أنقرة – تجد تركيا في قضية اختفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي على أراضيها صيدا ثمينا لإعادة ترتيب علاقاتها المتأزمة مع الولايات المتحدة حول قضايا ثنائية وأخرى متعلقة بسوريا، فيما تحاول أيضا انتهاز الفرصة للنظر في علاقات متأزمة مع السعودية، منذ تبني ولي العهد الأمير محمد بن سلمان سياسة متشددة تجاه الإسلام السياسي في المنطقة.
وفي لقائهم مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الأربعاء، وضع المسؤولون الأتراك على الطاولة شرط إعادة إحياء اتفاق منبج الموقع في يونيو الماضي ويتضمن تسيير دوريات مشتركة في المدينة السورية بعد إخراج مسلحي قوات سوريا الديمقراطية منها، ورفع واشنطن عقوبات اقتصادية فرضتها على أنقرة، في مقابل تبني الرؤية الأميركية في قضية خاشقجي، والإفراج عن أميركيين تحتجزهم تركيا.
وقال بومبيو، الأربعاء، بعد محادثات في أنقرة إن واشنطن ربما ترفع الآن عقوبات فرضت على تركيا أثناء الخلاف على توقيفها القس الأميركي أندرو برانسون.
وأكد للصحافيين “سيكون لدينا قرار بهذا الشأن قريبا، لكن بعض العقوبات التي فرضت كانت مرتبطة بشكل مباشر بالقس برانسون وهناك منطق الآن في رفع تلك العقوبات أيضا”.
وتحاول الولايات المتحدة تحويل مسار الأزمة، التي استدعت هجوما غير مسبوق وحملة إعلامية وسياسية كبرى على السعودية، كي لا تخرج عن المسار القضائي، وتفريغها من أبعادها السياسية والدبلوماسية والاقتصادية، ومنح السلطات السعودية فرصة لإجراء تحقيق مدقق في ظروف اختفاء خاشقجي.
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، الأربعاء، إن الرئيس رجب طيب أردوغان أبلغ بومبيو بأن تركيا يمكنها بسهولة إخراج وحدات حماية الشعب الكردية من منبج في شمال سوريا إذا لم تفعل الولايات المتحدة ذلك.
وقال جاويش أوغلو للصحافيين في مطار أنقرة بعد اجتماعه مع بومبيو إن الولايات المتحدة أقرت بأن الاتفاق مع تركيا على تطهير منبج من وحدات حماية الشعب قد تأخر.
لكن يبدو أن الجانبين قررا وضع حد لهذا التأخر بالتزامن مع قضية خاشقجي. وقبل أيام أفرجت تركيا أيضا عن القس الأميركي أندرو برانسون الذي كان محتجزا، تمهيدا لإعادة العلاقات إلى طبيعتها بين واشنطن وأنقرة.
ويقول دبلوماسيون غربيون إن أردوغان يجد في مقايضة مواقف تركيا في مسألة خاشقجي الإخواني المخضرم مقابل تحقيق مصالح جيوسياسية صفقة رابحة جاءت له من حيث لا يدري، ومن شأنها دون أي كلفة تذكر، أن تساعد تركيا على إعادة تموضعها مرة أخرى على مستوى علاقاتها مع الغرب، وتنهي عزلتها الإقليمية التي تعمقت كثيرا منذ تراجع العلاقات مع السعودية.
ويجد أردوغان في جولة بومبيو، التي بدأها بالسعودية وانتهت بزيارته إلى أنقرة، فرصة لإرسال رسائل إيجابية إلى السعودية على المستوى الرسمي، في نفس الوقت الذي تحافظ فيه وسائل الإعلام والمؤسسات الأمنية التركية على “سياسة ابتزاز″ عبر تسريب معلومات وتفاصيل عما تقول إنها عملية تصفية خاشقجي داخل مبنى القنصلية السعودية في إسطنبول، جرت قبل التخلص من جثمانه في مقر إقامة القنصل.
وتحاول تركيا من خلال التسريب التدريجي لادعاءات، لم تثبت صحتها عبر جهة قضائية مستقلة بعد، الإبقاء على سخونة القضية التي تعود عليها بأرباح كبرى طالما ظلت محتلة الساحة الإعلامية واهتمام الرأي العام العالمي. والإبقاء على الزخم في القضية إحدى أهم وسائل الضغط على الولايات المتحدة من أجل تحقيق مكاسب في قضايا عالقة بين الجانبين.
ولا يريد مسؤولون في الإدارة الأميركية أن تؤثر القضية وتسريباتها على علاقات وطيدة تجمعهم بالقيادة السعودية. وقال الرئيس دونالد ترامب، الأربعاء، إن بلاده “في حاجة إلى السعودية في الحرب على الإرهاب”، وأنه “لا يريد الابتعاد عن السعودية”.
العرب