كتب محرر شؤون الشرق الأوسط بالغارديان أن زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى المنطقة من المفترض أن تكون لحفظ ماء الوجه في تفسير اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي، كما تعمل في الوقت نفسه على تفادي حمرة الخجل في الرياض وواشنطن وأنقرة، لكنها لم تسر وفق الخطة.
وقال مارتن تشولوف إن الزيارة -التي استغرقت يومين- يبدو أنها دفعت السعودية وتركيا إلى المزيد من التمسك بالمواقف التي بدا أنه لا يمكن التوفيق بينها.
فولي العهد محمد بن سلمان لم يبتلع طعم واشنطن، وهو إلقاء اللوم على عناصر من الدولة السعودية في وفاة خاشقجي وليس البلاط الملكي نفسه، وبدل ذلك كرر تأكيد إنكاره لأي علاقة رسمية بوفاة خاشقجي داخل القنصلية.
وأضاف أن تركيا تبدو غاضبة، ولم يعد الرئيس رجب طيب أردوغان -الذي توصل إلى تفاهم في عطلة نهاية الأسبوع مع الرياض- ملتزما بالحديث عن “الأخوة الودية” بين الخصمين الإقليميين.
وألمحت الصحيفة إلى أنه مع وصول بومبيو إلى أنقرة، نشرت وسائل الإعلام الموالية للحكومة التفاصيل الأكثر إثارة للدهشة حتى الآن لوفاة خاشقجي المشتبه بها في شكل نسخ مختارة من شريط صوتي يؤرخ الدقائق الأخيرة الوحشية المزعومة في حياة الصحفي المفقود.
خيبة أمل
وأظهرت التفاصيل خيبة أمل أنقرة في الولايات المتحدة، في يوم كان من المفترض أن تتبلور فيه “معالجة” دونالد ترامب الدبلوماسية. وبعثت المصادقة على النشر رسالة لبومبيو وترامب مفادها أنهما قد يكونان حصلا على دعم محمد بن سلمان، ومن ثم وجب أن يكون فيها شيء ما لتركيا أيضا.
ووصفت أردوغان بأنه إلى جانب كونه تكتيكيا بارعا يظهر نفسه أيضا كإستراتيجي كفء. وباستغلال هذه الأزمة لإضعاف السعودية أثناء تعزيز تركيا كقوة صاعدة في العالم الإسلامي؛ يبدو أنها مكافأة تفوق الفدية التي يقدمها المسؤولون السعوديون لإخفاء هذا الأمر برمته.
وذكرت الصحيفة أن التسريبات المستمرة كانت صعبة للغاية على محمد بن سلمان لمقاومتها، كما أن التفاصيل الفظيعة لموت خاشقجي أصبحت بمثابة “تغذية بالتنقيط” قوية وعميقة؛ لدرجة أن إنكارات محمد بن سلمان تلحق ضررا متزايدا بسمعته العالمية.
وأشار تقرير الصحيفة إلى أن محمد بن سلمان متورط لدرجة أن أي اعتراف جزئي في هذه المرحلة سيمثل إذلالا يمكن أن ينخر في قاعدته الداخلية التي قبلت في الغالب رواية الدولة بأن “اختفاء خاشقجي كان تعاونا تآمريا بين قطر وتركيا، البلدين المنحازين إلى جماعة الإخوان المسلمين التي لا يزال النظام السعودي الحالي يعتبرها أحد أعدائها اللدودين”.
أدلة مضنية
وأضاف أن رؤية محمد بن سلمان لنفسه كرجل قوي محصن ستُضرب إذا أجبر على اعتراف جزئي الآن، ومع ذلك لا يزال من المحتمل أن يحشد قاعدته الداخلية وراء الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية التي يدعمها الكثيرون في المملكة، لكن مكانته الدولية ستكون أقرب إلى عدم إمكانية استرجاعها.
ومضت الصحيفة إلى أن ممانعة أردوغان لإمكانية شرائه بالمال أيضا تقابلها إرادة لا يستهان بها لفرض شروطه الخاصة، فإلى أي اتجاه تسير الأمور من هنا؟ والرئيس التركي كان يعرف خاشقجي وشاركه العديد من وجهات نظره، وكان على علم بخططه لإنشاء قناة تلفزيونية في إسطنبول، وهي خطوة كانت ستحتاج إلى دعم تركي.
وأشارت الصحيفة إلى أن تركيا طوال هذه الأزمة لم تكن متحفظة بشأن المعلومات الاستخبارية التي تمتلكها، وأنها منذ اللحظة الأولى التي كشف فيها المسؤولون عن شكوكهم بأن خاشقجي قد قتل كانوا متفقين حول التفاصيل الأساسية: الموت حدث في القنصلية وقطع إربا إربا بعد فترة وجيزة، وتم تسجيل العمل كله. وكل التفاصيل الرئيسية يتم تأكيدها بشكل مطرد، ومع ذلك لم تقدم السعودية أي نسخة معقولة عما حدث.
وختمت الغارديان بأنه في عصر تجاوز الحقائق، فإن الأدلة المحيطة باختفاء خاشقجي تسود في النهاية، وهي الوميض الوحيد من الأخبار الجيدة خلال أسابيع قاتمة للغاية.
المصدر : غارديان