الأسلحة بين روسيا والعراق، كما يراها بعض الروس، هي تأكيد على انتهاج بغداد مؤخراً سياسة مستقلة عن واشنطن، ومحاولة لإحياء «حلف استراتيجي» كان قائماً بين بغداد وموسكو منذ عقود، قوّضه الغزو الأميركي للعراق في العام 2003. ولذلك، نلحظ الكثير من التقارير الروسية التي ترى ضرورة التزام موسكو بتعهّداتها تجاه بغداد في ما يتعلق بمبيعات الأسلحة، مُعللة ذلك بأن الأحداث الأخيرة في المنطقة وما جرى من متغيرات جراء ثورات «الربيع العربي» تدفع القيادة الروسية أكثر الى الاهتمام بالعراق وإعادة إحياء المعاهدات والاتفاقات التي أبرمتها الحكومات السابقة. وتعتقد هذه التقارير بأن حلفاً جديداً مع بغداد يمكن ان يمنح موسكو موطأ قدم أكبر في منطقة الشرق الأوسط نتيجة للوضع المتعثر في سوريا. ويحلم أصحاب وجهة النظر هذه في روسيا بتزعم موسكو ما يشبه الحلف أو المحور الذي يضمّ طهران وبغداد ودمشق، ويعتبرون عودة العراق الى التسليح الروسي جزءاً من سياسة تقوية النفوذ الروسي في المنطقة. كما أن هذا الحلف أو المحور، بحسب رأيهم، سيعطي موسكو ورقة قوية إضافية في الأزمة السورية في ظل مواقف روسية وعراقية متشابهة في ما يتعلق برفض التدخل العسكري في الشؤون السورية، وفي ما يتعلق بضرورة الحل السياسي للأزمة عبر الحوار بين النظام السوري والمعارضة. ولكن مثل هذا «الحلف ــ الحُلم»، بدّده وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، عندما رفض عملياً ما اقترحه وزير الدفاع الإيراني، حسين دهقان، في موسكو في نيسان الماضي بشأن إنشاء «تحالف» لمواجهة خطط «حلف شمال الأطلسي».
هادي شادي
صحيفة السفير