أحاط مكتب رئيس الوزراء المكلف بتشكيل الحكومة العراقية الجديد، عادل عبدالمهدي، نتائج المفاوضات الجارية على قدم وساق في بغداد بالكثير من السرية، رافضا الكشف عن أي شيء منها حتى اكتمال الكابينة المنتظرة.
ويقول سياسيون عراقيون مطلعون على تفاصيل المفاوضات، إن عبدالمهدي قطع شوطا طويلا في مسار تشكيل الحكومة، وسط توقعات بأن يكون الإعلان عن الكابينة الجديدة “قريبا”.
ويضيف هؤلاء أن عبدالمهدي لا يكاشف حتى المقربين منه بخططه لشكل الكابينة، لكنه يتبع سياسة جديدة في التفاوض مع الأطراف السياسية التي تريد المشاركة في حكومته.
ويصرّ عبدالمهدي على أن يكون هو مصدر جميع الترشيحات للكابينة الوزارية، بدلا من أن تتولى الكتل السياسية هذا الأمر.
ووفقا للمصادر التي تحدثت مع “العرب”، فقد قرر عبدالمهدي أن يقترح على الحزب السياسي الذي يخطط للحصول على وزارة مهمة، 6 أسماء، لا أن يقوم الحزب باقتراح المرشحين.
ويصر عبدالمهدي على أن تختار الأحزاب أحد المرشحين الذين يقترحهم بنفسه، لا أن تقوم بتسليمه أسماء مرشحيها ليختار منهم.
ورفض عبدالمهدي أن يكون جميع مرشحيه من الحزبيين، مصرا على إشراك شخصيات مستقلة في قائمة خياراته.
وبذلك، يمكن لعبدالمهدي أن يضمن تشكيل كابينته الوزارية من شخصيات أسهم بنسبة كبيرة في ترشيحها، ولم تكن مفروضة عليه.
ومع ذلك، يراعي عبدالمهدي التمثيل الحزبي في حكومته، إذ يبدو أن الأطراف السياسية لا تبدي اعتراضات كبيرة عليه.
ويقول أعضاء في وفود تفاوضية تتبع أحزابا شيعية وسنية، إن عبدالمهدي وضع خارطة لتوزيع الحقائب على مختلف الأطراف السياسية، وفقا لأحجامها الانتخابية.
توزيع الحقائب الوزارية
- 9 وزراء لتحالف البناء
- 9 وزراء لتحالف الإصلاح
- 3 وزراء للأحزاب الكردية
وبحسب هذه الخارطة، فقد ذهبت تسع حقائب وزارية إلى تحالف البناء، الذي يضم تحالف الفتح بزعامة هادي العامري وائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، وجناح فالح الفياض في تحالف النصر، وطيفا واسعا من القوى السنية، بينها تحالف القرار بزعامة خميس الخنجر واتحاد القوى بزعامة جمال الكربولي.
كذلك منح عبدالمهدي حقائب مماثلة لتحالف الإصلاح، الذي يضم تحالف سائرون ويرعاه الزعيم الشيعي البارز مقتدى الصدر، وجناح حيدر العبادي في ائتلاف النصر وتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، وبعض الشخصيات السياسية السنية، بينها زعيم ائتلاف متحدون أسامة النجيفي.
وسيتولى كل من الإصلاح والبناء ترشيح شخصيات تمثله في حكومة عبدالمهدي، مع مراعاة التوازن الطائفي، شرط أن يجري الاختيار من داخل القوائم التي يقدمها رئيس الوزراء المكلف.
وخصص عبدالمهدي ثلاث حقائب وزارية للأكراد، لكن من غير الواضح كيف سيجري توزيعها داخل القوى الكردية، بعد الأزمة التي فجرها انتخاب برهم صالح رئيسا للجمهورية، خلافا للزعيم الكردي مسعود البارزاني.
ووضع عبدالمهدي صيغة معقدة لضمان التكافؤ بين التحالفات البرلمانية في الحصص الوزارية، بما يضمن عدم حصول أحد الأطراف على وزارات تسمح بتغوّله ماليا أو سياسيا. وعلى سبيل المثال، لن يكون بإمكان أي تحالف الجمع بين وزارتي النفط والمالية، لما لكل منهما من ثقل سياسي ومالي كبير، وكذلك الأمر في وزارتي التربية والنقل، اللتين تحظيان بتخصيصات مالية كبيرة في موازنة البلاد السنوية.
وتشير المصادر إلى أن “جميع الأطراف السياسية، تخمن أن عبدالمهدي انتهى تماما من اختيار أعضاء الكابينة الجديدة، لكنه يتريث في الإعلان عنها”.
ولا تستبعد المصادر أن يتم الإعلان عن الكابينة الجديدة، وربما التصويت عليها في غضون أيام.
لكن مراقبين يقولون إنه سواء اختار عبدالمهدي وزراءه أم تم فرضهم عليه، فإن الأمر لا يخرج عن دائرة المحاصصة الحزبية بما يكرس البعد الطائفي للنظام.
وأشار مراقب سياسي عراقي في تصريح لـ”العرب” إلى أن الاقتراحات التي تقدم بها رئيس الوزراء المكلف يمكن اعتبارها إجراءات تجميلية، وهو ما يشير إلى إعادة إنتاج النظام، من غير أن يكون هناك بصيص أمل في التغيير.
وشدد المراقب على أن استمرار المحاصصة يعني أن شيئا من الإصلاح لن يقع وبالأخص على صعيد التصدي لآفة الفساد التي تمكنت من اختراق الدولة والاستيلاء على عائدات النفط التي كان من الممكن أن تعيد بناء العراق وإعماره وخدمة مجتمعه بطريقة راقية لو أنها استثمرت بطريقة منصفة ونزيهة.
ويرى أن كل المؤشرات تؤكد أن حكومة عبدالمهدي لن تكون سوى رقم مضاف إلى سلسلة الحكومات الفاشلة التي لم تخرج العراق من أزمات مرحلة ما بعد الاحتلال بل فاقم وجودها من تلك الأزمات حين تحولت إلى وسيط رسمي يضمن للفاسدين حصانة قانونية تحول بينهم وبين مواجهة العدالة.
وخلص إلى القول إنه ستكون هناك بالتأكيد وجوه جديدة، غير أن تلك الوجوه ما هي إلا أقنعة للوجوه القديمة التي انتقلت إلى الحكم من وراء الكواليس.